صحيفة المثقف

جماعة الانبياء وسحر الشرق

khadom shamhod2يبدو ان كل شئ جديد هو في حقيقته امتداد لفكر قديم قد طرح منذ عدة قرون او آلاف السنين غير ان ادوات ووسائل تلك العصور لازالت قاصرة او غير متوفرة لتحقيق تلك الاحلام والافكار والعلوم، مثل فكرة الطيران التي طرحها العالم الاندلسي عباس بن فرناس في بداية القرن التاسع وتحققت عمليا بعد مرور 1200 سنة.. جماعة الانبياء هي عبارة عن مجموعة من الفنانين الشباب الذين اتخذوا الفكر المفاهيمي والصوفي مذهبا لهم، وظهرت في فرنسا حوالي عام 1892 . هؤلاء كانوا قد درسوا علم اللاهوت الشرقي من الديانة المسيحية واليهودية والفارسية والاسلامية وغيرها .. وارادوا ان يعيدوا الدين المسيحي الى اصوله الوحدانية الروحية، فعاشوا جميع الطقوس وجميع الثقافات والعقائد والتي اصبحت واضحة في اذهانهم، بعدما اعادوا قرأة التلمود والانجيل والقرآن وتعلموا اللغة العربية والعبرية ... وعاشوا الفكر الصوفي الوحداني العربي والذي يقوم على الزهد وتعري الانسان من الوجود المادي والاتصال بالمطلق عن طريق الرياضة الروحية التي هي عند الصوفية من المبادئ الاساسية، والتحرر من الشهوات الجسدية المادية، واتحاد النفس بالله اتحادا تاما ... (انا الحق .. /ابن عربي). وكان الطريق الى الباطن هو المسلك الصحيح للوصول الى المطلق .

هؤلاء كانوا يجتمعون في اماكن سرية ويرتدون الملابس العربية الشرقية ويتكلمون بالفاظ وكلمات ورموز عربية ويمارسون الطرق الصوفية (التي فيها احيانا نوع من الهلوسة)، كما هو معروف عند الجماعات الصوفية المنتشرة في عالمنا الاسلامي مثل مصر ودول شمال افريقيا وغيرها. وكان مؤسس هذه الجماعة بول سيروزيه واصدقائه اميل برنار، موريس دوني، وبيير بونارد، و قد زاروا الدول العربية في بداية القرن العشرين مثل مصر والجزائر وتونس وفلسطين .. وكانت دهشتهم لا توصف حيث كان حلم يراودهم طيلة حياتهم وقد تحقق . وها هم في الارض المقدسة ومهبط الكتب السماوية و ناسها وتقاليدها وثقافاتها وصوفيتها وحيث الجمال والالوان الحارة والشمس الساطعة والناس وطيبهم العريق .. وكانت هذه الجماعة واحدة من المدارس الغربية التي جذبها حب الشرق وفنونه و ثقافاته، وبعدها ظهرت المدرسة الوحشية التي سلكت باسلوبها الفنون الاسلامية .

اسلوبهم وتقنياتهم الفنية:

كان الانبياء قد اتخذوا طريقة الفنان كوكان منطلقا لاساليبهم وتقنياتهم وفلسفتهم المفاهيمية من ناحية التبسيط والاختزال والتسطيح والالوان الحارة والمباشرة . والقصة معروفة بين كوكان وسيروزيه، عندما علمه الرسم حيث خاطب كوكان سيروزيه كيف ترى لون الشجرة قال سيروزيه : اصفر، حسنا ضع ابهى اصفر لديك . وكيف ترى لون الارض قال: حمراء، اذن ضع اجمل احمر لديك ..

.. كما اتخذوا البسط والزخارف الاسلامية عناصر تشكيلية في بناء اللوحة، يضاف الى ذلك ادخلوا بعض الرموز مثل الحروف العربية، وحتى ان البعض منهم كان يوقع على اللوحة بحروف عربية .. كما استخدموا مدلولات الارقام ورموزها . فالرقم واحد يتضمن جميع الارقام، ورقم اثنين يمثل الصراع بين مبدأين، والرقم ثلاث يعني الثالوث ويعني ايضا الله، وله اهمية كبيرة في الرسم حيث يشكل مساحة تشكيلية بارزة وجميلة وراسخة، وغير ذلك من الارقام ومعانيها ..

و قد ذكر فيثاغورس ان كل شئ في الحياة مرتبط بالارقام . وقال جاليلو : ان الطبيعة كتاب مكتوب بلغة الارقام .. ويقول احد العلماء- ان الانسان رقم وحرف - والدلائل موجودة في القرآن والعلم وغيره . ولهذا اتخذ هؤلاء مصطلحات رمزية وغامضة صوفية المنحى . وقال احد النقاد وهو كاسو بان هؤلاء كان لهم وضوح في الاتجاه الفكري والرمزي . (الاندفاع الذي يودي بالفكر الى الاستغناء عن كل صنعة وتعقيد، والعودة الى الحالة البكر القديمة)

هؤلاء الانبياء يذكروننا بجماعة اخوان الصفا السرية الذين جمعوا بين الفكر والعقل والتصوف

والنسك والفلسفة . وقد بحثوا في فلسفة الارقام والحروف ومعانيها ومدلولاتها، وبقوا قرونا عديدة لم يعرف احد عن اسمائهم واصولهم، وقد تخلوا عن الذات وقتلوها في سبيل المعرفة والعلم .. نحن اليوم نرى ان البعض عندما يؤلف وينشر له كتاب تقام الدنيا ولا تقعد، وتجند له جميع وسائل الاعلام اطراءا ومدحا ؟؟ ...

و كان الانبيا مختلفين في الاساليب ولكل واحد منهم تقنيته الخاصة به ولكنهم متفقين في الفكر الصوفي وطقوسه وتقديم الفكر على العمل الفني والذي يعتبر الوسيلة للوصول الى الجوهر المطلق .. وكان الانبياء قد اصدروا مجلة تدعى – البيضاء – حيث نشروا فيها آرائهم الفكرية والفلسفية . وكان آخر معرض لهم اقيم عام 1899، ثم تفرقو واستمروا على فلسفتهم الصوفية والمفاهيمية . ......تحياتي

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم