صحيفة المثقف

العودة

sardar mohamad2رحلت عاتكة، وأرغمتها الأيام على الرجعى سريعاً، رحلت واحدة وعادت أربعاً هي وروحي الكامنة في خلاياها وفتاة متبناة ونعش .

هرعتُ إلى الشرفة أعتنق أعمدتها وشعرت كأنها بأفواة تتبسم وخدود تنضح عرقاً رغم برودة الإسمنت الذي زال اليوم عنها وكان قد علق بها بغياب عاتكة، ونظرت البحر فتخيلته أشد زرقة والنوارس أكثر بهجة وأنصع بياضاً، وتنبثق من الموج أياد مفتوحة تلوح لاستقبال عاتكة .

وعرف فرحان من الهالة الداكنة حول أحداقي أني لم أنم إلا قيلاً وطوال الليل لم تفارق خيالي، وراودتني مشاعر وطرحت على نفسي عدد من التساؤلات، كيف أستقبلها ؟ أبدي سروري بعودتها أم لا ؟ أأحترم حزنها على ترملها ؟ أأصافحها فقط أم يحق لي أن أعانقها ؟ ونمت بعد أن تغشى وجهي بليل شعرها والتحفت أنفاسي بعطر رقبتها .

المرأة تحترم الرجل الذي يحترم مشاعرها صادقة أم كاذبة فإذا كانت صادقة تحترمة مرّة واحدة لصدقه وإذا كانت كاذبة تحترمه مرتين مرّة لحساسيته في اكتشاف الكاذب ومرّة لمعرفته أنها كاذبة ولا يريد أن تظن أنه يريد اذلالها.

ويسألني فرحان إن كنت أتوق لها بعد أن ضمّها ذراع رجل .

- يافرحان مقاييس العفّة لاتتساوى عند البشر .يكفيها إنسانيّة إستمرارها بتبنيها ابنه زوجته الأولى الفرنسية التي هربت مع عشيقها، كأنك تتناسى أنها لم تغب عني في يقظتي ومنامي .

الحب يا صديقي أنواع ومنازل فحب عظيم كبيرلديك لدى غيرك ضئيل قميء .

صدق توقع جارنا السوري، فقد طرقت شقتنا عاتكة ومعها البنت المتبناة وهكذا غدونا  أربعة .

بتحيّة لا توازي شوقي اتجهت تلقاء الشرفة وكأنها تحتفظ بكلمات مغازلتي لها ونظراتي لها وصور عناقي وربتي على كتفيها،عندها قال فرحان متهكماً بصوت مسموع

 - ليتني خلقت من إسمنت لا من طين  .

إلتفتت صوب فرحان واعطته حقيبة من الورق المقوى كانت تحملها

- خذ هذا جلبته لك خصيصاً، زجاجتين من الويسكي الفاخر،أظن أنهما سيجعلانك صامتاً وتقبل حتى لوخلقت من ماء .

- أقبل يديك، هات بسرعة، أقبل لو خلقت من مياه المجاري القذرة، الله صبرت ونلت يا فرحان حقاً إن الجزائر تحبك ولم تنس عطشك، لن أشرب منهما يومياً سوى كأس صغيرة واحدة فأحافظ عليهما لأطول مدة ممكنة .

- إذن ستصبح بخيلاً من اليوم .

- نعم، ولا أسمح لأحد بشمهما، لا حتى برؤيتهما فربما العين تحسده فتجفف الكحول أو يتبخر .

- بدأت أشك بأنك مروزي وليس عراقي، إشرب فرحان بل إكرع واتعهد لك بزجاجات ويسكي فاخر أخرى قبل نفادهما .

لاحظ فرحان وجود خاتمين في بنصر كفها الأيسر مما يعرّف الناس على انها متزوجة وتخلت عنه، ربما هي مطلقة وربما أرملة، وتحاول بحركات إخفاء كفّها عن ناظري لئلا يستفزني منظرهما ، ولمّا أحست بنظرات فرحان المتسائلة لم تكن لتنقصها الجرأة فقطعت حديثها وقالت :

لا تعجب من لبسي الخاتمين الذين لم يعد لهما ضرورة ما غير احترام عقلية أبي وكما أشارت امي الأنثى الخانعة للذكورة حين رغبتُ ببيعمها:

 لا يا ابنتي لا يجوز ذلك ومعيب لموقع أبيك،ويوم تخطبين وتتزوجين ثانية وابوك في طور اقناع احد اترابه التجار ليتزوجك ابنه وأنا ادعو الله في صلاتي ان ينظرك بعين رعايته وبمقدورك استبدالهما .

- أي خطبة يا أمي ها أنت قلت استبدالهما هكذا استبدال زوج بآخر سهل لديكم أما المشاعر وكيان الأنوثة  فلا حديث عنه.الحب يا أمي حتى لو مات الحبيب، لا أظن ولا تقبلي أن أنساك يوماً .

 حتى لو نزعتهما في اثناء النوم أجابه باعتراض، حرام يا أمي حرام والله  .

- اش .. اش .. اصمتي لئلا يسمعنا أبوك فيغضب وتعرفين أن هذا موعد شربه القهوة ويتلذذ بسيجارة ينفث دخانها في الهواء بهون فلا تدعيه ينفث زبداً .

لكن ذلك لم يمنع حدقاتي بالتركيز على عاتكة، هناك شيء ما تغيّر . آه بروز شفتيها وارتفاع صدرها لتضخم نهديها حتى ان زرالقميص متوتر ويكاد القميص يفلت أيمنه من أيسره وبدت حمّالة نهودها المختلفة اللون واضحة  .

وقال فرحان فيما بعد

- أتظن انها لم تنتبه الى نظراتك لنهديها فهي تحاول اغراءك وإلا هل من المعقول أنها لا تملك قميصاً غيره  ؟ ألم تر كيف تعمدت لفت الإنتباه من خلال الألوان المختلفة .

- لا، هي تملك أكثر ولكن هذا القميص كانت ترتديه أول يوم تعارفنا فيه وتعلم أنه يمثل لها فاتحة خير، وأنت تفكر بشيء آخر،الرجال يا صديقي يسيل لعابهم لأية فرجة في ثوب أنثى، وربما كان زوجها هاو مداعبة النهود فكبرا .

الفرنسيون أكثر منّا وعياً يسترعي انتباههم عنوان كتاب وينتشون بمداعبة صدرصفحاته وارتشاف رضاب عباراته ولا يضيعون فرصة تسنح حتى في قطار المترو خلال دقيقتين من الفراغ تراهم مع يعانقون الكتاب . الكتاب عندهم أكثر امتاعاً من ممارسة الجنس ممتع عندهم أكثر من ممارسة الجنس والوصول إلى ذروة الحبكة في رواية ألذ من الوصول إلى ذروة اللذة الجنسية، ومطاردة العقول لنصوص مخلّقة أجمل من مطاردة أنثى .

عندما بدأ ضوء الشمس يتسلل من خلال النافذة هرعت عاتكة لتسدل الستارة جيداً لئلا يزعج دينا الفتاة التي ترعاها كما لو كانت أمها الحقيقية وأحبت الجزائر أكثر من حبها لباريس، رغم أن الجزائر لا تضاهي خدمات باريس الحضارية وتردد أكره باريس ونساء باريس متذكرة أمها التي فضلّت عشيقاً على ابنة .

- أحس كما لو أن كل شيء قصير قميء، برج ايفل، كنيسة نوتردام، متحف اللوفر.

- ويجيء صوت عانكة : لا لا ياطفلتي هذه نتاجات البشرية، آلاف البشر المخلصين لعلمهم وفنهم وعملهم  فلا تقارينها بهوس امراة .

كانت تحب كل شيء غريب عن مدينتها فهي تطرب لسماع الباعة في سوق السمك كل يدعو المشترين وبصوت عال يروج لبضاعته ويشجيها صوت الآذان وضجيج الحافلات والمسافرين في ساحة الوقوف العامة ويضحكها صياح امرأءة بوجه ذكر يتحرش بها  " يا الخامج " .

في كنف امها الفرنسية وبعمر تعدى العشرسنوات وضح للأم أن ابنتها ظهرت عليها ملامح ومظاهر تفتح الجنس المبكر وأخبرت ألأب بذلك،

 - يا امرأة لما تزل طفلة .

  - انظراليها تمثل الرقاد وكذئب تنام بعين واحدة وبالأخرى تتلصص على ممارساتنا الزوجية وفي كل مرّة أشعر أنها تتلقى درساً يزيدها خبرة وأخشى من تراكمها فالنضج له أوان وقطف الثمار لها مواسم ولكن ابنتك عبرت الحواجز بل تريد قفز قلاع الحرية نحو فضاء الفوضى .

ويفترض بنا اخراجها من مرقد الزوجية إلى غرفة خاصة بها .

- وهل تعتقدين أن الطفولة لاجنس يعتريها .

- يبدو لي أنك تقود ابنتك لسبيل العهر .

- العهر في مجابهة فسلجة البشر .العهرمن تأخذ مقابلاً لبيع الشهوة، وأحقر أنواع العهرتفضيل جسد على بضعة الجسد .

ولم تكن الأم راعية لبضعتها ولم يوفر الأب السبيل لعشقه فعشقت غيره وهربت تاركة الطفلة دينا

وكانت عاتكة كأم حقيقية وتؤكد دينا لها انها تكرة امها وابيها .

كانت تراقبها دون أن تشعرها بذلك وخلسة دخلت غرفتها فرأتها تحدق في صورة قديمة لأمها وهي تعانق أبيها وتدس وجهها في رقبته وتحدثها

- أكرهك يا أمي وأنت يا أبي، كلاكما اشترك في إلقائي كالقمامة .

تحاول عاتكة فكلاهما فقد ما يحب عاتكة فمن فقدته االطفلة كان السبب في فقدان عاتكة لي،

لم يكن الأب عنيفاً مع دينا بل مع أمها ولم أكن أعرف من كان السبب في ذلك مع أن عشرتهما الزوجية لم تنقطع ليلاً بعد شجار النهار وكانت تميل لأبيها لاسيما بعد هرب الأم مع عشيقها وبقيت تفكر هل معاشرات أمها الزوجية لقضاء أزمة فسلجية أم أن ألأب كان لا يجيد الغزل لكني لم تفهم الفرق بين جسدين ضمهما الفراش أن يكرها بعضهما فيفترقان .

ما زالت طفلة قاصرة عن التفكير أكثر من هذا وعاجزة عن الوصول إلى حل ونتيجة .

اليوم  رغبتي شديدة لمعرفة سر هذا الرجل الذي لا تستطيع عاتكة العيش بدونه كأنه رئتها التي لا تسمح الا للهواء النقي بالمرور.

خرجت عاتكة لتجلب بعض الأغراض النسائية

قال فرحان

 - أنا أجلب لك طلباتك

- لا ..لاتعرف يا فرحان

 - أنا لاأعرف،، أيعقل هذا ؟

- نعم يعقل،أرجوك يا فرحان أنا شاكرة اهتمامك .. ولكن أقصد لا تعرف ما تحتاجه المرأة فلم تتزوج لتعرف خصوصياتها،وتحصل على أنت ماتريد من النساء جاهزاً، طلباتي نسائية محض.

وقبل عودة عاتكة من التبضع ندهتني دينا وكانت مستلقية في الفراش وظهرها يستند باستقامة على وسادة

قالت : عمّاه هل تسمح لي بسؤال ؟

كانت مرتبكة وترتجف 

 - تفضلي

- أرجو أن لا تخبر والدتي به .

وكأن حنجرتها أصابها الجفاف، وأخرجت الجملة بمشقّة

- أهو سرّ،أنا لم أخف شيئاً عن عاتكة ولن اخفي.

- لا ياعماه اجبت على نصف سؤالي، أحس بأنك رجل صادق ومستقيم . ولكن أريد أن أتعلم كيف تستطيع المرأة امتلاك رجل . كيف استطاعت ذلك أمي عاتكة ولم تستطعه أمي الحقيقية مع أبي . كانت معي في المدرسة زميلة تقول أن أكثر من خمسة طلاب يعشقونها مرة واحدة، ولها القابلية ان تسخر منهم جميعاً دون علم أحدهم بالآخر حتى ولو اجتمعوا معاً فكل منهم يظن أنه هو الحبيب .

- هذه فتاة وقحة تتسلى بأنوثتها ويوماً ستجد نفسها بلا رفيق،إذا فكرت المرأة بإمتلاك كيان الرجل فهي لاتعرف معنى الحب، وإذا سعت الأنثى لتحتل منزلة في كيانه ولا تترك لغيرها مجالاً ولو للتفكير في احتلاله، ولا تسمح للرجل أن يجد في كيان غيرها منافساً لكيانها بلا تملّك فهي تحبّه حقاً، أمك عاتكة لم تشعرني أنها تسعى لامتلاكي ولا أنا شعرت بأني سأمتلكها فحياة المحبين ليست بضاعة .

- تخيلت أن معاشرتكما الجنسية هي السبب .

- هنا يقع اللافهم،عمر الجنس ما كان سبباً في إدامة الحب،الحب هو الذي يديم الجنس، إنه نتيجة لتمازج عقلين فإذا فعل عقل الذكرفعله كان لعقل الأنثى في اللحظة  رد فعل،وتمازج قلبين، فإذا خفق قلب الأنثى يخفق قلب الذكر في الوقت نفسه .

كنهر يحمل موجات ممغنطة يصل سواقي القلوب  ناقل لمليارات الأحاسيس ويترع المحبون منه الكؤوس وتسمع الأذن نغمات صوت شجية تبعث الهدوء والطمأنينة بعيدا عن القلق وضجيج دم المراهقة المنساب في شرايين النزوات .

- فهمت الآن ولكن أين يوجد كهذا الحب؟

- في كل مكان وكل آن كما الهواء لا يختار أمكنة بعينها يسكنها البرجوازيون أو المعدمون ولا يتكيف على وفق المزاج الأبوي بل مزاج النفوس .

- فهمت هذا ولكن قل لي ولا أبغي التطفل بل التعلّم، هل أنت عثرت على ماما عاتكة أم هي عثرت عليك ؟

- لا هي ولا أنا بل رجّة الحافلة، وحينها تلفتها بيدي خشية سقوطها .

فضحكا معاً بمودّة .

 - عيشي بشكل طبيعي، وكوني صادقة مع نفسك ستجدين حولك ألف صادق، الله ما ألذ ّالصدق .

عادت عاتكة من السوق ومعها باقة ورد حمراء وضعتها قرب وسادتي وأخرى صغيرة بيضاء أعطتها ل " دينا " وطبعت قبلة على جبينها وقالت: لقد أحضرت المطلوب،

 أبشري نعم أم لا؟

أغمضت " دينا " جفنيها بحياء : نعم .

بدت أنثى متكاملة، فتعانقتا بحرارة

لقد حل الهنود الحمر ضيوفاً بعد احتباس، إنه الطمث .

 

نهاية الفصل الرابع من رواية " متشتت "

لكاتبها سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم