صحيفة المثقف

عنِ الشِّعرِ في العراقِ في القرنِ العشرين.. لمحةٌ نقديّةٌ موجزة

abdulreda aliليس سهلاً أن يكتبَ ناقدٌ إيجازاً للإبداعِ الشعريِّ في العراق لقرنٍ كاملٍ خلال بضعةِ أوراق، فالأمرُ قميـنٌ بالتريثِ، والتروي، والحيطةِ قبل تأصيلِ القولِ في التقويم والحكم احتراساً من الوقوع في خطل ِ الأحكام، وتحقيقاً لقدرٍ أكبرَ من الموضوعية.

فالمرحلةُ طويلة، والشعراء كثر، والمحطات التي ينبغي الوقوف عندها عديدة، والقصائد المفصليّة التي حرَّكتْ ماءَ البركة، وشكَّلتْ مساهمة في حركة التحديث بداءة ً من مرحلة الإحياء، وحتى مرحلة النصوص المفتوحة في نهاية القرن الماضي مختلفُ فيها، مما جعل أكثرَ آراء النقادِ تنصبُّ على الحقبِ التي ارتقت إلى مستوى التحولات، وضمَّتْ بين جناحيها أجيالاً من المبدعين، فكان الحديثُ عن الأجيالِ أكثرَ إقناعاً منهجياً من غيره، فأشير إلى إنجازاتها مجتمعةً، مع الاعتراف ببعضِ الجهودِ الفرديَّةِ على استحياء.

ومع أنَّ معظمَ الأسماءِ الشعريةِ الواردة في هذا الإيجاز تمثلُ مختلف الأجيال، إلا أن الحديثَ عنها، وعن إنجازاتها سيتخذ أكثر من منحى، فحين لا يكون للإنجاز أثر مهم في الخطاب الشعري فالمعوّلُ عليه منهجياً تأشيرُ سمات الحقبةِ، وما أفرزتْهُ من تلك الألوان الداكنة أو الباهتة في الأداء، والتوصيلِ، وحين يشكِّـلُ الإنجازُ أداءً مؤثراً، ويرتقي إلى رؤى فاعلةٍ، فإنَّ الضرورةَ تقتضي بعد تأشير خصائصِ تلك المرحلة ومميزاتها الوقوف عند أهم الأسماء الفاعلة فيها، وتبيين ما كان لها من ثراء في حركة الحداثة الشعرية في العراق، فضلاً عن أن هذا المنهج لا يرى من الموضوعية غضَّ النظر النقدي عن محاولات فردية محدودة خالفت السائد، وقدمت صرعاتٍ جديدةً ظلت محصورةً في نطاق أسمائها دون أنْ يُكتب لها الانتشارُ ، سواء أكانت تلك المحاولات في رسم القصيدة شكلياً، أم في التلاعب المقصود باللغة، وتكسيرها، والميل أحياناً إلى الخروج عن قواعدها مع سبق الإصرار والترصد.

*******

ـ 1 ـ

كان الشعر في العراق في القرن التاسع عشر امتداداً للحقبة التي يُطلق عليها بـ (حقبة الاجترار) أو (الانحطاط) إذ اتَّصفَ الأدبُ فيها بالعقمِ، وعدم التطور، والتراجع شيئاً فشيئاً دون الالتفات إلى دورهِ الفاعلِ في الحياةِ الثقافيةِ، والاجتماعية، والحضارية، وكان الشعر أكثر الأنواع الأدبية تراجعاً، لأنَّ الشعراءَ اعتمدوا في نظمهم على مواهبهم فقط دون أن يطوروها بالاكتساب، فنضبت قرائحُهم بمرور الزمن، وجفَّتْ منابعُهم التخيليّة لابتعادِها عن الصقل، وظلوا يكرّرون أنفسهم، ويقلدُ بعضهم بعضاً، ولم يلتفتوا إلى دور الفن في الحياة.

وقد ارتبط الشاعرُ بالبيوتات العريقة، والأمراء والحكام، وكان همُّه الأول وشأوه الأقصى إرضاءَ ممدوحهِ، لأنه يعيش على هباته، وما تجود به يداه. من هنا كان التكسبُ هدفاً من أهداف الشعر لدى جلِّ الشعراء، ومتى أصبح التكسبُ هدفاً في الشعر فاقرأْ على هذا الشعر السلام.

وكان الشاعر يهيئ نفسه لممدوحه قبل حصولِ المناسبات، فينظم قصائدَ عديدةً مختلفة الأغراض، سواء أكانت أفراحاً، أم أتراحاً، وحينَ تحينُ المناسبةُ المعيَّنةُ يُخرج قصيدته المهيأة سلفاً بعد أن يضيفَ إليها بضعةَ أبياتٍ لتحديد المناسبة، أو الأسماء الواجب توافرها في القصيدة، وهكذا يفعل في قصائد الرثاء، فقد هيأ نفسه لكتابةِ أكثر من قصيدة يُسبغُ فيها على المرثي أنواعاً من الصفات الكريمة، والمآثر الحميدة، وحين تقع الفاجعة يُضيف إليها بضعة أبيات لتتناسب والحالة التي سيقف فيها الشاعر منشداً بين يدي ممدوحه، أو من يريد تقديم التعزية إليه.

والشاعر لا يرتجي تطويرَ فنِّهِ الشعري بقدر ما يرتجي عطايا ممدوحه، وهو يرفضُ أحياناً استحسان الممدوحِ لشعره، لأنه يطلبُ حسناته:

كلما قلتُ قالَ: أحسـنتَ قولاً

وبـ (أحسنتَ) لا يباعُ الدقيقُ(1)

لم يكن الشاعر في هذه الحقبة راغباً في الاكتسابِ المعرفي الذي يطور استعداده، وأدواتهِ الفنية، لذلك كان يلجأ إلى بعض الألاعيبِ البلاغية ليضيِّعَ فيها وقته الواسع، ظناً منه أنها تشي بقدراته الفنية، فيلجأ إلى كتابة الأحاجي نظماً، أو يعمد إلى تخميس أبيات صديقٍ من مجايليه، أو تشطيرِ بعضها الآخر، فشاعتْ هذه الظواهر عند الجميع، حتى حسبها بعضهم من السمات الجوهرية في تلك الحقبة.

أمّا إذا تصدّت بعض جماهير الشعب لقسوةِ حاكم ظالمٍ، أو لجور والٍ متعسِّفٍ، ورفضت الإذعانَ لقراراته الجائرةِ، وأعلنتِ الحربَ عليه، فأنَّ هؤلاء الشعراءَ يتسابقون في تقديم التحريض على الثوار (وهم أبناء جلدتهم)، وحثِّ الولاة على محاربتهم، وقمع صوت الثورة فيهم، ثم يقدمون التهاني، والتبريكات إليهم بعد أن يتم إخماد تلك الحركات، ويحتفلون بالانتصار عليها، وعلى قادتها من أبناء شعبهم المظلوم، وكأنهم ليسوا من أبنائه، أو كأنهم يحاربون عدواً خارجياً، (ويستعدون لاستقبال الوالي عندما يعود منتصراً ظافراً تاركاً وراءه الأشلاء، والدماء وخراب البيوت!!)(2) فكان إسرافهم الشديد في مدح الولاة خلال تلك الانتفاضات الداخلية قد جعلهم عرضة للّوم والتقريع، والنقد الشديد، وسُبّة في تاريخ الشعر في العراق، لأنَّ تلك الانتفاضات لا تفسر إلا أنَّها ردّةُ فعل لفساد الحكم، وسوء النظام، فلِمَ كان الشعراء متبرعين في شتم القبائل، والثائرين منها خاصة؟ إنَّ الجواب ليكمن في ضيقهم من الحياة، وفي حاجتهم إلى هبات الوالي وعطاياه، فبعضهم كان في جواره، أو مستخدماً لديه في وظيفة من الوظائف الصغيرة(3) ومثل هذا الارتباط يؤدي إلى فقدان حرية الشاعر، وجعله سوط القمع المعلق بيد وليّ النعم.

   ومن الذين أسهموا في الحطِّ من قيمِ الشاعر، والشاعرية الشيخ صالح التميمي، وعبد الباقي العمري، وعبد الغفار الأخرس، ومن وقع في الدائرةِ نفسِها وكان سبّةً في تاريخ الإبداعِ في العراق.

*******

ـ 2 ـ

كرّست الحقبةُ الإحيائيَّة، أو ما سُميَ بعصر النهضة في العراق أسماء شعرية ً كان لها دورها الوطني الفاعل في نشر الوعي النضالي ضد سياسة القمع، وسلب الحريات، وربط العراق بعجلة المحتل الأجنبي، وإذا كانت الصورة قد غشيتها العتمَة إبّان الحكم العثماني، فإنها وضحت تماماً إبّان التصدي للإنجليز.

وعلى الرغم من أنّ جلّ الأسماء الشعرية كانت من بيئات دينية، إلا أنها كانت على وعيٍ تامٍ بما يجري في الدهاليز المظلمة لقوى الشر التي كانت بريطانيا العظمى ممثلةً له آنذاك، فكان لابدَّ للشعر من أن يتمترسَ مع الشاعر في خندق واحد، دفاعاً عن الحرية، وتحقيقاً لنيل الاستقلال، فقاد محمد سعيد الحبوبي (1849 ـ 1915م) الجيش الشعبي لمحاربة الإنجليز في منطقة الشعيبة سنة 1914م، وكان عبد المحسن الكاظمي (1865 ـ 1935م) قد غادر العراق سنة 1898م بعد أن ضيق عليه الحكم العثماني، حين عرّى بشعره سياسته القمعية، في حين ظلّ محمد رضا الشبيبي (1889 ـ 1965م) واحداً من أجرأ دعاة الحرية، فضلاً عن جهاده في محاربة الإنجليز في منطقة الشعيبة، وكان محمد مهدي البصير (1896 ـ 1974م) شاعرَ الثورةِ العراقية سنة 1920م بلا منازع، وصوتَها المدوي في جميع المحافلِ، كما كان محمد صالح بحر العلوم (1908 ـ 1992م) شاعرَ الشعبِ والمتصدي لعملاء الاستعمار وأذنابه طوال الحقبة التي عاشها.

وإذا كانت الأفعال النضالية لهؤلاء الشعراء، ومواقفهم الوطنية قد غطّت على إبداعهم الشعري، وكُرّسوا بوصفهم مثقفين، ومفكرين، وتنويريين تصادميين يدعون إلى تخليص شعبهم، ووطنهم من الاستلاب، والهيمنة الاستعمارية، فأنَّ هذه الحقبةَ نفسها كرّست شاعرين آخرين هما: جميل صدقي الزهاوي (1863 ـ 1936م) ومعروف عبد الغني الرصافي (1875 ـ 1945م) بوصفهما شاعرين للهداية والإصلاح بالنظم لا بالأفعال.

ويكاد الإجماعُ ينعقد في الخطاب النقديِّ على أن ما قدمه الزهاوي، والرصافي في الخطاب الشعري هو أقرب إلى دائرة الإصلاح منه إلى دائرة الإشعاع الجمالي في الإبداع(4) . علماً أن الرجلين قد تناولا موضوعات حيويةً في تلك الحقبة، فدافعا عن المظلومين وخصَّا الفقراء، والأرامل، واليتامى بهذا الدفاع، وسايرا صناعات العصر، واكتشافاته، ووقفا مع المرأة في الدفاع عن حقها في التعلم، والعمل، ونيل الحقوق بوصفها النصف المؤثر من المجتمع، وأسهما في التنوير الحضاري وإن كان نسبياً، وكانت لهما دعوات في الخروج على السائد، وتخطيه، كدعوة الزهاوي إلى الشعر المرسل، والتفلسف في الشعر، ودعوة الرصافي إلى سفور المرأة، والانقلاب على العادات والتقاليد البالية، والدعوة إلى معانقة الأفكار الثورية.

غير أن كلّ تلك الدعوات كانت خُطباً وعظيّةً نُظمتْ شعراً، وتمّ الاهتمام بالمعنى على حساب المبنى، فغابت جماليات النسيج، وفقد الشعر ماءَهُ، وغلبت الخطابيّة التقريرية على الإدهاش والإثارة.

ومع كل هذا، فإن القارئ الفاحص لهذا الخطاب لا يعدم وجود محاولات شعرية (وإن كانت قليلة جدّاً) شكلت رؤى رمزية مقبولة، إن لم نقل ساذجة في هذا الخطاب، ولعلّ قصيدة الزهاوي (إنّا غريبانِ ها هنا) تشي بذلك، فقد أفاد فيها الشاعر من الخطاب السردي، وجعلها قصّةً تدور بين شخصيتين هما: الشاعر، وشخصية الشيخ الذي يتعرض لشتائم الناس، وسخريتهم، وحين يقتربُ الشاعرُ منه، ويسألُ عن شخصيته، يجيبه: أحدُهم بأنه الحقُّ، وأنه غريبٌ في هذه البلاد.

ولما كان الزهاوي يرى نفسه غريباً كالحق في أمته، فإنّ التواصل يتم بينهما عبر هذا التشابه:

لقد كنتُ فــي دربٍ ببغدادَ ماشياً

وبغداد فيــــها للمـشاةِ دروبُ

فصادفتُ شيخاً قد حنى الدهرُ ظهرَهُ

له فوقَ مســتنِّ الطريقِ دبــيبُ

يســـيرُ الهُوينا والجماهيرُ خلفهُ

يســــبونَهُ والشيخُ ليس يُجيبُ

فســـاءلتُ من هذا فقالَ مجاوبٌ:

هو الحقُّ جاءَ اليوم فهوَ غريــبُ

فقلت له:( إنّا غريـــبانِ ههنا)

وكلُّ غريــبٍ للغريبِ نســـيبُ

وعلى الرغم ممّا في البيت الأخير من تناصٍّ في التضمين،إلّا أنَّ هذه القصّة الشعريّة قد تكلّفت سرديّةَ الوصف الفجِّ على حساب حيويّة الأداء المؤثّر.

*******

ومع أنَّ شعراءَ هذه الحقبة قد ترسّموا خطى التقليد للأسلوب القديم محاولين أحياءه بالابتعاد عن التكلف بالصياغة فكرّسوا هادين ناصحين وعّاظاً، إلا أنَّ هذه الحقبة نفَسها شهِدت ولادةَ شاعرٍ خطيرٍ يعدُّ أمهرَ شعراء العربيّة في انتقاء الحرف، وأكثرَهم قدرة على تطويعِ الشعر لإرادته، وأقدرَهم على البناء الجمالي للنسيج، هو محمد مهدي الجواهريّ (1900 ـ 1997م*)، فقد كان الشاعرَ البنَّاءَ، والصانعَ الحاذق، والمصور الملهم، فهو موسوعةٌ لغويةٌ حيّة⁽⁵⁾.

لقد كان الجواهري شاعراً وطنياً تصادميّاً، لم ينسِه الشعرُ نضاله الوطني، بل جعلَ شعره وسيلةً لهذا النضال، فقارعَ به الاستعمار والرجعيين، وألهبَ به عقولَ الشبيبة، وقلوبها، فاندفعت الجماهيرُ تردّدُ قصائدَهُ في كلِّ محفلٍ ومناسبة، ولن يرى قارئُ تاريخ العراق حياً كما في شعره، فهو متنبِّي العصر، وعلينا أن ننتظر ما بين المتنبِّي والجواهري من زمن... في أقلِّ تقدير، كما يقول عليّ جواد الطاهر⁽⁶⁾.

والحديث عن شعر الجواهري: نسيجاً، وصوراً، وإيقاعاً يطول، ويتشعب، لكنَّ الوقوف عند ظاهرة التناصِّ في شعره من جانب، ومحاولة تجاوزه لمفاهيم بعضِ الأغراض الشعريةِ من جانبٍ ثان حريٌّ بالذكر.

فالتناصُّ في شعره يدلُّ على ثقافةٍ عميقة لاسيما حين تلفتُ صوره الانتباه إلى ما كان من تفاعلٍ بينه و شاعره الذي يتناصّ معه شعرياً، لكنه وإنْ كان أميناً في إشاراته، إلى ذلك التناصِّ وصوره فإنه يدهش القارئ بفاعلية تناصِّه، وقدرتهِ على تجاوزِ صور شعرائه وإنْ احتفى بها. على أنَّ ذلك التناصَّ لا يردُ في شعر الجواهري إلا تلميحاً، وهو ميزة انفرد بها، ومثّلت تطوراً في منجزِ التضمينِ بلاغياً.

ولعلَّ أهمَّ أمثلتها (يا دجلة الخير)⁽⁷⁾، فحين أراد الشاعرُ إكمال لوحة بغداد عن طريق تداعي الصور أشار إلى أنها كانت ملعبَ أبي نواس وفضاءَ استجمامه، هنا كانت حافظةُ الشاعر طريقاً إلى التناصّ تمثلاً إشاريّاً، وليسَ تضميناً نصيَّاً في قوله:

يا أمَّ تلك التي من (ألفِ ليلتِها)

للآن يعبقُ عطرٌ فــي التلاحينِ

يا مستجمَّ (النُواسيِّ) الذي لبستْ

به الحضارةُ ثوباً وشيَ (هارونِ)

الغاسلِ الهمَّ في ثغرٍ، وفـي حببٍ

والملبــسِ العقلَ أزياءَ المجانينِ

والســـاحبِ الزقَّ يأباهُ ويكرهُهُ

والمنفقِ اليــومَ يُفـدى بالثلاثينِ

والراهنِ الســابريَّ الخزَّ في قدحٍ

والملهمِ الفنَّ مــــن لهوٍ أفانينِ

والمسمعِ الدهرَ، والدُّنيا وسـاكنَها

قرعَ النواقيـسِ في عيدِ الشعانينِ

ففي قول الجواهري: (الساحبِ الزقَّ يأباه ويكرههُ) تناصٌّ مع قول أبي نواس:

قد أسـحبُ الزقَّ يأباني وأكرههُ

حتـى لهُ في أديمِ الأرضِ أخدودُ

وقول الجواهري: (المنفق اليوم يفدى بالثلاثينِ): تناصٌّ مع قول أبي نواس:

نزلنا علــى أنَّ المُقامَ ثلاثـة ٌ

فطابت لنا حتى أقمنا بها (شهرا)

وقول الجواهري:

والراهنِ السابريَّ الخزَّ في قدحٍ

والملهمِ الفنَّ مــن لهوٍ أفانينِ

تناصٌّ مع أبي نواس وقد رهنَ ثيابه الثمينةَ كلَّها، من جملتها خلع خلفاء العباسيين عليه في قوله:

وبعتُ قميصاً سابريّاً وجبَّة ً

وبعتُ رداءً معلـمَ الطرفينِ

ثلاثينَ ديناراً جياداً دخرتُها

فأفنيتُها حتـى شرِبتُ بدينِ

(تنظر: حاشية القصيدة)

ومثل هذا التناصِّ يمكنُ أن يكونَ دليلاً لدرسِ شعر الجواهري في الوقوفِ على مصادر ثقافتهِ، ومدى عمقها التراثي.

وعلى الرغم من تفاعل الجواهري مع التراث الأصيل تفاعلا مثيراً، إلا أنَّ المثير فيه أيضاً تجاوزه لمفاهيم بعض الأغراض الشعرية للقصيدة التقليدية كالرثاء والمديح، وما في حكمهما، فهو يقدم صورةَ المرثي، أو الممدوحِ على نحوٍ غير مألوف، أو غريب، أو مخالف ، لذلك تجيءُ صورُه غريبةً غيرَ مألوفة، لتخرجَ عما كان سائداً في البنية التقليدية؛ من هنا كان شعرُ الجواهري لصيقاً بروحِ العصر، وتحولاتِ التحديث فيه، وإنْ ظل قالبُه كلاسيكياً، وهي ميزةٌ أخرى تضافُ إلى ميزات شعره الذي وصفه معظم النقاد بالكلاسيكي المجدد، أو آخر عمالقة الكلاسيكية الجديدة بنيةً وأداءً.

ولتقريبِ هذه الفكرة نشيرُ إلى قصيدة (فتى الفتيان... المتنبي) فقد طُلِبَ إلى الجواهري أن يشاركَ في مهرجان المتنبِّي في ذكراه الألفية سنة 1977م في بغداد، فأنشدَ الجواهري هذه المرثيّةَ بعد ألفِ عام على رحيل المتنبِّي، لكنها لم تكن مرثيّةً مألوفة أبداً، فقد أطلَّ المتنبِّي من خلالها علينا مقاتلاً معاصراً، بل قُل: فدائياً يقدمُ روحه من أجل أن يعيش الآخرون، فيختزلُ الزمنَ، ويلوي عنانَهُ بتحديه له، فيشتطُّ قاصفاً حيناً، ورقيقاً في حين آخر. معلناً أنه والدهر لدّانِ، بل هو الدولةُ التي تعالت على جميع الكيانات بقاءً وثباتاً:  

تحدّى الموتَ واختزلَ الزمانا

فتـىً لوّى من الزمنِ العِنانا

فتىً خبطَ الدُنـى والناسَ طُراً

وآلـــى أنْ يكونهما فكانا...

◉◉◉

دماً صاغَ الحروفَ مجنحاتٍ

رهافاً، مشــرئباتٍ، حساناً

يردنَ حياضَــهُ ينبوعَ فكرٍ

ويحضنَّ اليراعـة َ والبنانا

◉◉◉

وعاطـى رملَها مـن أصغريهِ

عيونَ الشـــعرِ تبرقُ والحنانا

وأبقــــى فوقها دمَهُ ليسقي

هنـاك (بشعبِ بوّانٍ) حصانا

فقد كرِهَ الطعانَ وكــانَ أدرى

بأنَّكَ ـ وهْوَ ـ مذبوحٌ طِعانا⁽⁸⁾

*******

ـ 3 ـ

الحداثةُ موقفٌ فكريٌّ من الحياة قبل أي شيء آخر، يتخذهُ أفرادٌ يؤمنون بضرورة التغيير، وإحداث الجديد، داعين إلى تطوير الحياة وتجاوز السائد المألوف إلى ما هو مغاير، ومبتدع.

وحين يجد هذا الموقف الفكري لهؤلاء الأفراد صدىً مؤيداً لأطاريحهم التنظيريّة، وآرائهم الفكرية، فإن هذا الموقف الجديد يصبح ظاهرةً حيويةً لا يمكنُ التهوينُ من شأنها أو إغفالها.

إنَّ الإيمان بالتطور هو الذي يقودُ إلى الحداثة، أما الركونُ إلى المسلمات وتقديس السائد بحجة المحافظة على الأصول فهو يقود إلى السكونيّة، واجترار القديم ليس غير.

على أن التحديثَ يجب أن ينطلق موقفاً قبل أن يكون رغبةً، إذ ينبغي أن يبدأ اللاحقُ من حيث انتهى السابق،لا على سبيل التقليد الفج،والتكرار الممل،إنَّما على نحوٍ من الإضافة الفاعلة والابتداع.

إنَّ محاولة تحديث شعرنا العربيّ اليوم لم تكن وليدة عصرنا هذا إنّما كان لها إرهاصات قديمة دلّت على أنَّ العقليّة العربيّة كانت ترفض تكرار السائد، والتقليد الأعمى، ووجد من الشعراء قديماً من كان يدعو إلى التجديد،واختراق قوانين النظم،لاسيّما ما كان من أثرِ شعراءِ الموشّحات في الأندلس من تجديد في الإيقاع دعت إليه الآفاق الحضاريّة الجديدة، فضلاً عمّا قام به بعض شعراء العصر العبّاسي من محاولات الخروج على المألوف، وعدم الانصياع حرفيّاً لقوانين الشعريّة العربيّة،ولعلّ في ما ذكرته بعض المظان الأدبيّة القديمة من محاولات أبي تمّام في مخالفة شعراء عصره في إيراد البديع المتّشح بالغموض المقصود فنيّاً، ومحاولة أبي نواس في استهجان المقدّمات الطلليّة،ومحاولة أبي العتاهية في الخروج على الأوزان الخليليّة ما يؤكّد ما ألمحنا إليه من رغبة في البحث عن الجديد، وتفعيل حركة الإبداع في حياة الأمّة⁽⁹⁾.

ومع أنّ الحداثة موقف فكريّ، فإنّها تطرح أيضاً تصوّراً جديداً للواقع التاريخي، والتراثي يتمثّل في الدعوة إلى حريّة الإنسان المبدع في التعبير وخلق شروط استلهام التراث، وتوظيفه في حركة الإبداع.

من هنا فإنَّ الحداثةَ تدعو إلى التأسيس للإبداع الجديد، تقنيّةً وفكراً، ورؤية كونيّة شاملة، منطلقةً من نقاط التنويرِ الإيجابيّة التي حملها التراث إلى أبنائه المبدعين.

يبدو أنَّ شعراءَ التحديث في العراق في مرحلةِ الريادة، وأعني بهم : بدر شاكر السيّاب، ونازك الملائكة، وبُلند الحيدري، وعبد الوهاب البياتي كانوا أسرع استجابة من غيرهم لضرورة التغيير، وإحداث الجديد، والبحث عن شكلٍ شعريٍّ بكر.

على أنّنا يجب أن نعترفَ أنّ محاولاتٍ عديدةً قد جرت قبل محاولاتهم لكنّها انطفأت ولم يُكتب لها النجاح، باستثناء محاولة عليّ أحمد باكثير الشاعر اليمني الحضرمي، حين ترجم مسرحيّة شكسبير(روميو وجوليت) شعريّاً، وحين ألّفَ مسرحيَّـته الشعريّةَ (إخناتون ونفر تيتي) إذ صاغ ذينك العملين على وفق رؤيةٍ جديدةٍ تقوم على وحدة التفعيلة لا على وحدة البيت، لكنّ أحداً لم يلتفتْ إليهما سوى بدر شاكر السيّاب.

   ليس معنى هذا أن هذا الشكلَ الشعريَّ الجديدَ قد تمَّ التوصّـلُ إليه مصادفةً فرديّة ً، وأنَّ المبدعين لم يكونوا على وعيٍ بمرحلتِهم،إنما كان هذا الإنجاز بعد معاناة كثيرة،ومحاولات عديدة للخروج من نمطيّة التكرار إلى أفقِ التطورِ الحضاري.

ويمكنُ إجمالُ أهمِّ الأسبابِ التي دعت المبدعين في العراق إلى البحث عن هذا الشكلِ الجديد بالآتي:

كان المثقفُ العربيُّ بوجهٍ خاص يعاني استلاباً ثقافياً، وفكرياً، واقتصادياً، وكان وراء هذا الاستلاب الاستعمار والهيمنة الإمبريالية، وحين انتهت الحربُ العالمية الثانيةُ سنة 1945م أعلن عن رفضهِ للواقع الذي كان يعيشه، رافضاً من خلاله هذا الاستلاب علناً فثار على واقعهِ، وتصادم مع البنى الفوقيّة معلناً عدم رضاه، وتبرمه من المسلماتِ التي كانت قد عشَّشتْ في طيات حياته، فدعا إلى التطور، وترك الاعتماد على ما كان سائداً من أعرافٍ ثقافية، ورأى أنَّ الثورةَ على النمطِ القديمِ جزءٌ من منهج فكري يتخذهُ المثقف الواعي المستلب لتحقيق تطوّره الحضاري ثقافياً، إيماناً منه أنَّ الأمة التي لا تؤمن بالتطور يُحكم عليها بالموت، وإنْ كان بطيئاً.

وعلى وفق هذا المنهج شملت ثورتهم الأوزان السائدة آنذاك، ورأوا فيها هندسيّةً صارمة، وأُطراً تقيِّدُ الانطلاقَ نحو التجديد، فثاروا على الأوزان الخليلية، ودعوا إلى تجديدها واهتموا بالبناء الفنِّي للقصيدة، كما اهتموا بالبناء الهيكلي لها، فأدخلوا في القصيدة المقدمة، والعرض، والنهاية، وجعلوا ذلك ضمن الهيكل. والهياكل عندهم مختلفةٌ لكنَّ أبرزَها على وفق رؤية نازك الملائكة¹⁰⁾ لا تخرج عن :

     ـ الهيكل المسطح: وهو الذي يخلو من الحركة والزمن.

     ـ الهيكل الهرمي: وهو الذي يستند إلى الحركة والزمن.

     ـ الهيكل الذهني: وهو الذي يشملُ على حركة لا تقترنُ بزمن.

   وكان من إنجازاتهم:

أولاً: التقنيةُ القصصيَّة:

ففي قصيدة نازك الملائكة الموسومة بـ (الخيط المشدود في شجرة السرو)¹¹ المكتوبة سنة 1948م، قصة شعرية تعدُّ من بواكير الشعرِ الذي اعتمد على تقنية السرد، وهي تصوّرُ حكايةَ حبٍّ مأساويةً أدارتها في سبعةِ محاور كان محورُها السابعُ دقيقاً في تكثيف الفجيعة:

ثمّ ها أنتَ هنا دونَ حراكْ

متعباً توشِكُ أنْ تنهارَ في أرضِ الممرِّ

طرفُـكَ الحائرُ مشدودٌ هناكْ

عندَ خيطٍ شُدَّ في السروةِ يطوي ألفَ سرِّ

ذلك الخيط ُ الغريبْ

ذلك اللغزُ المريبْ

إنَّهُ كلُّ بقايا حبِّكَ الذاوي الكئيبْ

إن الخيطَ في القصيدةِ رمزٌ للحبِّ، لذلك كانت الشاعرةُ موفقةً حين جعلت الحبيب يقطعهُ، ويلفهُ على إبهامهِ، ويعودُ به من غير وعيٍ منه، لأنَّ قيامه بذلك تلميحٌ إلى تحمله مسؤولية ما حدث، فكان أنْ عاد بهِ مقطوعاً، وهو تلميحٌ آخر إلى الانفصامِ الذي لم يعد يمتلك بعدهُ غير الذكرى التي حاول الاحتفاظ بها:¹²

ويراكَ الليلُ تمشي عائداً

في يديكَ الخيط ُ والرعشة ُ والعِرقُ المدوّي

(إنها ماتت) .. وتمضي شارداً

عابثاً بالخيطِ تطويهِ وتلوي

حولَ إبهامِكَ أخراهُ فلا شيءَ سواهُ

كلّ ما أبقى لك الحبُّ العميقْ

هو هذا الخيطُ واللفظ ُ الصفيقْ

لفظ ُ(ماتتْ) وانطوى كلُّ هتافٍ ما عداهُ

ثانياً: الأسطورة:

أدخلَ روّادُ التحديثِ الأسطورةَ في شعرهم لكونها أعلى مراحلِ الرمزِ، وجعلوا وظائفها بين محورين:

المحور الأول: الوظيفة الجمالية.

المحور الثاني: الوظيفة السياسية.

وكان بدر شاكر السياب أسبقَهم ارتهاناً بها، وإنْ شاركهم في بعضِ الرموز، أو شاركوه بها، كإجماعهم على رمزي (تموز) القتيل ، وحبيبته (عشتار) لذلك يعدُّ السياب أول من طوَّرَ الاستخدامَ الأسطوريَّ، وجعله استخداماً فنيّاً، وأول من وظّفَ الأسطورةَ في الشعر الجديد، ثم تبعه الشعراءُ الآخرون.

إنَّ السيابَ حين وظّفَ الأسطورةَ في شعره لم ينظرْ إليها كما نظرَ إليها إنسانُها البدائيُّ، إنَّما حمَّلها موقفَ الفعلِ الخلاق، لذلك لم يكتفِ بتوظيفها فنياً، إنما حوَّرها، وحمّلَ بعضَها مضامين جديدة، ومن تلك المضامين:

     1ـ التوحُدُ بالأسطورة.

     2ـ قلبُ الأسطورة.

     3ـ مزجُ الأسطورة بغيرها¹³ .

ومن أمثلة التوحد بالأسطورة قصيدتا (المسيح بعد الصلب) و (رحل النهار) ففي الأولى يوحِّد السياب بين رمزي (تموز) و (السيد المسيح) عليه السلام، ثم يتوحّدُ بهما من خلال مناجاة نفسية درامية ذات وقع جنائزي:

متُّ كي يؤكلَ الخبزُ باسمي

لكي يزرعوني مع الموسمِ

كم حياةٍ سأحيا: ففي كلِّ حفرةْ

صرتُ مستقبلاً، صرتُ بذرةْ

صرتُ جيلاً من الناسِ: في كلِّ قلبٍ دمي

قطرةٌ منهُ أو بعضُ قطرةْ ¹⁴⁾ .

وفي الثانية (رحل النهار) يوحِّدُ فيها بين رمزي (السندباد البحري العربي) و (عوليس) الإغريقي، ثم يتوحَّدُ بهما. ففي القصيدةِ صورُ انتظارِ حبيبته له بما يُشبه انتظار (بنيلوب) لــ (عوليس) في الأوديسّة.

ولما كان رمز السندباد يقارب من حيثُ الملمحُ الشعريُّ رمز (عوليس) فقد آثر أنْ يتبناهُ في التصريح لكونه عربياً، ولأن صورة ارتحاله الدائم ماثلة أكثر من (عوليس) في وجدان القارئ العربي، غير أنّ المتلقي الفاحصَ لا يجد في رمز السندباد ما يمنع من عدّهِ (عوليس) لأن جوّ القصيدة يعبر عن ذلك بوضوح:

رحلَ النهارْ

ها إنهُ انطفأتْ ذبالتُهُ على أُفقٍ توهَّجَ دون نارْ

وجلستِ تنتظرينَ عودةَ سندبادَ من السِّفارْ

والبحرُ يصرخُ من ورائِك بالعواصفِ والرعودْ

هو لن يعودْ

أوّما علمتِ بأنهُ أسرتْهُ آلهة ُ البحارْ؟

في قلعةٍ سوداءَ .. في جُزرٍ من الدم ِوالمحارْ

هوَ لن يعودْ

رحلَ النهارْ

فلترحلي .. هوَ لن يعودْ.¹⁵⁾

فالسندباد لم تكن لهُ زوجة تنتظرهُ كما كانت (بنيلوب) تنتظر (عوليس) ولأن آلهة البحار ترتبط بمغامرات (عوليس) أو (يولسيس) وبجوِّ الأسطورة بخلاف رحلات السندباد.

ثالثاً: القناع:

كان عبد الوهاب البياتي من أبرز المجدّدين، وأكثرَ المُساهمين في عملية التحديث، وكان واحداً من أبرزِ الملهمين في اكتشافِ دور القناع في التعبير الشعري، فحمَّلهُ همومَ الشاعر، وموقفهُ من الصراع في عالم اليوم، وجعلهُ يتحدثُ عن أخطر شواغل المبدع، ومعاناته، وما يحسُّ به من ضيرٍ وعنَتْ، فكان صوتُ القناعِ عنده يحملُ همومَ العصرِ، وهمومَ الشاعر، وهموم الإنسان في آن واحد، وتعد قصيدته (عن وضاح اليمن)¹⁶⁾ تعبيراً عن الأزمة التي يعيشها المثقفُ في عالمنا العربيِّ المتقلب في المواقف، فحوّلَ البياتي وضاحَ اليمن منشوراً سريَّاً قادراً على الوصولِ إلى الجميع، حتى بيت الخليفة، وصولاً إلى زعزعةِ الثوابت، وتحقيقِ هدف الإبداع في خلخلة الواقع المعيش،ومحاولة الانقلاب عليه؛ أملاً في تحقيقِ عالمٍ أفضل، بعيداً عن القهر والشعور بالاستلاب، لهذا يُحكمُ على القصيدة /المنشور بالموتِ خوفاً من افتضاح ِ ما تحمله من سرٍّ قد يؤدي كشفُهُ إلى زعزعةِ السلطةِ إنْ لم يسقطْها، فيُحْكمُ على القصيدة بالدفنِ، على الرغم من أنها غازلت السلطة مراراً، ويُصبحُ غيرُ المألوفِ مألوفاً في حالة خطيرة مثل هذه، إذ لا يحكم على (ديدمونة) التي اتهمت بممارسة الحبِّ زمناً بالموت، إنَّما يُحكَمُ على من غازلها، فتتحولُ الغيرةُ القاتلةُ في عُطيل إلى صالحِ ديدمونة ¹⁷⁾ .

عطيلُ كان قاتلاً سفاحْ

لكنَّ ديدمونة ْ

في هذه المرةِ لن تموتْ

أنتَ إذن تموتْ

أنت إذن تموتْ.

رابعاً : تداخلُ الأصواتِ والأزمنة درامياً:

ومن الظواهر الفنية التي أنجزتها حركةُ التحديث الشعري الأولى في العراق ظاهرة (تداخل الأصوات والأزمنة درامياً) وخير مثالٍ لها قصيدة بلند الحيدري الموسومة بـ (حوار عبر الأبعاد الثلاثة) إذ أدارها ضمن ثلاثةِ أصواتٍ عبَّرتْ عن علاقة الإنسان المأزومِ بالذات والموضوع والمطلق، (ينظر: الحوار الذي أدارهُ قاسم حَوَل مع الشاعر في مستهل ديوان الحيدري.)

وإذا كانت الذاتُ الشاعرةُ قد عمدت إلى تداخلِ تلك الأصوات في حركةِ البحث عن يقينٍ لمستقبل الإنسان المحبطِ في صراعه داخلَ ذاتهِ من جانب، وقيود الواقع الصادمِ للذاتِ من جانب ثان رغبةً في تحقيق فلسفة الفرد ذهنياً وعقائدياً، فإنَّ ما حققَ للنصِّ دراميته العالية تمثَّلَ في تداخلِ أزمنةِ النصِّ مع تلك الأصوات الثلاثة فيه، فحين ابتدأ النصُّ يفلسفُ علاقة الإنسان بذاته في الصوت الأول بدأت معه زمنيّةُ التداخلِ مع علاقته في المطلق في الصوت الثالث، تاركاً الصوت الثاني الذي عبَّرَ عن علاقة الإنسان بالموضوع يتشحُ زمناً واقعياً مرفوضاً من حيثُ القيمة الفكرية، لذلك كان يمثل بُعداً زمنياً متخلفاً، وبهذا التداخل الزمنيِّ بين الصوتين الأول والثالث تمكَّنَ الشاعرُ من أن يوصل إلى متلقيه افتراضهُ اليقيني من أن الله تعالى هو الحقُّ المطلق الذي تدور حوله تلك الأصوات وتتداخل فيما بينها:

والحقُّ هو البعدُ المتحركُ بين الأشياء

بينَ الإنسانِ

وظلِّ الإنسانْ

بين الزمنِ المتغلغلِ في الداخل

والزمنِ المتخثرِ في الخارج

يارب فمن ... بعُدَ عنكَ ... لم يركْ

ياربُّ ومَنْ ... قرُبَ منكَ ... لم يركْ

والقائلُ:

إنِّي، أنا الربُّ لم يركْ ¹⁸⁾.

خامساً: الرمز:

إنَّ الذاتَ الشاعرةَ قد تبيحُ لنفسها أن تعبِّرَ عن دواخلها بأساليب ملتوية مبهمة لكنها لا ترى في هذا الإبهام هدفاً مقصوداً، إنَّما هو جزءٌ من حياة النفس البشرية وصورة من صور الحياة¹⁹⁾.

فالرمز يدلُّ على معاناةٍ مختبئةٍ في نفس المبدع لا يريد التصريحَ بها، إنَّما يقودُهُ إليها لاوعيُهُ وأحلامهُ الباطنية، وتكونُ مهمَّةُ النقدِ أساساً في تحليل تلك الرموز، وتفسير اتجاهات اللاشعور على وفق ما يعتقده الناقد صواباً في كشفه للألفاظ الموحية، وعلاقة تلك الألفاظ بعوالم الأعماق الغامضة، وتحويل رموز معينة، من محليةٍ صرف، أو خصوصية مغلقة إلى رحابٍ إنسانية عالمية دالةٍ لا يجيء غفلاً من صانعها، إنَّما عن وعيٍ عامدٍ وإدراكٍ رصينٍ، ومعاناة حقه. ²⁰⁾

وهذا ما فعله جيلُ الرادةِ على نحوٍ جعل تلك الرموز مشحونةً برؤى فاعلة، لاسيما في (جيكوريات) السياب، و (عائشة) االبياتي.

جيكوريات السياب:

فالسيَّابُ هو أسبقُ شاعرٍ عربيٍّ معاصر ارتهن بالأزمة الحضارية وتعامل مع (ثيمات) العناصر الطبيعية تعاملاً رمزيَّاً، فارتفع باللفظة الدالة عليها إلى مستوىً سحريٍّ أعطت دفقها الشعري في معمار القصيدة الحديثة، وأكسبتها ضروباً من رؤى إبداعية موحية.

ليس معنى هذا أن السيَّابَ اقتصر على تلك الرموز الطبيعية حسب، إنما نعني تفرده فيها، لأنَّهُ كان قد استخدم العديد من الرموز التي شاركه فيها غيره، لاسيما ما أفاده من الميثولوجيا والقصص الديني، وما كان منها لصيقاً بالعذاب والتضحية، والنماء، كـ (تموز) و (عشتار) و (ادونيس) و (بعل) و (لاة) و (عوليس) و (المسيح) وغير ذلك، لكن تفرَّدَه كان في رمزين ِ ليس غير، هما: ( جيكور) و (بويب) فأصبحت قصائده الجيكوريّة (نسبة إلى جيكور) تمثل يوتوبيا السياب، ومدينته الخيالية، أو مدينته الفاضلة، وغدت جيكور رمزاً لإرَم ذاتِ العماد المعاصرة، وغدا السياب فيها شدَّادَ العصرِ الذي يبني يوتوبياه بالكلام لا بالذهب، والياقوت، والزبرجد، ففي قصيدة (مرحى غيلان) (21) يفجر صوتُ ابنه (غيلان) فيه تداعيات سريعة، فكأنَّ عودةَ الصوتِ إليه كانت عودةَ تموزَ إلى الحياة في الربيع ، حيث تتفجرُ الأنهارُ ، وتكبرُ البراعمُ (22) ولكن أين؟ إنها تحديداً في مدينة الحلم جيكور التي تتطلع إلى مثاليتها لتنقذه، وتنقذ البشر من أحزانهم وشعورهم بالإحباط:

جيكورُ من شفتيكَ تولدُ، من دمائِكَ، في دمائي

فتحيلُ أعمدةَ المدينة ْ

أشجارَ توتٍ في الربيعِ، ومن شوارعِها الحزينة ْ

تتفجرُ الأنهارُ، أسمعُ من شوارعِها الحزينة ْ

ورقَ البرعمِ، وهو يكبُرُ أو يمصُّ ندى الصباحْ

والنسغُ في الشجراتِ يهمسُ، والسنابل في الرياحْ

تَعِـدُ الرحى بطعامِهنّ.

كأنَّ أوردةَ السماءْ

تتنفسُ الدمَ في عروقي، والكواكب في دمائي.

أما (بويب) وهو نهر صغيرٌ حزينٌ في قرية الشاعر فإنه غدا جزءاً من تكوينه الوجودي، وقد توحَّدا سويةً، فغدا بويبُ السيابَ، وغدا السيابُ بويباً، فهو حين يرقدُ في قاعه ميتاً يهبُ الحياة لبويب تضحيةً من أجلِ إعادة البعث والخلق، لكنَّ النهرَ يبادله الفداء، فيعطي دمه للبشر، وتكون النتيجة فداءً بفداء:

أنا في قرارِ بويب أرقدُ، في فراشٍ من رمالِهْ

من طينهِ المعطورِ، والدمُ من عروقي في زلالِهْ

ينثالُ كي يهبَ الحياةَ لكلِ أعراقِ النخيلْ

◉◉◉

وأنا بويبُ أذوبُ في فرحي وأرقدُ في قراري.(23)

وهذه التضحيةُ المتبادلةُ تذكرنا بمقولة (بيكيت) في مواجهة الموت داخل كاتدرائية (كانتر بري) كي ينالَ (بيكيت) أكاليل الشهادة، ويرتفعَ إلى مصافِ النسّاكِ والأبرار:

(دمَه أعطى لشراءِ حياتي)

مشيراً بذلك إلى فكرة التضحية المسيحية. (24)

إنَّ (جيكور) و (بويب) ظلا لصيقينِ بالسياب، وشكَّلا خصوصيةً في تجربته الرمزية، فلم يعودا كالرموز الأخرى مشاعينِ لبقيةِ الشعراء من أبناء جيله، أو للجيلِ الذي جاء بعده، لأن تحويلَ السياب لذينِـِكَ العنصرينِ الطبيعيين رمزينِ فاعلينِ في تجربته الإبداعية على نحو من الابتكار الشخصي جعلَ الرمزينِ بمنأى عن الشراكة، وبات الذي يشربُ من بويب لا يستطيعُ أن يدَّعي حقاً فيه.

عائشة البياتي:

في شعر البياتي رموزٌ عديدةٌ بعضُها شاركه فيها آخرون، وبعضُها ما زال يوظّفُ حتى هذا اليوم، غير أنَّ رموزَ المرأة التي وظَّفها البياتي قد تأرجحت بين ما كان منها عامَّاً، وما كان خاصَّاً: فـ (خزامى) و (هند) و (عشتار) و (عين الشمس) وغيرها ظلت عامَّةً مشاعةً بين الجميع، سواء أكان قد تمَّ استخدامُها فنياً، أم إشارياً، لكنَّ: (قمر شيراز) و (لارا) و (عائشة) توحَّدت سويةً لتعلنَ عن رمزٍ موحَّدٍ يلتصقُ بالبياتي وحده، ويشكِّلُ تفرداً في النهاية مبتعداً عن جغرافية الشعراء المستلهمين لها مسافات ليس من السهل قياسُها.

إن توحُّدَ هذه الرموز بـ (عائشة) حصراً كان لهُ ما يبرره، فعلى الرغم من كلِّ إيحاءاته الإنسانية الاسمية، فقد غدا موحياً بالأسطورية، إذ تطور استخداماً ليشي بالأبدية امتداداً، ثم يشكلُ أخيراً مدينة العشقِ التي حلم الشاعر بها، وأرادها وطناً له ولكلِّ حبيباته.

   والبياتي في توحيده لهذه الرموز في رمز واحدٍ ينطلقُ من وعيٍ عامدٍ ليشكّلَ خصوصية استخدامه، فهو يرى في(عائشة) رمزاً زمنياً وأبدياً، فمن حيث كونه زمنيّاً فلأنه اسم لامرأة من لحم ودم، ومن حيث كونه أبديّاً فلأنه تطوَّرَ محلياً فامتدَّ من عشتار السومرية إلى عشتروت الفينيقية ، ثم تحوَّلَ إلى (عائشة) بعد ظهور الإسلام في الحاضنة العربية(25).

إنَّ عائشةَ في شعر البياتي رمزٌ للأنوثة والثورة والأسطورة، إنها صنوٌ للتصوف، لذا فهو يراها مركباً إنسانياً جديداً وُلِـدَ من كلِّ الأشياء وأصبح كائناً جديداً ستولدُ منه أشياء جديدة (أيضاً) ولعلَّ التوحّدَ والتحوّلَ والتعيّنَ هو الذي يقررُ مصيرَ هذه الرموز، ويعطيها مساحةً أوسعَ على خارطةِ الشعر وهو يواصلُ رحلته.(26)

إنَّ قصيدة (بستان عائشة) تكشف، كما يقول الشاعر، عن أن هذا البستان كان مدينةً مسحورةً، لذلك كانَ عربُ الشمالِ وهم يحجون إلى نهر (الخابور) كلَّ عامٍ في فصل الربيع لا ينسون أن يقدموا للنهر (الخابور) الأضاحيَ والقرابين لكي يفتحَ لهم أبوابَ هذه المدينة المسحورة (البستان) لكن ذلك كان يجري دون جدوى.(27)

بستانُ عائشة على (الخابور)

كان مدينة ً مسحورة ً

عربُ الشمالْ

يتطلعونَ إلى قلاعِ حصونِها

ويواصلونَ البحثَ عن ابوابِها

ويقدمونَ ضحيّةً للنهرِ في فصل ِالربيع

لعلَّ أبوابَ المدينةِ

تستجيبُ لهمْ

فتُفتحُ/ كلما داروا

اختفى البستانُ

واختفتِ الحصونْ

فإذا خبا نجمُ الصباحْ

عادوا إلى (حلب ٍ) لينتظروا

ويبكوا ألفَ عام

فلعلهم في رحلةٍ أخرى إلى (الخابور)

يفتتحونها

ولعلَّهم لا يفلحون. (28)

إنَّ عودةَ عربِ الشمال، إلى حلب باكين وهم ينتظرون ألف عام أخرى لكي يحجوا إلى مدينتهم المسحورة بحثاً عن بواباتها يذكرنا بمدينة (إرم ذات العماد) التي لا تظهر إلّا مرّة ً واحدة ً كلَّ أربعين سنة، وسعيدٌ من يستطيع أن يهتدي إلى بابها.

إنَّ رمزَ عائشةَ هذا تحول من محليته، وآدميته إلى رمز إنساني عام، فأضحت خصوصيته المرتبطة بالمبدع محلياً قادرة على الانتشار عالمياً بسحر التأثير الذي أحدثته، ولم يكن هذا ليتمّ من غير قدرة المبدع على تقديم الرمز متقناً.(29)

*******

وينبغي لنا ونحن نشير إلى إنجازات جيل الريادة التحديثيّة في العراق ألا تنسى ذكرَ رائدين ِ منسيين ِ في هذا الجيل، فقد أغفلَ النقدُ ذكرهما دون وجه حق، وهما: شاذل طاقة (1929 ـ 1974م) ومحمود المحروق (1930 ـ 1994م) فقد ساهما في تحديث القصيدة عن وعيٍ ودرايةٍ، وظلا يرفدان حركة الحداثة بإبداعهما طوال عمرهما الفني، ويبدو أنَّ ابتعادَهما عن العاصمة بغداد من جانب، وعدم وصول إنتاجهما إليها حال دون ذلك، وإلا كيفَ نفسِّـرُ هذا الإغفال(30) .!

أصدر شاذل طاقة ديوانهُ الأول (المساء الأخير) في العام 1950م، وأشار في مقدمته إلى محاولاته التحديثية من غير أن يجد المصطلح الكفيل بها، لكنَّه شرح للقارئ فكرة تلك التجارب الجديدة نظريَّاً، ونحن نظنُّ أنَّ تلك التجاربَ قد كُتبتْ قبل نشرها بعامين، أو عام في الأقل، ومما جاء في مقدمة الديوان قوله: ( فلقد جريتُ في عدد من قصائد الديوان على نسق منطلق، لا يتقيَّـدُ بقافية موحدة، ولا يلتزم عدداً معيناً من تفعيلات البحور، فإنك تجد في البيت الواحد تفعيلة، أو تفعيلتين، ولعلك تجد في آخر خمسة، وفي آخر أكثر، أو أقل، ولعلَّ من حقي أن أؤكد للقارئ أنَّ هذا الضربَ من الشعر ليس مرسلاً، ولا مطلقاً من جميع القيود، ولكنْ يلتزمُ شيئاً، وينطلق عن أشياء .) (31)

ومن يُخضِعُ بعضَ قصائد الديوان للقراءة الجادة، والتحليل العروضي يكتشف أنّ محاولات شاذل في ابتداع العروض كانت أسبق من غيرها زمنياً، فهو لم يكتفِ بإيراد الأسلوب التفعيلي الجديد، إنما أجرى تنوعاتٍ ذكيَّةً على إيقاع القصيدة الواحدة مستفيداً من تفعيلاتها المركبة، ومثل تلك التنويعات في البحور المركبة تأخرت عند جيل الريادة كثيراً.

ففي قصيدة (غضب) إفادةٌ جميلةٌ من تنويعات تفعيلة الرمل، فمرةً يستخدم أجزاء التفعيلة، ومرةً تقوده التفعيلة إلى بحر الخفيف، وفي ثالثة إلى ممدود التفعيلة دون أن نحسَّ خللاً:

اصعدي للسماءْ ... فاعلاتُنْ فعولْ

واهبطي للترابْ ... فاعلاتن فعولْ

لم يكنْ لي رجاءْ ... فاعلاتن فعولْ

في الهوى والعذابْ ... فاعلاتن فعولْ

فاغضبي، وأحنقي وعودي إليّا ... فاعلاتُنْ مفاعِلُنْ فاعلاتُنْ

بعد حينْ ... فاعِلانْ

أمَّا محاولاتُ محمود المحروق، لاسيّما في قصيدته (ظلام) المنشورة في جريدة (صوت الكرخ) في العام 1949م، فإنَّها وإنْ لم تكن بتلك التنويعات العروضية لشاذل، فإنَّ شكلها العروضيَ الجديدَ يتيحُ لها الدخولَ في تلك الريادة:

أسارى شبابْ

تمّردَ فوقَ الترابْ

وعربَدَ بالأمنياتْ

وفي سكرةِ الحــالمِ

تنفَّـسَ ليلُ العذابْ (32)

*******

ومن المجايلين لحركةِ الريادة (وإن لم يكونا ضمنَ دائرتها)، شاعرانِ مهمّانِ في حركة الحداثة الشعرية، هما: حسين مردان (1927 ـ 1974م) ورشيد ياسين (1929ـ 2012م) فقد كانا متمردينِ على الواقع الثقافيِّ آنذاك، جريئينِ في رفضِ السائد الذي كرسته مرحلةُ الإحياء، وإنْ اختلفا في أخلاقِ الشعر فكرياً.

كان حسين مردان يعلنُ عن أفكارٍ متطرِّفةٍ في الشعرِ والأدب، ويألفُ حياةَ التشرد بتلذذٍ وارتياحٍ، لكونهِ كان كما يقول: (عبد حريّة لا تطاق) إلى جانب شعورٍ مركَّزٍ، ومرعبٍ بالوحدة، ونرجسيّةٍ لا تتورعُ عن التباهي العلني بصاحبِها، ولعلَّ إهداءَه ديوانه الأول (قصائد عارية) المطبوع في العام 1949م إلى نفسه ما يكشفُ عن تلك النرجسيةِ العالية إذ قالَ في الإهداء: (لم أحبَّ شيئاً مثلما أحببتُ نفسي، فإلى المارد الجبار الملتفِّ بثياب الضباب، إلى الشاعرِ الثائرِ والمفكرِ الحرِّ، إلى حسين مردان.)

والمتَـتبِّـعُ لشعرِ حسين مردان، ومقالاته يلحظُ توكيده الشخصي لتشرُّده،ِ واعترافه بعدم الاكتراث بالقيمِ والتقاليدِ الاجتماعية، فقولهُ: ( أنا رجل شارعٍ حقيقيّ، بل أكثر من ذلك، إنَّـني شيخُ المشردين في العراق، وفي العالم) (33) يبيح لنفسهِ شعرياً أن يقول:

لعنةً جئتُ للحياةِ وأمضي

مثلما جئتُ لعنة ً للقبورِ

هكذا قد خُلقتُ وحشاً حقيراً

فتغنيتُ بالنشيدِ الحقيرِ.(34)

إذ يُشبّهُ مجيئهُ باللعنة، ونفسَهُ بالوحشِ الحقيرِ دناءةً في القول والعمل، ولعلَّ هذه الآراءَ المغالية، والنفثات الشعرية، وغيرها هي التي أدخلته السجنَ أربعَ مراتٍ، فقد كان يحيا حياةًً عاريةً من غير قناع، وربما قادتهُ تلك الحياة إلى بوهيمية شعرية لا وجودَ لها في شعر غيره :

كم ليلةٍ قضَّيتُها متسهِّداً

كالكلب ِ يلعَـقُ مرشفي قدميكِ

أمّا أنا فكما أختبرتِ فلمْ أجدْ

أشهى وأجملَ من شذى أبطيكِ. (35)

وللتاريخ نقول: إنَّ حسين مردان كان أسبق شاعرٍ كتبَ قصيدة النثر في العراق، ودعا إليها، لكنَّهُ كان يسميها بـ (النثر المركز)، ويبدو أنه خشيَ من تسميتها بـ (قصيدة النثر) طوالَ حياته.

أما رشيد ياسين فهو على النقيضِ التام من حسين مردان، فقد كان (حتى رحيله إلى الرفيق الأعلى) ذا شخصيّةٍ كلّها اعتداد، واعتدال، وحصافة في الفكر، والنقدِ، والشاعريّة؛ أمّا اهتمامُهُ بحداثة النصِّ الشعري، والارتقاءِ به إلى مستوى تحولات الواقعِ، فيكشفُ عنها الشعرُ المشحونُ بالدلالات الرمزية، والعمقِ في اللغة، واتساعٍ مديات الإيقاعِ في القصيدة، واستخدام تقنيات السردِ في الأداء والتوصيل.

ولعلَّ قصيدته (الدمية الحزينة) خيرُ دليلٍ على ذلك، إذ تألّفتْ من حوارية تدورُ بين بطلِ القصيدةِ والدمية، وهما ينتظرانِ سيدةَ البيتِ الغائبةَ، لكنَّ هذه الحوارية استخدمت تقنية (المونولوج الدرامي) فكلاهما (البطل والدمية) يخاطبُ الآخر داخلياً:

ـ قالت ستغيبُ ثلاثة أيام !

أترى كم يوماً مرَّ ؟ ..

وهذا الصمتُ .. أتشعُرُ كمْ هوَ قاسٍ ومخيفْ ؟!

يدهِشُني أنكَ تمضي لتنام !

إنّ رشيد ياسين يظلُّ شاعراً كبيراً، وإنْ لم ينصفْهُ النقدُ، مع أنه من أبرزِ شعراءِ جيل السيَّاب، ومناصريه في معاركة الأدبية، الأمرُ الذي يثيرُ سؤالاً حائراً عن هذا التعتيمِ غيرِ المبرَّرِ، ففي مجموعته (الموت في الصحراء)(36) قدّمَ نصوصاً غنيّةً في تقنية (المونولوج الدرامي) المناجاة، سواء في القصائد التي وظَّفَ فيها الرموزَ الإغريقيةَ مثل (ديونيس) و (أوليس) أم في تلك التي وظّف فيها أحداثاً، وأثاراً إبداعية مثل (قلعة السينور) و (الغصن الذهبي) وغيرهما، لكنَّ أحداً من النقادِ لم يجرؤْ على الاقتراب منها تحليلاً، وتفسيراً، وتقويماً، ويبدو أن للسياسةِ شأناً في ذلك.

*******

وقبل الانتقالِ من هذا المحورِ لابدّ أنْ نشيرَ إلى شاعرينِ آخرينِ مهمّينِ في هذه الحقبة هما: محمود البريكان (1931 – 2002م)، و عبد الرزاق عبد الواحد (1930 – 2015م.) ويعدّانِ من أشهرِ الشعراء الذين كتبوا القصيدةَ الكلاسيكية الجديدة، والقصيدة الحديثة، وإنْ اختلفا رؤيةً، فقد اهتمَّ الأوّلُ بالإنسانِ، وحملَ هموم المتعبينَ المسحوقينَ في كلِّ مجالاتِ الحياة، في حين كرّسَ الثاني إبداعه لخدمةِ الطغيانِ، والدفاعِ عن الدكتاتوريّةِ، وإن خصَّ في بعضِ قصائدهِ ذاتَهُ الشاعرةَ بأجملِ صورهِ المبدعة، كما في قصيدة (زيارة) التي يخاطبُ فيها ملكَ الموت طالباً منه أن يترفّقَ به حين يزوره، متضرِّعاً إليه ألاّ يوقظَ أولادَهُ حينِ يستلُّ منه الروح:

من دون ِميعادِ

من دونِ أنْ تُقلِـقَ أولادي

أطرقْ عليَّ البابْ

أكونُ في مكتبتي في مُعظمِ الأحيانْ

اجلسْ كأيِّ زائرٍ وسوفَ لا أسألُ لا ماذا ولا من أينْ

وحينما تُبصرُني مغرورَقَ العينينْ

خذْ من يدي الكتابْ

أعدْهُ لو تسمحُ دونَ ضجّةٍ للرفِّ حيثُ كانْ

وعندما تخرجُ لا توقظ ْ ببيتي أحدا

لأنَّ من أفجعِ ما تبصرُهُ العيونْ

وجوهَ أولاديَ حينَ يعلمونْ

في حين كرّسَ البريكان شعرَهُ لتصويرِ معاناة المهمَّـشينَ، كما في (حادثة في المرفأ) التي يصوِّرُ فيها ذراعاً طويلةً لرافعةٍ حديديّةٍ تهوي على أحدِ عمالِ المرفأ بكلِّ ما تحمله من كتلِ الصُّلبِ، والحديد، فتحيله (دماً يسيل) .

لكنّ القصّةَ لا تنتهي بمقتلِ العاملِ، وتصويرِ لحظةِ سقوطِ الذراع عليه، أنَّما في مايردُ من سردٍ مثيرٍ بعد الحادثةِ يتلمَّسُ دقائقَ الأشياءِ ، فزملاءُ القتيل من العمال لا يعرفونَ عنه غيرَ اسمهِ الأول، وليس أكثر من أنَّه أبٌ لبنات، وليس له بنون ، وحين يتفحصونَ جيوبَ ملابسِه لا يجدونَ فيها غيرَ ظرفٍ عتيقٍ فيه رسالتانِ، وبضعةٌ من نقودٍ معدنيّةٍ تلوثتْ بدمه القاني، هي كلُّ ما خرج به من حياتهِ المهانة:

"من يعرفُ الآنَ القتيلْ "؟

إلا اسمه . حتى أسمِه بتمامهِ لا يعرفون!

ويقالُ إنَّ لهُ بناتٍ في مكانٍ يجهلونَهْ.

ناءٍ ، وليس لهُ بنونْ

في جيبهِ ظرفٌ عتيقْ

ورسالتانِ، وفي جيوبِ ردائهِ الخلِقِ، الرقيقْ

وجدوا نثاراً من نقودْ

هيَ كلُّ ما استبقاهُ من أيامِ غربتهِ الطويلةْ

ومن المهانة ِ – والضياعْ

قطعاً مدوّرةً صقيلة ْ

بيضاً سوى نقطٍ بلونِ الجمرِ من دمهِ المضاعْ.

*******

ـ 4 ـ

شهدتِ الستينياتُ في العراق تحولاتٍ سياسيةً خطيرةً متشنجةً أدَّت إلى نكساتٍ في كلِّ مساراتِ الحياة والفن، فانحسرتْ عن مسرحِ الحياةِ والإبداع أنهارٌ كانت راغبةً في تغيير حالةِ الجدب المنتشر، وصولاً إلى تحقيق حالةٍ من الخِصبِ الفكريِّ، والإبداعِ الفاعلِ، وقد تعددت أسبابُ ذلك وتنوّعتْ، لكنَّ أهمَّ عاملينِ فيها هما: حدوثُ انقلاب 8 شباط الأسود في العام 1963م، وما تلاهُ من أحداثٍ قمعيَّةٍ، وقيام بعض الدوريات الأدبية لاسيما مجلة (الآداب) البيروتية بالدعوةِ إلى نشرِ الأدبِ السوداويِّ المتشحِ بالسأمِ من الحياة، والنظرة القاتمة، وإشاعةِ العدميّة.

وفي خلالِ تلك الفوضى، وذلك الجدْبِ المميتِ خلتِ الساحاتُ الأدبيَّةُ من الأقلامِ المبدعةِ الحقّة، بعدَ أن زُجَّ بالكثيرِ منها في السجون، والمعتقلات، وبعد أن كانَ نصيبُ القسم الباقي (منها) المطاردة والتشرد.

وفي خلالِ هذا الغياب الأدبيِّ المفروضِ قسراً اعتلى منابرَ الأدبِ أناسٌ كانوا من صنعِ هذه المرحلةِ، فحاولوا أن يجعلوا الساحةَ الثقافيةَ ميداناً للخواءِ المتآكلِ الذي لا علاقة له بالحرية، والمجتمع، وما أصابه من ظلم، وجورٍ غير سوداويةٍ متأتيةٍ من غيابِ الوعي الفكريِّ لأبعاد ذلك التحرك، فأنتشرَ الغثُّ من النتاج الذي لا تعرفُ له مضموناً، ولا هدفاً غير تسطيرِ الكلماتِ على نحو يوحي بالهلوسة، فظهرتْ نصوصٌ تلمّحُ إلى وجودية من نوعٍ خاص، لا تجدُ في معجمِها غير العدمِ، والسأم، والعبث، فظنَّ كثيرٌ من الأدباءِ الشبابِ الذين كانوا في مرحلةِ التخمّرِ، أنَّ سمةَ العصرِ، وهذه الحقبة بالذات هي هذه الرؤيةُ السوداويةُ للحياة، وعندما بدأوا المشاركةَ كانوا ضحايا تلك الرؤيةِ المزيّفةِ دون وعيٍ منهم، فتورطوا بحسنِ نيَّـةٍ في تلك الرؤيةِ المريضة، وأنتجوا أدباً أسموه بالسوريالي تارةً، وأدبِ الضياعِ والخيبة تارةً أخرى، وظلوا سادرينَ في ذلك الاتجاه حتى حصولِ نكبةِ الخامس من حزيران في العام 1967م، التي أدتْ نتائجُها إلى الثورةِ على كل المسلّمات، السياسية ، والفكرية، والأدبيّة المثبطة، فكان أن أنهزمَ الخواءُ، والجْدبُ القاحلُ، وعاد تموز ثانيةً إلى الحياة مبشراً بالستينيين الذين أشعلوا فتيل التغيير.(37)

لقد قدّمَ الستينيونَ إبداعاً ذا أفقٍ مغاير، وارتقوا بنصوصِهم إلى مستوى التحولاتِ التي شهدها الواقع، سواء أكان ذلك في الصياغة اللغوية، أم في التقنيةِ الأسلوبية، أم في دلالات الرمز، أم في حركة الإيقاع الداخلي.

ففي اللغةِ كانت جملُهم مصاغةً بمهارةٍ أعلى، وفي التقنية الأسلوبية أفادوا مما قدَّمهُ الفنُّ القصصيُّ من إدخال (المونولوج الدرامي) و (الديالوج) و (الراوية/ العليم أو الموضوعيّ) في القصيدة الدراميّة، وفي الرمزِ كانت دلالاتُهم مشحونةً بتأويلاتٍ فاعلةٍ في الأداءِ التعبيري، وفي الإيقاع الداخليِّ شدَدوا على التدويرِ السائبِ، وتكوينِ التجمعاتِ الصوتيةِ المتماثلةِ، أو المتجانسة، وصولاً إلى تحقيقِ حيويّةِ الإيقاعِ الخفيِّ.

ومع أنَّ جلَّ الستينيينَ قد شربوا من (بويبِ) السيابِ، إلا أنَّهم رفضوا الاعترافَ بذلك، بل أنَّ بعضَهم جاهر بأنه قد تجاوزَ مرحلةِ السيَّاب، أو أنه لم يكنْ قد تأثَّرَ بتجربتهِ، ومثلُ هكذا إدعاء يذكرُنا بقولةِ أندريه بريتون: (حين يتعلقُ الأمرُ بالتمرّدِ ينبغي ألا يحتاج أحدٌ منا إلى أسلاف)..

إنَّ الستينيينَ جيلٌ كبيرٌ، وإنجازاتُهُ ضخمة، وحيويةٌ، والرداءةُ في إبداعهِ قليلة، ولعلَّ الإحاطةَ في (ما لَهُ وما عليه) تقتضي كتاباً في الخطابِ النقديّ، فقد كانوا أشدَّ صرامة على اختراقِ السائدِ، والانطلاقِ إلى آفاقِ التجريب، وإحداثِ الجديد، ووضح ذلك في رؤى عديدة ، في بنية النصِّ، وفلسفتِه، وإيقاعهِ؛ فقد مثَّـلت تجاربُ فاضل العزاوي الثورةَ على الإيقاع الخارجيِّ في كتابتهِ للنصِّ المفتوح ، وحققَ حسب الشيخ جعفر الانبهارَ والدهشةَ في القصيدةِ المدورة (في أكثرَ من ديوان) وعمد سعدي يوسف إلى ما يُسمَّى بقصائد (القرين) لاسيَّما في ديوانه (الأخضر بن يوسف ومشاغلهُ)، وأدهشَ سامي مهدي متلقيه في تقنيةِ السردِ في تجاربهِ المدورة، لاسيَّما تلك التي وظّفَ فيها الحكاياتِ التراثيةَ، والآثارَ الإبداعيةَ الإنسانيةَ في (سعادة عوليس) و (بريد القارات)، وأسهمَ فوزي كريم في تحقيقِ تشابكِ الأصواتِ في قصائد اللمحة، وتقديم النصِّ ذي الدلالةِ العميقة، وتمكَّـنَ صلاح نيازي من تحقيقِ التداخلِ الإيقاعي المثير في ( وهم الأسماء) وكشفَ فيه عن اقتدارٍ في تطويعِ الإيقاعِ العام لحيويةِ التعبير، واعتنتْ ريشةُ حميد سعيد برسم الشخصيةِ في بعديها: الفكريّ والإنسانيّ ، والمحَ ياسين طه حافظ إلى إمكانيةِ جعل الراوية مصدرَ التفلسفِ في القصيدة، وكرَّسَ عبد الأمير الحصيري الشعر لمعاناةِ المحبطِ في عدم قدرتِه على التغيير، وتفرَّدَ محمد سعيد الصكَّار في خلقِ قناع خاص به (حين تعزُّ قولة الحق، ويتلجلجُ اللسان في نطقها) فأوجدَ (أيام عبد الحقِّ البغدادي ) الشجاعِ الذي يلوذُ به في كثيرٍ من الأحيان، وكانَ سركون بولص شديدَ الولع بمعانقةِ أعماقِ النفس، والولوجِ إلى داخل أعماقِ البطلِ المنكفئ على ذاتهِ قبل تحوله خالصاً إلى كتابةِ قصيدة النثر التي تنفَّـسَ فيها مؤيد الراوي الصعداءَ دون أن يكونَ له تاريخٌ شعريٌّ في قصيدة الشطرين، أو شعر التفعيلة.³⁸⁾

أما بقية هذا الجيل فأبرزهم : يوسف الصائغ، ومحمَّد عليّ الخفاجي، ومحمَّد حسين آل ياسين، وخالد علي مصطفى، وصادق الصائغ، وعبد الرحمن طهمازي، ومالك المطلبي، ومظفر النواب، ورشدي العامل، وعمران القيسي، وجليل حيدر، ويحيى السماوي، وخالد يوسف، وعبد الكريم كاصد، وخالد الحليّ، وعليّ جعفر العلاق، وعليّ الحلّي، ومحمّد جميل شلش، وعبد اللطيف أطيمش، وشيركو بيكس، وشفيق الكمالي، وعبد اللطيف بندر أوغلو، ومحمّد البدري، وبدر خان السندي، وعبد الإله الصائغ، وسعيد جاسم الزبيدي، وخسرو الجاف، ومعد الجبوري، ومحسن أطيمش، وغيرهم الكثير.

أما شعراءُ قصيدةِ النثرالذين أخلصوا الامتثالَ لصرعتها، وتفاوتوا في منحاها الأدائي بين الغموضِ الشفافِ، والإبهامِ المستغلقِ إلى حدِّ الحذلقةِ الشكلية (أحياناً)، والتجريدِ الذي يجدُ ولعهُ بالبلاغة اللفظية، فأبرزُهم: عبد القادر الجنابي، وسلمان داود محمّد، وسلام كاظم، وجواد الحطّاب، وكاظم الحجّاج، وهاتف جنابي، وغيرهم الكثير.

وإذا كان عبد القادر الجنابي معنياً بتكسيرِ اللغة، مفاخراً بالخروجِ على قواعدها، لا يقيمُ وزناً للمعنى بوصفهِ سوريالي النزعة، فإنَّ رعد عبد القادر يميلُ إلى هلوسةٍ في تفتيتِ الجملةِ، وترسيمها، حتى أنه من جراءِ هذا الترسيمِ الصوري للألفاظ لم يستطع تقديمَ ديوانه (جوائز السنة الكبيسة) للمطبعة، لأنَّ تلك الترسيمات: من دوائر ، ومستطيلات، وعقارب ساعة، ونجوم، وغيرها تحتاجُ إلى خطاط يرسمُ الحروف، لذلك كتبَها عنه حكمت الحاج خطيّاً.

وقبلَ ختامِ هذه القراءة الموجزة ينبغي الإشادةُ بما قدّمه (ويقدّمه) جيلُ السبعينيّات والثمانينيّات من إنجازٍ مثّلَ تطوّراً إيجابيَّاً مهمّاً في نموِّ القصيدةِ الجديدة، وأعادَ لها ماء الشعر، وجعلها تُثير الدهشةَ في بنيتِها اللغويّة، وطاقتها التعبيريّة، وتوترها الدرامي، ولعلَّ دراسةَ شعراءِ ذينِـكَ الجيلينِ تحتاج قراءةً أخرى، لتوصيف ما كان للجيلينِ،وما عليهما.

●●●●●

أ.د. عبد الرضا عليّ

.........................

إحــــــــالات

(*) فرزة من كتابنا ( قيثارة أورفيوس) دار العارف للمطبوعات، بيروت، 2017.

(1) ينظر: د. عليّ عباس علوان (تطور الشعر العربي الحديث في العراق، اتجاهات الرؤيا وجماليات النسيج)، في أكثر من موضع، وزارة الإعلام، بغداد (د.ت).

(2) إبراهيم الوائلي/ الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر، 129، ط2، مط المعارف، بغداد، 1978م.

(3) نفسه، 128.

(4) ينظر: د. جلال الخياط (الشعر العراقي الحديث مرحلة وتطور) 53، دار صادر، بيروت،1970م.

(5) ينظر: د.مهدي المخزومي (في لغة الجواهري) ضمن كتاب (الجواهري في جامعة الموصل، كلمات ومختارات) جامعة الموصل 1980م.

(6) تُنظر مقالته (هو الجواهري) 14 ـ 20، نفسه.

(7) نُشرت في الجزء الخامس من ديوان الجواهري، 81، طبعة وزارة الثقافة والإعلام، حققه وأشرف على طبعه لجنة من الأساتذة.

(8) قصيدة (فتى الفتيان... المتنبي) ألقى الشاعر قسماً منها في الأمسية الشعرية التي أقيمت في قاعة ابن النديم لمناسبة مهرجان المتنبي، مساء الاثنين 7تشرين الثاني، 1977م.

(9) لإفادة في قضيَّة محاولة التحديث كانت من أكثر من مرجع، لاسيّما مقدّمة الدكتور عبد الهادي محبوبة لكتاب نازك الملائكة (قضايا الشعر العاصر) في طبعتهِ السادسة /دار العلم للملايين/1981م، ينظر: ص:9.

(10) ينظر: قضايا الشعر المعاصر، 234 ـ 241، ط6، دار العلم للملايين، بيروت، 1981م.

(11) ديوان نازك الملائكة، مج2: 195، ط2، دار العودة بيروت، 1979م.

(12) ينظر: د. عبد الرضا عليّ، نازك الملائكة دراسة ومختارات، 75 ـ 77، دار الشؤون الثقافية بغداد، 1987م.

(13) ينظر: عبد الرضا عليّ، الأسطورة في شعر السياب، في أكثر من موضع، ط2، دار الرائد العربيّ، بيروت، 1984م.

(14) ديوان بدر شاكر السياب، 457، دار العودة، بيروت، 1971م.

(15) نفسه،229.

(16) عبد الوهاب البياتي، (الأعمال الكاملة) مج2: 230، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وغاليري الفينيق، بيروت، 1995م.

(17) ينظر: د. عبد الرضا عليّ، (دراسات في الشعر العربي المعاصر، القناع، التوليف، الأصول)   40 ـ 46، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1995م.

(18) حوار عبر الأبعاد الثلاثة، قصيدة مطوّلة، 1972م.

(19) ينظر: مقدمة نازك الملائكة لديوان" شظايا ورماد"، مج2: 22.

(20) د. عبد الرضا عليّ، نازك الملائكة الناقدة، 171، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1995م.

(21) ديوان بدر شاكر السياب، مج1 : 325.

(22) ينظر للباحث: الأسطورة في شعر السياب، 97.

(23) ديوان بدر شاكر السياب، 324.

(24) ينظر للباحث: دراسات في الشعر العربي المعاصر، 130.

(25) عبد الوهاب البياتي (ينابيع الشمس) 168، ط1، دار الفرقد للطباعة والنشر، دمشق، 1999م.

(26) نفسه، 166.

(27) نفسه، 168.

(28) الأعمال الشعرية، مج2 : 487.

(29) ينظر للباحث: جدلية العالمية والمحلية في استخدام الرموز، وقائع مؤتمر (الأدب العربي والعالمية) 4 ـ 7 ديسمبر، 1999م، المجلس الأعلى للثقافة، مصر.

(30) عاش الشاعران حياتهما الأولى في مدينة (نينوى) شمالي العراق.

(31) مقدمة (المساء الأخير) 22 ـ 23، ديوان (شاذل طاقة)، جمع وإعداد سعد البزاز، وزارة الإعلام، بغداد، 1977م.

(32) ينظر للباحث: ظلام القيثارة نصٌّ لرائد منسي آخر، مجلة الأقلام البغدادية، 126 ـ 129، العدد 1/2، لسنة 1993م.

(33) حسين مردان: الأزهار تورق داخل الصاعقة، 36، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1972م. (34) و (35) قصائد عارية، 36 ـ 37، ط2، دار المعارف، بغداد، 1955م.

(36) دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986م.

(37) ينظر للباحث:عبد الرحمن مجيد الربيعي بين الرواية والقصَّةِ القصيرة،37ـ 38، المؤسَّسة العربيَّ للدراسات والنشر، بيروت/1976م.

(38) ينظر: فوزي كريم، ثياب الإمبراطور 4، ص73، مجلة (اللحظة الشعرية) العددان:5 ـ 6/1994م.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم