صحيفة المثقف

ذكرى لعيبي شاعرة الأسى

dikra laybieانا عندي من الأسى جبل

يتمشى معي وينتقل

أنا عندي وإن خبا أمل

جذوة في الفؤاد تشتعل "شاعر العرب الأكبرالجواهري "

أستطيع القول أن شعراء العرب غالبهم أثرت فيه لفظة الأسى، وأظن أن هذه اللفظة يستعار بها عن الألم والوجع والحزن والقهرواللوعة، وكثيراً ما وظّفت لتنوب عن الهموم الإنسانيّة ولا سيما الفراق والوحدة والغربة وهجران الأهل والوطن وفقد الحبيب والأنيس، وبهذا يكون الأسى معبراً عن الهموم الإنسانية الضخمة .

وأمثلة الأسى قليلة على ألسن الشواعر، كثيرة جداًعلى ألسن الشعراء، ويمكن التطرق إلى بعضها

قال ابو فراس الحمداني

وقفتني على الأسى والنحيب مقلتا ذاك الغزال الربيب

هنا الأسى هم إنساني صغير (من أجل مقلتين)

إبن زيدون في قصيده المشورة " أضحى التنائي "

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

تجاوز الهم الصغير إلى الضمير

كذلك (ابن الرومي)

ويختلف أبوتمام فيقول (ادخر الأسى) في شطر البيت" أمحمد بن سعيد ادخر الأسى "

أي اجعل الأسى ذخراً

وقال أيضاً

أتت النوى دون الهوى فاتى الأسى دون الأسى بحرارة لم تبرد

(أي حالت النوى بيني وبين من أهواه وأتى الحزن دون العزاء)

وما أحلى القول

كتمت الهوى جهدي فجرده الأسى بماء البكا هذا يخط وذا يملي

وهذه الصورة الفريدة

فكأنما غاص الأسى بجفونها حتى أتاك بلؤلؤ منثور

وقال مهيار الديلمي

أبكي وتبكي غير أن الأسى دموعه غير دموع الدلال

ووصل الحد أن الأسى ينحل حتى يرق الجسد، فقال الشاعر

ملكت بها رقي وأنحلني الأسى

والبحتري

(هل أنت مصطبر على مضض الأسى)

يقرن الأسى بالمضض

وخير ما أختتم به هذه الديباجة شعر متمم بن نويرة

وقالوا أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك

فقلت لهم إن الأسى تبعث الأسى دعوني فهذا كله قبر مالك

أرى أن ذكرى استطاعت أن توظف قصائدها النثرية بتمكن لتنثر همومها الإنسانيّة علينا بهدوء وتقاسمنا تلك الهموم دون أن تنادينا كمناداة حمامة (أبي فراس الحمداني) حين أُسر

تقاسم الهموم

الذنب والمغفرة والدموع ودهشة اللحظة وسكرة الموت والقبلة وكل ما هوغائب وحاضر

تقاسمني ذنبك وأقاسمك مغفرة

تقاسمني الدمع وأقاسمك دهشة اللحظة

تقاسمني سكرة الموت وأقاسمك لون القبلة

تقاسمني الغياب وأقاسمك الحضور

وتسأل ربما القدر : أما آن حصاد التعب ؟

فراق الأحبة

وافترقنا

لم أقل أنك النور الذي

غسل عيني

لم أقل إن قلبي لامس الجنة

عندما أحببتك

لم أقل أن نهر الحياة ينساب

بعروقي عندما تهمس : احبك

..........

لوم وعتاب النفس

مجنونة أنا يا أنت

أحبك كثيراً يا انت

لم أقل أحبك كثيراً

نعم بخلت بها عليك

ولذكرى قصائد مؤلمة في الإشتياق يمطر لوعة وقهراً

وتصل الذروة في قصيدة عندما أشتاقك

أقبل كل حروفي

لأنك كلها

سيدي

عندما أشتاقك

أرسم نخلة ونهراً ويمامة

وأبكي

........

.......

........

عندما أشتاقك

تسابقني الخطوة

وتشير إلى هناك

مدن من البنفسج والقرنفل

مدن أسوارها أنت

وأبوابها

ناسها

محرابها

تذكارها

مدن تفصلني عن بلاهة الحدود

وتجمعك بها

قوة القدر

هكذا عندما أشتاقك

لا أجدني هنا

ولا هناك

إنها قصيدة تعتصرالقلب اعتصاراً، وتؤكد أن قائلتها السيدة ذكرى شاعرة متمكنة من لغتها وبديعها وصورها الجديدة ولو أنها بسيطة، ويبقى الحزن مادام الجرح الغائر ينكأ الفؤاد والكبد، وهذا المفارق كل شيء مدينتها وابوابها وناسها وحتى محراب تعبدها .

هجرة الديار

في قصيدة وبكينا

لا وطن

لا دار

المنافي وحدها تعرف الطريق إلى أحزاننا

.....

......

جعلتنا نشيخ قبل مواسم

زهرة النوار

ونموت قبل أن نلمس كفوف

أحفادنا الصغيرة

غياب الأحبة

وتقول في أستوحش غيابك

ظلك وحده يثمل من رحيقي

يستعمر عروقي

يتملكني

أنا واثق من أن ذكرى سيكون لها مكان مائز بين شواعر العرب لأنها تمتلك فيضاً من الأحاسيس الإنسانية وتمكنها من لغة تجيد توظيفها للتعبير عن تلك الأحاسيس الصادقة وهذا ليس بالقليل، غير أني رأيت خلو نصوصها من الرموز ومن العبارات المركبّة والإستعارات وأن صورها الجميلة تنحو بها نحو البساطة، وهذا رأي متلق لا أعتقد أنه يضير ذكرى بقدر ما يدفع بها إلى مكانها المرجو.

 

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق بين بيخال والبنج آب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم