صحيفة المثقف

من مآسي العلم في زماننا

abdulaziz khayl2ليسوا طلبة علم، إنهم علماء. لا يجلسون إلى الشيوخ ليستمعوا بل يتكلمون وعلى الشيوخ أن يسلّموا لهم. لا يتعلمون وإنما يعترضون. لا يتواضعون كالتلاميذ لكن يترفّعون كالمستغنين.

لا يسلّمون لا لمفسّر ولا محدّث ولا فقيه ولا أصولي ولا مفكّر ولا داعية لأن كل واحد منهم هو وحده المفسّر والمحدّث والفقيه والأصولي والمفكّر والداعية.

لا يحملون كراسا ولا قلما، ويحملون بدلهما مطرقة القاضي الذي ليس بعد قوله قولٌ.

كيف هذا ؟

قرأ الواحد منهم ورقات في مصطلح الحديث أو سمع درسا لشيخ سعودي فنصّب نفسه محدثا وحكم أن ذلك الشيخ هو بخاري زمانه !! أي استنجد غريقٌ بغريق.

لا يفرّق بين الإمام ابن (...) والإمام ابن (...) و يسارع إلى تخطئة هذا الكاتب وذلك المحاضر و تحتدّ خصومته، والعارفون ساكتون مشفقون عليه فيظنّ أنه قد غلبهم.

بضاعتُهم ليست العلم بل الجدال والمِراء  والحِدّة وسوء الأدب.

وليس شيءٌ أخطرَ على العلم من أنصاف العلماء وأرباع العلماء وأعشار العلماء ... ذلك هو الجهل المركّب الذي لا يعلم صاحبه أنه لا يعلم.

تصوّروا حال من قرأ كتابا أو بعض كتب في الطب ثم فتح عيادة يشخّص فيها الأمراض ويكتب الوصفات ويشرّح الأجسام... أليس خطرا يجب مواجهته وردعه ؟ أوليس اقتحام حِمى الدراسات الدينية بغير بضاعة أخطر وأنكى وأولى بالمواجهة ؟

وقل مثل ذلك عمّن يتركون مُحكَمات القرآن والسنة ويتّبعون المتشابه أي ما يحتاج إلى تخصّص علمي دقيق للجمع بين النصوص والربط بين الخاص والعام ونحو ذلك، فهم " يكتشفون " كل يوم تناقضا هنا وتناقضا هناك – في الآيات والأحاديث- ويبتهجون بذلك لأنه يدلّ على عدم صلاحية الشريعة !!!مساكين ... لو اتقوا ربهم لوقفوا عند قوله : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله (أي التهرّب من الحكم الشرعي) وما يعلم تأويله (أي معناه الحقيقي) إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " – سورة آل عمران  - الآية 7

الراسخون يؤمنون وهؤلاء يجادلون ويظنون أنهم راسخون .

المؤمن التقي يسلّم لحكم الله ويسأل الراسخين أما "علماؤنا " أبناءُ المطْرة الأخيرة  فلا يردعُهم حكم الله ، والعلماء لا يملؤون عيونهم ...

 إنه الغرور ... إنه الشيطان ينفخ في ذاتهم المنتفشة ليزيدهم بُعدا عن أخلاق الطلبة وصراط المؤمنين.

للعلوم الدينية قدسيتها وأخلاقها ورجالها، لكن البداية الموفقة تكون من غير شكّ بالإخلاصّ بدل حب الذات، وبتصحيح النية  وترك تصيّد الشبهات الممجوجة، وتحرير القصد ليكون السعي لله لا الانتصار لهذا المذهب الفقهي أو ذلك التيار العلماني.

هذا جانب أساسي من مأساتنا يجب أن نحمل همّه... العلمَ العلمَ والتواضعَ التواضعَ وتقوى الله قبل كل شيء وبعده.

 

عبد العزيز كحيل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم