صحيفة المثقف

فشل الحاكم المسؤول.. ودوره في الدولة

كاظم الموسويفي صورة وصلتني عبر وسائل التواصل فيها الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك يقرأ صحفا في غرفة فارهة تطل على حديقة، وواضح انها في مستشفى في بلد اوروبي سافر إليه للعلاج. ومعها تعليق ظريف، هو الأهم هنا. طبيب التخدير يسأل الممرضة عن الرجل، فتجيبه، بأنه رئيس مصر لثلاثين عاما، علق عليها بأنه رئيس فاشل، فردت عليه كيف تقول ذلك وانت تسأل عنه ولا تعرفه، أعاد وشرح لها، بأن رئيسا يحكم ثلاثين عاما ولم يستطع بناء مستشفى يعالج هو فيه وابناء شعبه فهو حتما فاشل. مهما كانت التعليقات على الصورة ونقلها، فإنها تكشف حقيقة مرة، هي مسؤولية الرئيس في الدولة، فان يحكم كل هذه السنوات ولاتوجد مستشفى لعلاجه في بلاده. رئيس فاشل فعلا في الحكم ومسؤوليته في الدولة وصلته بمشروعيته وبين الحاكم والمحكوم، وخيبته في تأسيس دولة مؤسسات ومجتمع اهلي ومشاركة ديمقراطية. وهي صورة واقعية في وطننا العربي خصوصا، من بين العالم الثالث عموما. تعكس هذه الصورة عقل الحاكم ودوره في الحكم، وطبيعة الحكم التي جعلته يحكم ثلاثين عاما بهذا الشكل من سوء الإدارة وتفشي الفساد ونهب الثروات وخراب البلاد، إلى درجة فقدان بلاده لمستشفى واحد يعالجه ويقدم له ما يحتاجه في مرضه. وهو يسافر إلى بلد آخر، وهو الحاكم الذي يمكنه أن يقوم بذلك، بينما قد يموت المواطنون الذين يصابون مثله أو باشد منه، او يموتون فعلا، والاحصائيات شاهدة وفاضحة، اذا لم تكن الفضيحة بذاتها او بالدلالة عليها.

في هذا الموضوع او عنه بمعنى من المعاني يتحدث الشيخ عبد الفتاح مورو (1948) في خطبه التي وصلتني لقطتان منها، في الاولى يجيب على سؤال قدمه بنفسه: ماذا قدمنا نحن المسلمون إلى العالم؟!، يشير إلى ما يحيط به ويلبسه ( من غطاء رأسه إلى حذائه) ومنشأه دون أن يجد أية حاجة او منتوج من صناعة دول عربية أو إسلامية. فكلها من صناعات دول غربية واسيوية، مستوردة منها، ولم تنتج بلداننا ابسط الاشياء، او ما يمكنه الاعتناء به من صناعات ومنتوجات وطنية. والثانية يهتز غضبا على تأخر العرب خصوصا في التعلم ومصادره وسبله الواقعية. فلا الهندسة ولا الطب وامثالهما التي يرسل الأبناء الى الغرب لدراستها كافية او معبرة عن التقدم والتطور، حسب رايه، ويضيف انها توفر موظفين خدميين لا يقودون الشعب والبلاد، وليس لهم صلة بالفكر الذي يخطط وينظم القيادة والبناء والتقدم، متناسين اهمية العلوم الإنسانية في ذلك ودورها في التخطيط والتطوير. وكأنه يريد القول بأن الحضارة تبنى بتوافق المسارين، الإنساني الاجتماعي المعنوي والتقني العلمي المادي، وليس باحدهما، وهذا هو ما حصل ويحصل في التاريخ والحاضر والمستقبل. كلا اللقطتين انتباهة إلى قضية أساسية في مسؤولية الحاكم المسؤول ودوره في التقدم والتنمية، بحكم وظيفته ومهمته وواجبه. الصورتان عن الرئيس المخلوع مبارك او خطب الشيخ مورو (المحامي والقيادي في حركة النهضة في تونس) تتحدثان عن مسؤولية الحاكم ودوره، وتفضح الفشل في الإدارة والتخطيط والتنمية، الذي يعرقل ويؤخر، فلا يطور المجتمع ولا يخدم التقدم والتحول والبناء. وهي وقائع قاسية عن اوضاع متدنية تعكس التخلف والفساد والظلم والتدهور الاجتماعي والاقتصادي وتداعياته عموما. مما يعني ان أية مقارنة بين هذه البلدان واخرى مثلها وحتى أدنى منها، في ثرواتها وخيراتها وطاقاتها، ليست بصالحها. اذ تطورت البلدان الاخرى وتقدمت بشكل ملفت ومدهش، بينما بقيت بلداننا متأخرة عنها، اذا لم تكن في نهاية قوائم وتسلسل البلدان في كل المستويات والمواضيع التي تتنافس بها البلدان في العالم. (ولكنها فازت عليها بامور اخرى، في الاستهلاك العبثي والفساد والتبذير والتخادم المجاني وغيرها..).

كتب الكاتب الراحل احمد بهاء الدين (1996-1927) في مقاله الاول المنشور في كتابه: شرعية السلطة في العالم العربي، كتب عن تعرفه بالصدفة على الملحق الصحفي في سفارة اليابان في القاهرة، في بداية عمله الصحفي، وعرف منه انه يحضر دروس اللغة العربية في ثانوية المنيرة، وهو دبلوماسي، فاقترح عليه أن يدرس اللغة في مكان آخر انسب له، فقال له اعرف ذلك ولكني مطالب أن اتقن اللغة العربية لترجمة مقدمة ابن خلدون الى اليابانية. واضاف الراحل أن هذه الواقعة الحية لم تبرح ذهنه ابدا. فكتاب المقدمة لابن خلدون من أهم الكتب في علم الاجتماع، ولم تكتف اليابان بالاطلاع عليه بلغات اخرى، أرادت أن تطلع عليه بلغتها اليابانية. وهذه إشارة واضحة لجهد الحاكم المسؤول ورؤيته للعلم والاجتماع والتقدم والبناء، ولهذا أصبحت اليابان كما هي اليوم، خلال عقود معدودة، البلد الذي دخلت مصنوعاته وأخباره كل بيت وشارع وبلاد في المعمورة. وأكد الكاتب أن اليابان وهي تخرج من كبوتها ودمارها بقناعة أن تتطور على كل الصعد، ففي الوقت الذي تتطور في الصناعات لابد لها أن تتوازى في المجالات الاخرى، العلوم الانسانية، فتدرس المقدمة بلغتها اليابانية. حيث "عرفت اليابان قيمة الكلمة والورقة كما عرفت قيمة الجهاز الالكتروني الصغير. وبغير هذا ما كانت اليابان لتحرز ما احرزته من تقدم مذهل."

الوقائع التي أشرت لها تؤكد أن الأمم تنهض وتتطور حين يسوسها أبناؤها المخلصون فعلا، والذي يحافظون عليها كما يحافظون على حدقات عيونهم، فينظمون إمكاناتها وثرواتها البشرية والمادية لمصالحها العليا، ويبذلون جهودهم في التخطيط والبناء والتقدم على جميع الأصعدة ومختلف المستويات. حيث لا يمكن أن تتطور الشعوب والبلدان بنقل الخبرات والتقنية وحسب، بل فيها وفي توفير البيئات الملائمة لها، المزدانة بالعدالة وحقوق الإنسان واحترام الحريات العامة والخاصة وتطبيق القانون وغيرها مما يهيأ الانسان، المواطن الصالح، ولا يمكن إنجاز التحولات والعمران دون التغيير المستمر والمتعدد، والتعليم المتواصل والتخطيط العلمي والتنمية المستدامة لصناعة التجدد والتقدم. كما لا يمكن أن تتطور البلدان بلا بناء مصانع ومزارع ومدارس ومستشفيات وبنى تحتية أخرى قادرة على نهضة الشعوب وتحولاتها التقدمية. وفي تجارب الشعوب والبلدان الكثير من الدروس والعبر.

ما قاله المواطن الالماني عن فشل الرئيس تعبير عن وعي وثقافة وبيئة عاشها، كما هي صرخات المواطن العربي، ودهشته أمام الإمكانات والطاقات الهائلة في بلدان الوطن العربي والمشهد المتخلف او المتراجع او المتوقف عن التطور والتقدم. فامام التحديات المتنامية والمتعددة لابد من مواجهات قادرة عليها، ولابد أن تكون الصورة الجديدة غير ما هي عليه وما كانت ايضا، اذ لا يمكن أن تبقى الحال كما هي الآن.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم