صحيفة المثقف

المقامة الرمضانية...

جواد كاظم محمدقالَ سالمُ بنُ سلَّامٍ: لمَّا أزفَ رمضانُ، وذهبَ شعبان، مضيتُ في شوارعِ بغدادَ، ألتمس الأستعدادَ، للشهرِ الفضيلِ، بخيرِهِ الجزيلِ، فإذا بمجلسِ ذكرٍ، في ساحةٍ فاحتْ بريحِ العطرِ، وإذا بمعشرٍ وقوفٍ، فوقفتُ ملتمساً بينَ الصفوفِ، وبرزت إمرأةٌ في نقابٍ، وقدْ أدنتْ عليها الحجابَ معَ الجلبابِ، والناسُ ينظرونَ إليها نظر الإستعبارِ، لا نظرَ الغويينَ بالأنظار، فجلستْ على كرسيٍّ، وكأنَّها في سمتِها وتسبيحِها ليستْ بالأنسيِّ، حتى إذا أطبقَ الصمتُ، وزينَ بالسكوتِ السمتْ، وقفتْ وقفةَ المغشيِّ عليهِ منَ الخشوعِ، بوجهٍ لامسَ الأرضَ منَ الخضوعِ، ثم تكلَّمتْ، وعيونُها بسيلِ الدموعِ تحطمتْ، فقالتْ بارتجالٍ، واستوصتْ بحزنِ صوتهِا في المقالِ:

"أي عبادَ اللهِ الرحيمِ الرحمنِ، الملكِ الديَّانِ، ها قد أتى رمضانُ، وصفِّدتِ الجانُّ، وأدبرَ الشيطانُ الرجيمُ، وأتاكمْ النعيمُ المقيمُ، و تقبلكمْ الكريمُ الكريمُ، فبادروا رمضانَ بالصومِ، وأجيبوا داعيَ اللهِ يا قومي، فبابُ الريَّانِ مفتوحٌ للصائمينَ، العاكفينَ القائمينَ، هلمُّوا إلى اللهِ جلَّ جلالُهُ، فلقدْ سبقَ لكمْ نوالُهُ، ربٌّ يعطي وهوَ أكرمُ الكرماءِ، مجيبُ الدعاءِ، يستحي أنْ يردَّ يدي عبدٍ سألَ، ومنهُ عزَّ وجلَّ تأمَّلَ وأملَ، إستغفروهُ يغفرْ، واستجيروا بهِ يسترْ، ما اكرمَهُ وهوَ ملكُ الملوكِ، فسيروا لهُ قاصدينَ ملكَهُ بحسنِ السلوكِ، العظمةُ إزارُهُ، والكبرياءُ دثارُهُ، يعطي ويعينُ، وكلتا يديهِ بالعطاءِ يمينٌ، لهُ الشكرُ، وهوَ الذي لهُ الذكرُ، ما قربتَ منهُ اتاكَ، وما سألتهُ آتاك، ومهما كنتَ مذنباً بكَ العيوبُ، فهو الذي يغفرُ ويتوبُ، رحمتُهُ وسعتْ غضبَهُ، وغفرانهُ وسعَ عتبَهُ، مدَّ لهُ يديكَ بالسؤالِ، يُجبْكَ بالنوالِ، وهوَ في شهرِهِ يغفرُ ولا يبالي،ولو كانتْ ذنوبُكَ كالجبالِ، ما أكرمهُ منْ مكرمٍ، وما أجلَّهُ منْ منعمٍ...فيا عبادَ اللهِ لَأَفيدَنَّكمْ، أذكروا: "لئنْ شكرتمْ لازيدنَّكمْ"..

إنْ جئتَهُ أدناكَ يا

عبداً أتى بدنوِّهِ

فاقصدْهُ تلقَ عطاءهُ

ومكارماً من عفوهِ"

وصمتتْ قليلاً،ثمْ نطقتْ:

"ها قد أتى رمضان طوبى للذي

قد نال عفو الله في رمضانِ

شهر به صفد الجنان وفتحت

ابواب كل جنائن الرحمنِ

ايامه ايام خير اقبلت

بالسعد والطاعات والرضوانِ

اقبل على الرحمن تلق يديه قد

بسطت اليك بخيرها المتدانِ

يا رب عفوك عن مطيع صائم

يرجو ثواب الصوم في الميزانِ

انت الذي وعد العباد بجنة

ادخل عبادك من ذرى الريانِ"

فقالوا وقد مالوا:

"زيدينا من الوعظِ بالشعرِ"فقالتْ وعيونُها تجري:

"هبت نسائم شهر خير مقبلِ

فاغنمه كالمترحل المتعجلِ

واجعل برمضان الصيام مجنة

من كل ذنب في الزمان اﻻولِ"

ثمَّ سلمتْ عليهمْ تسليمَ ولوعٍ، وعيناها تسكبانِ من الدموعِ، فعرفتُها وما انكرتُها، صاحبتي في التختِ، جلَّنارُ ابنةُ ذي السمتِ، وسألتُ اللهَ لنا غفراناً، ومنَّاً وإحساناً، فلقدْ ذكَّرتنا باللهِ، دونَ رياءٍ او تباهٍ..

 

جواد كاظم محمد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم