صحيفة المثقف

وسائل (التباعد) الاجتماعي

محمد حسين النجملعل اسوء ما شاع في الوطن العربي، الغارق في جهله واميته، وسائل التواصل الاجتماعي . ولعلها، كذلك، مفارقة ان نجعل ما يقرب المسافات سيئا، وسائل التواصل الاجتماعي اشبه بكل اداة مزدوجة الاستعمال، لها حسنها ولها سوءها، ويبقى المستخدم لها هو الذي يحد ذلك، ولا اظن سكينا بيد مجنون مبررا لالغاء دور السكاكين في خدمتنا، بل الاولى حجبها عن المجنون .

ما الذي حصل عليه قطعان العرب من وسائل التواصل الاجتماعي؟ فقط القيح الذي بات ينفثه الكل على الكل . مصدورون بتخلفهم وجهلهم، لا تحمل صدورهم الا وساخات موروثة ومستجدة، واذا اعيتهم الاوساخ خلقوها .

لاول مرة في تاريخهم، يدخل العربي في بيوت اشقائه على رقعة الوطن العربي، وكان المؤمل ان لا تتلاقى الا الاحضان، الا ان ما حصل تعاضدت الشتائم على وسائل التواصل الاجتماعي مع امور دُبرت بليل لتلطخ رقعة الوطن العربي بالدماء، واذ تكون مثخنا بجراحك، تاتي وسائل التواصل الاجتماعي لتغيّب وعيك، وتجعل من عدوك ولي حميم، فتفقد البوصلة ليضيع مستقبلك مع ما ضاع من ارواح اشقائك .

كنا قبل شيوع وسائل التواصل الاجتماعي نشعر بالحميمية مع كل من يشاركنا لغتنا، وتشعر بان المساحات الهائلة من المحيط الى الخليج ستكون منتزهات نخطوا عليها متأملين ان لا يترك العناق الذي نُستقبل به فسحة لنا لان نطأ ارضا بل ندخل قلوبا، وكان ما يشجينا ويؤلمنا تلك الخطوط التي تُجزء هذا الجسد ونهفو ليوم تسقط ما رُسمت من حدود .

لعله كان غريبا ان نجد من سلط علينا دكتاتوريات فجة عملت جاهدة على تكريس تخلفنا وجهلنا، هو من يلح على فتح افاق الفضاء بيننا . هل هو غباء ام تغابي؟ هل يمكن لمن مزقنا ان يعمل على اعادة اللحمة بيننا حتى وان كانت فضاءا سبرانيا؟

كان ذكيا، بل خبرته الطويلة في تمزيق الشعوب واذلالها كانت تخدمه في ترويج ما ينبغي ان نمارس بما لا ينبغي . وهكذا لم يمض عقد ونيف حتى حصد وحصدنا .بل حصد ما هو اكثر حين تصدى الموتورون والجهلة والمغرضون لامتطاء صهوة الفضاء ليمعنوا في تجزئة وتشظية الجزء، وهم يظنون انهم يحسنون صنعا .

هل علينا ان نلغي وسائل التواصل الاجتماعي ؟ اذن علينا ان نلغي السكاكين من مطابخنا، والمناجل من مزارعنا، والقواطع من معاملنا، لنزداد غباءا على غباء .

ان مهمتنا ينبغي ان نلجم المجنون ان يتمتع باستعمال هذه، فالشعوب القاصرة لا ينبغي ان نتركها دون وصاية . ولكن من يمكن ان يفعل ذلك ؟ لا احد، لاننا تولينا ان نجعل هذه في خدمة مآربنا وامراضنا، لازلنا مصدورين يملأ القيح صدورنا، والمفارقة ان وسائل التواصل الاجتماعي من الممكن ان تحمل لنا الشفاء، ولكن بعد ان نمعن في هدر دمائنا ومستقبلنا لنلتفت الى ما فرطنا في جنب اوطاننا .

ان مثقفي الامة، ان كانوا ينتمون الى امتهم حقا، عليهم امتلاك الرؤيا للمستقبل، ليس وفق رؤى فاسدين يلوحون لهم بالاموال لشراء ذممهم، بل من خلال وضع الوطن نصب اعينهم باعتبار مستقبله مستقبلهم ومستقبل ابنائهم، وان ما ضاع من فرص بناء المستقبل يتحملها كل من تصدى لهدره، سياسيا كان او مثقفا ارتضى ان يكون له ذيلا .

لازلنا نعيش التشظي، لاننا فاسدون لا نرى الا انتصار اوثاننا، مهما كان سوء الوثن، ولن نخرج من هذه الا بان ننكأ الجراح لننظفها من كل ما احاط بها من ادران، طاولة مستديرة يقودها مثقفون يجعلون الوطن همهم، لا يتوانون عن اقصاء من شذ لمرض في قلبه، ولا ينتهون الى تشاتم بينهم، لان هناك من مس وثنا فاسدا يعبده الاخر . تحطيم الاوثان من نفوسنا الطريق الوحيد لبناء مستقبلنا ومستقبل اجيالنا، وان تكون وسائل التواصل الاجتماعي بعيدة عن القاء قبح ظلالها على ما يدور هناك .

نزفنا بما يكفي لان اوثاننا تكرس وجودها بارتوائها من دمائنا، ووسائل التواصل الاجتماعي تعينهم على ذلك .

 

د. محمد حسين النجم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم