صحيفة المثقف

جبرا ابراهيم جبرا.. من رواد الفكرالتنويري في العالم العربي

khadom shamhod2كتب فان كوخ الى اخيه –Teo – (ان الانسان لم يأت الى هذه الارض لكي يكون سعيدا فحسب، بل انه لم يات اليها الا لكي يكون ببساطة- امينا -، لقد اتى لكي يحقق اشياء عظيمة من اجل الانسانية ..) هذا الخطاب وكأنه ينطلق من نفس المنطلق والخط الذي تبناه جبرا في حياته، فهما ينتمان الى نفس المدرسة الدينية ونفس المفاهيم الانسانية ..

لقد كتب النقاد والباحثون والمؤرخون والمحللون عن جبرا الكثير بحيث لم يبقوا شيئا الا ونبشوه وبالتالي فنحن هنا لم يكن لدينا غير التذكير والذكرى لان في الذكرى منفعة وفيها تطمأن القلوب، ومن باب آخر فما جزاء الاحسان الا الاحسان لان جبرا له الفضل الكبير على الحركة الثقافية والادبية والفنية في العراق بل وفي العالم العربي اجمع .

السيرة الثقافية:

كان جبرا قد ولد في بيت لحم في فلسطين عام 1919 وبعد الدراسة الثانوية حصل على منحة لدراسة الآداب الانكليزية في جامعة لندن كمبرج (1939 – 1943) ثم انهى دراسته وعاد الى فلسطين، بعدها انتقل الى سوريا وكان هناك صدفة بعثة عراقية تبحث عن مدرسين للتدريس في معاهد وجامعات العراق فتقدم جبرا اليهم وتم القبول وانتقل الى بغداد . حط جبرا في العراق سنة 1948 في قت كان العراق لتوه قد خرج من العصور المظلمة القديمة ولذا كانت مرحلة الخمسينات حافة بالحركة التنويرية والفكرية والادبية والفنية في العراق . وقد اشار بعض النقاد العراقيين ان العراق قبل الثلاثينات يكان ان يكون مجهول الهوية بالنسبة للثقافة والفن . بمعنى ان العراق كان ايام الاستعمار العثماني في حالة كارثية ومحزنة خال من كل اي تحضر او تمدن ..

كان جبرا غزير الثقافة والانتاج وامتازع بالتنوع في الادب بين القصة القصيرة والرواية والشعر والنقد والترجمة والرسم فهو موسوعة فكرية واسعة ساعده على ذلك دراسته الاجنبية التي غذته بكل مفاهيم الحداثة والرقي . واصدر حوالي 70 كتابا في مختلف الحقول الفنية والادبية .. . (انفتاحي العريض على بغداد او انفتاح بغداد علي، لم اكن اتوقعه او احلم به، وجعلني ذلك في نشاط دائم موزع بين التدريس ومتعة اللقاآت، بالاضافة الى الكتابة والمحاضرات العامة والترجمة) .

كان بيته في منطقة المنصور يعج بالزوار من اهل الادب والفن والثقافة  وكانت الدردشات الثقافية لا تكل ولا تمل وكأن جبرا نزل على العراقيين من السماء . ولا تجد اديبا او فنانا او مثقفا الا ولجئ اليه بالاستشارة وطلب النصيحة .. وكان يمتاز بالهدوء والاعتدال والبساطة وعذوبة النفس وو داعتها .. عكس العرقي الذي يمتاز بالحرارة؟ . ولم يجرح احدا طيلة حياته سواء كان في كتاباته النقدية او دردشاته ومحاضراته . وقد سأله احد اصدقائه عن خلوا كتاباته النقدية من التجريح فقال له انه ينظر الى الايجابيات ويترك السلبيات ..

- اسس قسم الانكليزي في كلية الآداب في بغداد واخذ يدرس فيهاالآداب الاوربية، كما اسس مجلة – العاملون في النفط - في البصرة . له الدور الكبير في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث مع جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد عام 1951. واسس ورشات فنية في كلية الآداب وغيرها . ترجم اكثر من 30 كتابا من اللغة الانكليزية الى العربية خاصة مسرحيات شكسبير والتي تعتبر من احسن الترجمات في العالم العربي لحد اليوم . كما كتب روايات في اللغة الانكليزية ثم ترجمها الى العربية . مثل – صيادون في شارع ضيق – وشارع الاميرات -

- احدث رجة تنويرية في الثقافة العربية وخاصة في العراق وربى اجيالا ادبية وفكرية واسس بيئة ثقافية جديدة . وكان السياب وغيره يعرضون اعمالهم علية ليأخذوا منه النصيحة والارشاد . كما ترجمت اعماله الى اكثر من 12 لغة اجنبة ..

اعماله الفنية:

كان جبرا رساما وصديقا لجماعة بغداد وقد نفذ كثير من الاعمال الفنية ذات الاسلوب الحداثوي يذكرنا باعمال المدرسة الوحشية والتعبيرية الالمانية، ولكنها لا تشير الى ذلك المستوى الاكاديمي والحذاقة والحنكة وانما اعماله تفصح عن مدى الافق المعرفي الواسع والطموح في الخلق والابداع والبحث عن الجماليات الفنية .. وكان بيته قد تحول الى متحف حيث نجد فيها اعمال جواد سليم وفائق حسن وشاكر آل سعيد وحافظ الدروبي وغيرهم من رواد الفن العراقي وكانت هذه الاعمال عبارة عن هدايا منحت له او اشتراها، كما ضم بيته مكتبة كبيرة فيها كنوز من روائع الكتب الاجنبية والعربية في مجال الثقافة والفن والادب والشعر وغيرها .. ولكن مع الاسف تعرض بيت جبرا المتحف الى انفجار متعمد من قبل الارهابيين بعد سقوط النظام الصدامي وتحول الى انقاض وركام واحترق كل شئ ..؟؟؟؟

دوره في الحفاظ على التراث:

يذكر ان ازمة العلاقات السياسية بين ايران والعراق في مرحلة السبعينات في زمن صدام كانت سيئة جدا . بحيث فكر صدام حسين بتهديم طاق كسرى في المدائن وتو جهت فرق التهديم بمعداتها من دوزرات وجرافات وشاحنات وغيرها ... ؟؟ ومعروف ان طاق كسرى كان من اكبر البلاطات في الشرق الاوسط شيد عام 540 م وهو مقر الملك الفارسي كسرى انو شروان وعند دخول المسلمين العراق عام 637 م حول البلاط الى مسجد .

و يذكر ان جبرا لما وصل اليه الخبر بان صدام حسين ينوي تهديم هذا الاثر العظيم ( يقال) انه قابل صدام وسلمه رسالة يشرح فيها اهمية هذا الاثر والتراث الذي ينتمي الى تاريخ العراق ترابا وارضا وان ابنا العراق هم الذين شيدوه بسواعدهم وانه ينتمي ماديا الى ارض العراق بغض النظر عن من امر بتشيده او سكن فيه، كما ان المسلمين حولوه الى مسجد ولم يتعرض اليه احد بسوء من كبار صحابة الرسول – ص - . ويقال ان صدام احترم رأي جبرا واقتنع بذلك وصرف النظر عن تهديمة . فاذا صحت هذه الرواية فيكون جبرا من اهم الشخصيات التي ساهمت في البناء والحفاظ على تراث وثقافة العراق .. بعد ذلك امر صدام حسين باعمار وترميم واصلاح البلاط وبناءه من جديد على طرازه القديم .

تكررت هذه الحادثة في زمن الخليفة هارون الرشيد ومعروف ان الرشيد كان قد جلب البرامكة الفرس لحماية عرشه وكان زعيمهم جعفر البرمكي من الاصدقاء المخلصين للرشيد . وكان الرشيد له اخت اسمها العباسة فوقع جعفر البرمكي بغرام العباسة (. ..) دون علم الرشيد ولما كشف الرشيد ذلك قرر الانتقام من البرامكة . ومعروف الحادث عند المؤرخين – بنكبة البرامكة – فقتل جعفر وطرد البرامكة ...و بسبب هذه الحادثة فكر الرشيد بهدم طاق كسرى ؟؟؟ فتدخل العقلاء من المقربين للرشيد ونصحوه بالكف عن ذلك، وفعلا تخلا عن تلك الفكرة وبقى القصر قائما بعمارته الاصلية حتى سنة 1888 حيث تعرض الى فيضان كبير ادى الى تهديم اجزاء كبيرة منه . ثم اعيد اعماره .. . هناك رواية اسمها- العباسة- رأيتها عند احد الاساتذة وكان يشرح لنا تلك القصة وما حدث للبرامكة كان ذلك ايام الدراسة الابتدائية ربما عام 1961 .

و بالتالي فان جبرا ابراهيم جبرا يعتبره البعض ابو الحداثة في الشعر الحديث ورائد من رواد التنوير في عالمنا العربي وله الفضل في خلق مدرسة للنقد والترجمة والتأليف والانفتاح على ثقافة العالم الغربي .. وجبرا هو مسيحي سرياني ارتوتكسي، وجبرا كلمة آرامية تعني القوه او الشدة وقد تزوج من عراقية وانجبت له ولدان واكتسب الجنسية العراقية وبقى في العراق رغم المآسي والحروب ولم يعد الى فلسطين حتى وفاته عام 1994 حيث دفن في بغداد .. نتمنى ان نرى له تمثالا في احد ساحات بغداد من قبل اهل الثقافة والفن والادب (والكرم) ؟؟ والمثل يقول ( من علمني حرفا ملكني عبدا) اما مسؤلي الدولة فنقرأ عليهم الفاتحة ؟؟؟ ... تحياتي

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم