صحيفة المثقف

المرأة ودورها في المجتمع بين ضرورات العصر ومحظورات الماضي..

fatimaalzahraa bolaaras2المرأة ذلك الكائن الجميل.. نعم المرأة هي ذلك المخلوق الجميل الذي يعطي معنى لكل شئ، للمكان للزمان، للحياة نفسها، هي الجمال نفسه هي السكن والسكينة وهي روح الإبداع في كل إبداع. هي صاحبة التفاصيل الصغيرة التي تصنع الحياة ولا معنى للحياة بدونها فهي روحها وريحانها تلك المرأة الحبيبة و الأم والزوجة والابنة والجدة والأخت هي بكل صفاتها التي تكثر أحيانا في امرأة واحدة ومع ذلك تحرص على أداء أدوارها المتعددة بكل دقة وإتقان ليس تمثيلا إنما إتقانا للحياة نفسها.

هل يحتاج المجتمع إلى المرأة أو بصورة أدق هل يحتاج إلى عمل المرأة ؟

يبدو السؤال سخيفا أمام الأعداد الهائلة للنساء اللواتي يغادرن كل صباح إلى مقرات أعمالهن في التعليم والإدارات والمؤسسات والمراكز بمختلف أنواعها وأهميتها، تتساوى في ذلك بنات الريف (الذي لم يعد ريفا في الحقيقة) وبنات المدينة (ولم تعد مدينة في الحقيقة هي أيضا) لأن الحقيقة الوحيدة هي أن المرأة كانت موجودة في أكثر المجتمعات بدائية و لا داع لأن نكرر ما يحرص الجميع على تكراره من أن الإسلام الذي نحن ندين بشرائعه قد أباح للمرأة ما أباح للرجل من السعي والكسب في حدود شرائعه التي هي للإنسان أولا قبل أن تكون للذكر أو الأنثى وعلى هذا الإنسان اختيار ما يوافق فطرته وقدراته وعليه نسال أنفسنا ونسال المهتمين بشأن المرأة هل الأعمال التي تقوم بها المرأة الآن ضرورية في مجتمعنا الجزائري؟ وذات فائدة وفعالية؟

ينبغي أن نفكر كثيرا قبل الإجابة على هذا السؤال وخاصة أولئك الذين تكون إجابتهم أو إجابتهن من نوع:

*مادامت المرأة قد تعلمت وحصلت على الشهادة المطلوبة فعليها أن تعمل بدل المكوث في البيت

*على المرأة أن تعتمد على نفسها فلن ينفعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها

أو من مثل: أن عليها أن تحقق ذاتها وطموحها وكأن الذات والطموح لا يكونان إلا بفضل الوظيفة.

هكذا نقرر دون أن نسال مرة أخرى إذا كانت هذه المرأة التي نحن حريصون على حل أزمتها مع المجتمع ومع نفسها إذا كانت تعمل في ظروف ملائمة أو أنها تلاقي الاحترام الذي تستحق كإنسان أولا ثم كامرأة ثانيا؟ لأن الأدوار المنوطة بالمرأة في أي مجتمع تختلف حسب تطلعات هذه المجتمعات وهي التي تدفعها إلى الاندماج فيها والقيام بها

ففي ظروف تاريخية معينة لم تفكر المرأة الجزائرية عندما التحقت بالجبال تداوي المجروحين وتحضر الأكل للمجاهدين وتعتني بهم وتساهم في الجهاد لم تفكر في دور ولا في حق أو واجب إنما وجدت نفسها تفعل ذلك بتلقائية يدفعها حبها لوطنها ووعيها بأنه في أزمة ويحتاج من ينقذه منها رغم أنها لم تكن متعلمة ولم تكن لها شهادة سوى شهادة الانتماء والوطنية وعلم التماهي في حبه الذي لا يدرس في المدارس أو الجامعات.

مالذي تغير؟

عندما حصلت المرأة على حقها في التعليم زاد إحساسها بواجب الإسهام في ترقية المجتمع وترقية نفسها قبل كل شئ لأن العمل في البداية والنهاية وقاية للمرأة من الفقر خاصة في ظل المتغيرات الجديدة والتي لم تعد المرأة تأمن فيها على نفسها من الطلاق أو الهجر او الابتزاز أو أي خطر آخر.

قد يكون عمل المرأة زاد في رفع نسبة الطلاق بشكل من الأشكال ولكن في جميع الأحوال تكون المرأة هي ضحيته الأولى ولو كان خلعا لأن مجتمعنا لا يزال ينظر إلىه( الطلاق) نظرة تقليدية بحتة وسيأتي زمن طويل قبل أن ننزع عن المرأة تلك الألقاب المسنونة التي تخز انسانيتها المكلومة والتي تتهمنا قبل أن تتهمها مثل العانس أو المطلقة أو الأرملة والتي نقولها وكأنها سبة أو شتيمة والدليل على ذلك أننا لانفعل ذلك مع الرجل فهو ليس عانسا حتى لو تجاوز الستين ولا حتى أرملا أو مطلقا اللهم إلا من باب التذكير في الحالتين الأخيرتين ليس إلا.

المرأة ذلك الجناح المهيض

إذا كان المجتمع لا يحلق ولا يطير إلا بجناحيه المرأة والرجل فإن المرأة في مجتمعنا تعتبر ذلك الجناح المهيض وهذا ليس قذفا فيها بل واقعا نجتره ولا نكاد نسيغه فبقدر ما تعمل الدول والهيآت على إعداد البرامج لترقية نسائها وتوعيتهن وانتشالهن من الفقر والبؤس والاستغلال وسوء المعاملة بقدر ما تصطدم فئة هامة منهن بالعادات والتقاليد تدخل معها   في صراع مرير ينتهي عادة بالتكرار مع فئة قادمة دون الوصول لحل متكامل وشامل فيه حفظ لكرامة المرأة التي هي كرامة الرجل قبل أن تكون كرامة المرأة.

تنجح المرأة عادة في أعمال هامة كالتعليم والطب والتمريض والتربية وحتى في الفلاحة والتجارة وبعض انواع الصناعة لكن هل تنجح في البناء مثلا هل تنجح في قطع المسافات الكبرى في البحار والطرق العابرة للقارات ؟ هل تستطيع المرأة أن تعمل في المناجم والأفران في أعماق الأرض؟

بالطبع لا لأن ذلك لا يوافق فطرتها ولا قوتها البدنية وطبعا هنا لا نتحدث عن الاستثناءات التي تبقى استثناءات ولا يقاس عليها

ومن هنا جاء دور المرأة ناقصا ويشبه الضلع الأعوج الذي يحلو للبعض العودة إليه للإنقاص من قيمة المرأة التي في الحقيقة تجاوزت التسميات والفتاوى المغرضة خاصة أن الحيلة لم تعد تجدي مع نساء الأنترنات والعولمة حيث رمين وراء ظهورهن بكل شي ورحن يسابقن الريح نحو النور والحياة

فهل أدركت نساء اليوم الحياة حقا؟

بشكل من الأشكال نعم أو لنقل بأشكال عديدة طبعا نتحدث هنا عن المجتمع الجزائري والمجتمعات التي تشبهه في العادات والتقاليد فلا أحد ينكر أن المرأة وصلت إلى مكانة عالية بحيث استفادت منهن مجتمعاتهن وزدنها نماء وتطورا في كثير من مكوناتها ومصالحها لكن إذا ما ابتعدنا عن الإحصاءات والإعلام ودخلنا كواليس هذه المجتمعات ورأينا المسكوت عنه إهمالا أو قصدا نجد أن هذه التطورات لم تمر بسلام على أهم ركائز هذه المجتمعات نفسها بل كانت وبالا عليه وهو الأسرة التي اهتزت بعض اركانها وقوضت أخرى فليس من المحبذ أن تخرج المرأة من الفقر والقهر ليقع أفراد آخرون في الإهمال والأمراض النفسية ثم نقول بعد ذلك أن المرأة ساهمت في بناء المجتمع ذاك مجتمع الأرقام التي لا تفيد شيئا أمام مجتمع القلوب وهو المجتمع الأسري الذي لا يحكمه المال وإن كان هو العصب الرئيسي في الحياة بل تحكمه قوانين وقواعد مفروضة تتداخل في بنائه ورسوخه وهي الدين والتقاليد والأعراف بل والتضحيات ....الخ ومن ثم إذا أردنا شيئا من التكامل والاستقرار علينا أن نسعى للوصول إلى بيئة ناجحة بمقوماتنا التي نعرف وليس بالأرقام والإحصاءات التي تبهرنا لكنها لا تقنعنا لأن نسبة كثيرة من أفراد مجتمعنا لا يرى النماذج الغربية صالحة لنسائنا رغم نجاحها في مجتمعاتهم التي تختلف اساسا عن مجتمعاتنا مع ملاحظة أنني لا أقارن هنا بينها وبين مجتمعنا لأن بديهيات المقارنة غائبة اساسا.

صحيح أن كل المجتمعات البشرية تتساوى في أهدافها وتطلعاتها لكنها تختلف في كيفية الوصول إليها وتحقيقها وتختلف في الدروب والسبل التي تنتهجها لذلك خاصة ولم يثبت اجتماعيا أوتربويا نجاح هذا السبيل أو ذاك

ماهي المحظورات التي تعيق المرأة في تحقيق ما تصبوإليه وما يصبو إليه المجتمع ؟

رغم أني أجبت عن السؤال فيما ذكرت من كلام آنفا إلا أنني أرى أنه لا مانع من طرح سؤال آخر قد يكون إجابة أخرى أكثر إفصاحا وإيضاحا وهو

هل صحيح أنها محظورات وعراقيل أم انها قناعات ورواسخ؟

فإذا كانت محظورات فعلا فإن العمل قائم على قدم وساق من أجل تخطيها سواء من طرف الرجل أو المرأة أما إذا كانت قناعات واختيارات فالأمر مختلف تماما وعليه فسوف يشحذ الطرفان(دون تحديد الطرفين فقد تكون أطرافا) همتهما في شد اللحاف ناحيته إلى ينتصر أحدهما أو يتمزق اللحاف.

والخلاصة

الخلاصة أن تعليم المرأة في نظري على الاقل كاف لأن تحقق به ذاتها وكيانها بل وجودها حتى لو لم تكن تعمل لأن تعلمها مستثمر في تربية أولادها إذا لم يكن قد استثمر في أدوار أخرى وهنا تحضرني مقولة مربي الأجيال الشيخ ابن باديس رحمه الله لا نريد من تعليم المرأة أن تصبح قائدة للطائرة ولكن نريدها أن تربي من يفعل ذلك مع ملاحظة أنه رحمه الله يتكلم عن زمنه وعصره ومرحلته حيث كان تعليم المرأة محظورا وهو مالا يستوعبه الكثيرون والكثيرات من أجيال اليوم التي أصبحت فيه المرأة تقود الطائرة فعلا .

بالعلم تستطيع المرأة أن تحقق نجاحا اقتصاديا واجتماعيا وهي في كسر بيتها لا تغادره إلا برغبتها ففي بعض الأعمال إعاقة لإبداع المرأة وسجن لطموحها وتفوقها الوظيفة قيد وخاصة للمرأة التي تعاني من المسئول والزبون والمراجع وصاحب المصلحة وتريد إرضاء من لا أبدا تستطيع إرضاءه

أصل الأشياء التي تطالب المرأة هي (الحرية) والحرية بالنسبة لها تكمن في اختيار الطريق الذي تراه يوافق فطرتها وقناعاتها وميولها وليس التقليد الذي أفسد دينها ودنياها (مازلت أتحدث عن المجتمع الجزائري)

المرأة الحرة قادرة على التحدي وتقمص العديد من الأدوار عن قناعة ورضا لأنها أدوار الحياة نفسها أما المرأة المقهورة المستغلة التي يرسم لها الجهال حدودا وهمية لا توجد إلا في خيالهم المريض فلا تجني منها المجتمعات سوى الانتقام بطريقة أو بأخرى

ماذا أقول للنساء ؟

بعد كل هذا سأقول للمرأة باختصار

ابحثي عن حريتك في بناء ذاتك لا في جرأتك

ابحي عن حريتك في عقلك لا في زينتك

ابحثي عن حريتك في مالك لا في عملك

وكوني راضية عن نفسك

لأنك لا تسطيعين إرضاء الجميع

وكل عام وأنت امراة

 

فاطمة الزهراء بولعراس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم