صحيفة المثقف

صدور رائعة أ.د عبد الرضا عليّ (الإيقاع في الشعر الشعبيّ)

62 عبد الرضا عليصدر حديثا للأستاذ الدكتور عبد الرضا عليّ كتابٌ نقدي جديد بعنوان (الإيقاع في الشِّعر الشعبيّ) وذلك عن دار العارف ببيروت في الأول من آيار 2018، وهو الكتاب التاسع عشر في سلسة الكتب التي أصدرها والّذي سبقه فيها كتاب (قيثارة أورفيوس، قراءات في السائد والمختلف).

وسيشكّل هذا الكتاب إضافة إثرائية للدراسات الأكاديمية التي تناولت الشِّعر الشَّعبيّ برؤية نقدية رصينة ومصدرا مهما للباحثين من طلبة الماجستير والدكتوراه والمهتمين بالشِّعرالشَّعبيّ بوصفه جزءاً من التراث الشَّعبيّ الحضاري ومن ذاكرة المجتمع العراقيّ .

وشكّلت مقدمة الكتاب التي كتبها أ .د عبد الرضا عليّ كشفا تأريخيا مهمّا وثّقَ من خلالها مسيرته مع الشِّعر الشَّعبي وسرّ اهتمامه به ، ولمحات مهمّة من مسيرته الحياتية والسّياسية والإبداعية .

 

وجاء في مقدّمة كتاب (الإيقاع في الشعر الشعبيّ):

(قبلَ ستينَ سنةً، ونيِّفٍ من السنوات، وفي مرحلةِ دراستهِ المتوسّطة استهواهُ الشعرُ الشعبيُّ قبلَ أنْ يستهويَه أيُّ لونٍ أدبيٍّ آخر، وكان ذلك بسببِ مجموعةٍ شعريّةٍ اشتراها بـ ثلاثينَ فلساً من شارعِ الورَّاقين (السراي) المتفرّع من شارعِ المتنبِّي ضمن ما اشتراه من دفاتر مدرسيّة لتلك السنة.

وحين عادَ لمنزلِ أُسرتهِ، وقرأ بعضَ نصوصِ تلك المجموعة سعُد كثيراً، فأعادَ قراءتها مرَّاتٍ، ثمَّ حدَّثَ عن تلك الأشعارِ ـ التي عالجت بعضَ مشاكل المجتمع العراقيّ على نحوٍ ساخرٍ ـ أهله، لاسيّما شقيقته الكبرى، فوجدَ منهم استجابةً محبَّبةً، ورضاً تامَّاً ، وتقبُّلاً مشجِّعاً.

وكانت قصائد (للفوّال نوبة رحتله الجمعة) التي غنّاها بعد سنوات المنلوجست الراحل فاضل رشيد، و(للكاظم كَصدته طالب زيارة) و(زفّة أم عران) من القصائد التي استهوت أسرته مثلما استهوتْهُ، وكانت تلك المجموعة لشاعرٍ شعبيّ يظنُّ أنَّ اسمه محمّد، لكنّه لا يتذكّر الآن بقيّة اسمه، ولا حتّى عنوان المجموعة، فقد أكلَ السكّري جُلَّ ذاكرته، وأجهزت أسقامُهُ على ما تبقّى لديهِ منها.

وفي مرحلةِ دراستهِ الثانويّةِ بدأَ يقرزمُ بعضَ الأبياتِ الشعبيّةِ البسيطة، لكنَّه حين أنهى الثانويّةَ انطلقَ يكتبُ الشعر الشعبيَّ، ويدوّنه في دفترٍ مدرسيٍّ دون أن يُعلنَ عن موهبته تلك.

لكنَّ وقوفه ضدَّ الانقلابِ الدمويّ في سنةِ 1963م، وما جرى بعده من تنكيلٍ بالوطنيين، وتصفياتٍ لقوى اليسار، شجَّعَ أزلامَ الحرسِ القوميّ على اعتقاله، فجرى تعذيبه، وحجزه في ملعبِ الإدارةِ المحليّة بالمنصورِ، ثمَّ جرى نقله إلى الأمن العامّة التي كاد أن يفقدَ حياتَهُ فيها لولا أنْ تمَّ نقلهُ إلى القلعةِ الخامسة في السجن المركزي بباب المعظّم،(حيث كان فيها شاعر الشعب محمّد صالح بحر العلوم، والملحّن المطرب أحمد الخليل، وقائد المقاومة في منطقة الكريمات فوزي عبّاس، وكاظم شُبّر، وسردار الكردي وغيرهم من الأبطال)، فتنفَّس هناك الصعداء، وعاد ثانيةً إلى ممارسةِ هواية نظمِ الأبيات الشعبيّة المتبرِّمة من الانقلابيين الدمويين القتلة.

وبعد الإفراجِ عنه التقى صديقه التشكيليّ السارد عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي كان مسؤولاً عن الصفحة الثقافيّة لجريدة (الأنباء الجديدة) آنذاك، فعرض عليه أن يتولّى الإشراف على صفحة الشعر الشعبيِّ، فوافق دون تردّد، وعاد يُمارسُ تلكَ الهواية، ويشرفُ على نشرِ القصائد الشعبيّة التي تردهُ من القرّاء، واستمرَّ بعملهِ ذاك دون مقابل، حتى ترك الربيعي العمل في الجريدة، فكان عليه أن يتركَ هو الآخر الإشراف على صفحةِ الشعر الشعبيّ فيها، وسرعان ما وجد نفسه مقبولاً ضمن قائمة الطلبة المقبولين في (معهد إعداد المعلمين بالأعظميّة) لكونه يكتب الشعر الشعبيّ، والتمثيليّة الإذاعيّة.

في المعهد أنيطت به مسؤوليّة فرقة التمثيل التي كان المشرفُ عليها الراحل وجيه عبد الغنيّ، فكتبَ للفرقةِ أكثر من تمثيليّة كانت (الردهة الثامنة) أبرزها، وهي التي بُثَّت من شاشة تلفزيون بغداد في العام 1964م، وكانت من إخراج وجيه عبد الغني، وشارك معه في تمثيلها : يعقوب الخميسي (الدكتور المقيم في بولندا الآن) والراحل سامي محمّد (المترجم الذي كان يقدّم برنامج السينما والناس من تلفزيون بغداد) وموسى فنجان (التاجر الآن) والراحل الشاعر طارق ياسين (صاحب أغنية لا خبر) الذي كان له الأثر في تشجيعهِ على الاستمرار في كتابة الشعر الشعبي، وفتاح عبد اللطيف العاني، غيرهم .

وحينَ انتظم دارساً في قسم اللغة العربيّة في الجامعة المستنصريّة توقّفَ عن نظمِ الشعرِ الشعبيّ، وانصرفَ إلى نظمِ قصائد الشطرين، فشاركَ في مهرجاناتِ القسم في السنتين الثالثة والرابعة دون أن يقوم بنشرها، ولعلّه سيجمعها إن أمدَّ الله في عمره، وتجاوزَ كثرةَ أسقامه، أو تمكَّن من تحمّلِ تعبها.

لكنه عاد إلى كتابة الشعر الشعبيّ حين عملَ في اليمن، كذلك حين استقرَّ في منفاه الاختياري ببريطانيا، لذلك أدخل بعضاً من شعرهِ الشعبيّ ضمن دراسته للإيقاع سواءٌ أكان ذلك في المحاضرة التي ألقاها في مؤسَّسة الحوار الإنساني بلندن العام 2012م، أم في هذا الكتاب.

لقد استهواه الإيقاع الشعبيّ المكتوب بأُسلوب الشطرين، والتفعيلي، وكان راغباً في أن يشارك في تيسير دراسته تطبيقيّاً لتمكين القرّاء الجادّين من الاطِّلاع على بنيته الموسيقيّة، فكان هذا الكتابِ .)

 

أ . د. عبد الرضــا عليّ

كاردِف ـ بريطانيا

آذار ـ 2018م.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم