صحيفة المثقف

مبادرة التوافق الوطني لحركة مجتمع السلم في الجزائر.. هل هي مبادرة مبدئية أم تكتيك سياسي؟

قادة جليدلا حديث في الساحة السياسية في الجزائر هذه الأيام إلا عن مبادرة التوافق الوطني التي يقودها رئيس حركة مجتمع السلم الدكتور عبد الرزاق مقري، هذه المبادرة التي أرادها أن تكون موضوعا للنقاش العام بين الأحزاب السياسية سواءً أحزاب السلطة أو أحزاب المعارضة، وككل مبادرة سياسية تكون لها أسباب معلنة معبر عنها وأسباب أخرى خفية نعمل على إبرازها وتوضيحها من خلال هذه المساهمة، ومن هنا يمكننا أن نتساءل: ماذا أراد أن يقول السيد مقري من خلال ما قاله؟

ما هي دوافعه وأسبابه وأهدافه؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ وما هو مضمون هذه المبادرة في الأساس وهل هو واقعي؟

تأتي هذه المبادرة في توقيت سياسي مهم، وهو الإنتخابات الرئاسية لسنة 2019 في شهر أفريل من السنة الجارية، إن رئيس حركة مجتمع السلم من خلال هذه المبادرة يدعو إلى إنتقال ديمقراطي تشارك فيه المؤسسة العسكرية بصفتها فاعلا سياسيا مهما، وإذا قبلت هذه المبادرة وفق هذا التصور وتحقق الإجماع فلا مانع عند رئيس الحركة أن يكون المرشح التوافقي من السلطة وعلى حد تعبيره (أن نضع مصالح حزبنا تحت أقدامنا) ولكن السيد مقري وبنظرة سياسوية ينطلق من مجموعة من المغالطات يريد أن يبرهن عليها بطريقته الخاصة، فالإنتقال الديمقراطي يعني في القاموس السياسي أن الجزائر تعيش أوضاعا سياسية غير طبيعية واستثنائية وهذا غير صحيح، أما دعوة المؤسسة العسكرية وإشراكها في الشأن السياسي فقد رد عليها المجاهد قايد صالح رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بأن المؤسسة العسكرية بعيدة كل البعد عن المهاترات السياسية والحزبية ولا وصاية من أحد على الجيش وأن مهامه محددة دستوريا وأنه يتلقى التوجيهات فقط من المجاهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإعتباره رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، وهذه الملاحظات نفسها كان قد عبر عنها الدكتور جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أثناء استقباله للسيد مقري في مقر الحزب.

إن مبادرة السيد مقري مثيرة للشك والإرتياب ولا يمكن أن يكون لها صدًى في المجتمع لأن السيد مقري متناقض في سلوكاته وأفكاره ومندفع في طموحاته وقارئ غير جيد للواقع الجزائري والتحولات الإقليمية والدولية التي تجري من حوله، وهناك مجموعة من الدوافع تتحكم بسلوكه السياسي ومواقفه السياسية منذ تدرجه في العمل البرلماني كنائب وإلى اليوم ولكي نفهم هذه الدوافع جيدا، محدداتها وتجلياتها علينا أن نعود قليلا إلى الوراء.

لقد كان السيد مقري يتخذ دائمًا مواقفًا متطرفة وحادة من السلطة ومتقلبة في كثير من الأحيان وهذا منذ العهدة الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 وكان بعد ذلك من المراهنين على فتنة الربيع العربي لتغيير الوضع السياسي في الجزائر واستلام الحكم لذلك خرجت هذه الحركة تحت تأثير هذا الحلم السياسي من الحكومة والتحالف الرئاسي بعد17 سنة من ممارسة الحكم متأثرة كما قلت بفتنة الربيع العربي وتأسيا بدول الجوار على غرار ما حدث في تونس ومصر والمغرب، ففي نهاية المطاف فإن أحزاب الإخوان المسلمين تجمعهم مرجعية واحدة وتحركهم نفس الأسباب والأهداف مع اختلاف في التفاصيل وتبقى هذه الإشكالية إشكالية عضوية عند الإخوان المسلمين الذين لم يقوموا بمراجعات نقدية ولم يتصالحوا مع إيديولوجية الدولة الوطنية وتنوع مجتمعها، لذلك فهم دائما في صراع مع الدولة الوطنية باستثناء حركة النهضة بتونس تحت قيادة زعيمها راشد الغنوشي أستاذ الفلسفة المتنور .

و من خلال هذا السلوك السياسي فإن حركة مجتمع السلم لم تتمرد فقط على السلطة ولكنها تمردت على نهج وميراث الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله الذي تخلى عن المعارضة في الثمانينيات وقام بمراجعة مساره السياسي والفكري واعترف بالدولة الوطنية وعمق تجذرها وقرر أن يعمل معها لا ضدها، لذلك قاطع المعارضة واختار المشاركة مع السلطة كشريك سياسي في البناء الوطني وأيضا لكي تكتسب الحركة خبرة في تسيير شؤون الحكم ومن خلال ذلك اكتساب ثقافة الدولة وعندما لم يستلم السيد مقري الحكم سنة 2012 أو على الأقل حركته لأن الدولة الوطنية لم تسقط ولم تتأثر بفتنة الربيع االعربي بفضل الرجال وحكمة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبفضل المكتسبات المحققة على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ركب مقري موجة أحزاب الإنتقال الديمقراطي ورفع من سقف المطالب برفع مطلب سياسوي وخيالي وهو إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية وعندما اختلفت وتفرقت أحزاب الإنتقال الديمقراطي منذ انتخابات ماي 2017 ها هو السيد مقري يختار التوقيت المناسب ويعلن عن مبادرته الجديدة بكوجيطو سياسوي جديد( أنا أزعج إذن أنا موجود).

إن مبادرة السيد مقري ليست مبادرة مبدئية كما أنها غير واقعية ولكنها تكتيك سياسي الهدف منه الإستثمار في التوقيت والتموقع السياسي لما بعد 2019 وهو أيضا يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد إن لم أقل ثلاثة عصافير أولا الرفع من سقف المطالب الحزبية وإحراج السلطة في حالة عدم الإستجابة وثانيا إرضاء تيار داخل حركته وحزبه يدعو للرجوع إلى أحضان السلطة للإستفادة من الإمتيازات لإمتصاص غضبهم، هذا التيار الذي أضعفه السيد مقري بعد وفاة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمه الله وثالثا بفتحه قنوات إتصال مع السلطة من خلال حزبيها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لكي ينفرد بالزعامة السياسية داخل أحزاب المعارضة ويسرق الأضواء من الجميع، وكعادته عندما يفشل في هذه المهمة فإنه يحمل السلطة إجهاضها وإفشالها ويظهر بالتالي بمظهر الضحية من خلال ممارسته كل صور الطقوس العجائبية والغرائبية، لذلك لا يستطيع أن يلومه أحد لأن السلطة قد ظلمته وصدت أمامه جميع الأبواب وأنها ضد الديمقراطية وضد التطور والتقدم. وهكذا يبقى زعيما أبديا لحركة تجمع السلم ونجما ساطعا في فضاء المعارضة .

إن مبادرة السيد مقري مبادرة شخصية براغماتية واستفزازية في نفس الوقت ومناورة سياسوية في الأساس، والجزائر لا تتأثر بها لا من قريب ولا من بعيد، خاصة على الصعيد الإجتماعي و السياسي فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال برنامجه الرئاسي استطاع أن ينجز ثلاثة ملايين سكن جديد بمختلف الصيغ وهو معدل اسكان أكثر من نصف سكان الجزائر الذي يقترب من 43 مليون نسمة زيادةعلى ذلك حجم التحويلات الإجتماعية التي قد تفوق سنويا 23 مليار دولارو التي توجه مباشرة للطبقة الضعيفة والمتوسطة رغم تحفظات صندوق النقد الدولي، ولكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يفعل ذلك للمحافظة على البعد الإجتماعي للدولة المكرس في بيان أول نوفمبر بيان الثورة التحريرية المجيدة والذي تعاهد فيه مع الجزائر والجزائريين والجزئريات في كل ولاية سياسية جديدة، إن كل هذه المكاسب يعيها الشعب الجزائري جيدا ويثمنها غاليا، لذلك لم تعلن إلى الآن في الجزائر أية شخصية سياسية ترشحها لموعد الرئاسيات القادم رغم المدة القصيرة المتبقية ليس لأنهم لم يتلقوا الضوء الأخضر من المؤسسة العسكرية كما يريد أن يوهم السيد مقري، بل لأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة له شعبية عارمة في كل القطر الجزائري رغم أوضاعه الصحية التي لم تكن كما كانت في السابق وبالتالي فإن إعلان الرئيس بوتفليقة ترشحه فهذا يعني تحييد كل الطموحات السياسية الأخرى من الناحية الشعبية والوعاء الإنتخابي بحكم أن الشعب هو مصدر السلطة .

إن بقاء حركة مجتمع السلم في الساحة السياسية في الجزائر يرجع إلى تفسير واحد وهو أنها لا زالت تقتات سياسيا من الذاكرة ومن المخيال السياسي والدعوي والرأسمال الرمزي للشيخ محفوظ رحمه الله الذي يحبه الجزائريون .

وبعد لقاء مقري مع الدكتور جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جهة التحرير الوطني وتحفظات الثاني على مبادرة الأول فكيف سيكون رد السيد أحمد أويحي الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس الحكومة في نفس الوقت يوم الأحد29 من الشهر الجاري بمقر الحزب ببن عكنون بطلب من السيد مقري؟ هذا مع العلم أن السيد أحمد أويحي محنك سياسيا ومتشبع بثقافة الدولة ويعرف شطحات مقري جيدا، وفي الأخير يمكن أن نقول أن لقاءات مقري مع أحزاب السلطة وهذا هو المهم زيادة على حجم جديتها وصفاء نواياها وفشلها المسبق فإنها تدخل في إطار المبدأ التهكمي (هو يتظاهر بأنه يتحاور معنا ونحن نتظاهر بأننا نتحاور معه) وبالتالي فإن قيمة ونكهة هذه اللقاءات لا ترق إلى مستوى نكهة ارتشاف فنجان القهوة الذي يقدم عادة في هذا النوع من اللقاءات.

 

الدكتور قادة جليد الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم