صحيفة المثقف

سفينةعلى امواج بحر هائج (1)

جوزيف الفارسمسرحية ذات فصل واحد

شخوص المسرحية

اولا: القبطان

ثانيا: رئيس العمال والبحارة الاول

ثالثا: احد العمال

رابعا: الاخر

خامسا: البحار

سادسا: العامل الاول

سابعا: العامل الثاني

ثامنا: رئيس العمال الجديد

تاسعا: العامل السكران

عاشرا: كومبارس من البحارة والعمال

هذه المسرحية تنتمي الى المدرسة الواقعية الرمزية، تتحرك بشخوص رمزية، تحمل من المعاصرة رموزا قد تحدث على الواقع الذي نعيشه، او لربما قد تحدث في الايام المستقبلية .

المشهد الاول: سفينة تتلاطمها الامواج، وهي تشق ابحارها متمايلة مابين تلاطم امواج البحر، السايك الخلفي للمسرح تعكس عليه اضاءة زرقاء، مع مزج مابين اللون الرمادي، من الممكن استخدام المؤثرات الضوئية اسلايد لامواج البحر المتلاطمه .

القبطان: (يبلغ من العمر الاربعين سنه، وهو في حالة من الرعب والذعر من هيجان مياه البحر) هيا ياابطال، ابذلوا قصارى جهدكم في سحب حبال ساريات المركب .

المساعد: (وهو باشد عزيمة وقوة) لا عليك ياسيدي، انني انفذ توجيهاتك بدقة .

الامواج هائجه، والرياح شديدة، وهذا هو الخطر المحدق بنا .

(المشهد الاول)

المساعد: اطمئن ياسيدي، انني ابذل قصارى جهدي في شد عزيمة البحارة، من اجل انقاذ السفينة من الغرق،

القبطان: (بعصبية وانزعاج) ويحك، انسيت وجودي؟ ااكون انا المنقذ لهذه السفينة من العواصف والرعود، والرياح الشديدة، متخاذلا وبائسا، ومسلما امري لقيادتك؟

المساعد: عفوا ياسيدي، انا فقط احببت تطمينك ياسيدي ليس الا .

القبطان:: انني اوجه اليكم كلمتي ايها العاملون على ظهر هذه السفينة، احذروا واعلموا اننا جميعنا واقفون على مسافة واحدة امام الخطر المحدق بنا، ولهذا، مصير حياتنا يتوقف علينا جميعا، جاهدوا باقصى ماعندكم من العزيمة والاقتدار لمواجهة هذه الامواج الكاسره.

المساعد: (بتملق وتزلف، وبثعلبية ماكره) ايها الافاضل، اخواني البحارة وجميع العاملين على ظهر هذه السفينة، انصتوا الى كلمة القبطان المنقذ، محررنا من القيود والاستعباد من قباطنة الزمن الغابر، ان كلمته ايها الافاضل هي دستور وشريعة لنا، وماعلينا الا السمع والطاعة، والتنفيذ، عاش قبطاننا .

الجميع: (مرددين) عاش قبطاننا .

المساعد: (مكررا) عاش قبطاننا

الجميع: عاش قبطاننا . (اصوات الامواج الهائجة، مع ارتفاع صوت الموسيقى التصويرية السريعة الايقاع، ومن ثم تخفت، ويسود الهدوء، وصوت الامواج الهادئة الا من صوت محرك الباخرة والذي صوته يشق عباب سكون البحر .)

(المشهد الثاني)

جميع العاملين على ظهر المركب قد رموا باجسادهم على ارضية السفينة نتيجة الجهد الذي بذلوه من اجل المحافظة على سلامة المركب، اضاءة مسلطة بحزمة محصورة على اسفل يمين المسرح، ويظهر عاملين جالسين ويتبادلا اطراف الحديث .

احد العمال: يالله، كم من جهد بذلنا من اجل المحافظة على سلامة المركب من الغرق !!!!!!

الاخر: ولا تنسى ان توجيهات القبطان وقيادته الحكيمه، ساعدتنا بالمحافظة على سلامة المركب من الغرق .

العامل:(بهمس وحذر وشيىء من العصبية) انا اعتقد بان عقلك ضيقا كحذائي الذي يؤلم قدمي، ياهذا، اصحى جيدا، اية توجيهات كان يوجهها لنا؟ طوال تلك اللحظات الحرجة لم يكف عن الزعيق والصراخ باعلى صوته، وكانه بهذا الصراخ يريد ارعابنا .

الاخر: ولكنني اصر واقول ان لقيادته دورا في نجاتنا .

رئيس العمال: (وهو يصرخ بصوته ومنبها) هي، انتما الاثنين، بماذا تتهامسون؟ كفاكم ثرثرة .

العامل: امرك ياسيدي .

رئيس العمال: (بقترب منهم) هه، بماذا كنتم تثرثرون؟

العامل:بلا شيىء، فقط كلام عابر عبرت من خلاله عن جمال منظر القمر والمنعكس على سطح وجه البحر .

رئيس العمال: (بعصبية) لا تكذب ياهذا، لقد جاء ذكر اسم القبطان على لسانكم .

الاخر:(مستدركا) اه صحيح، لقد قال لولا توجيهات القبطان، لكنا الان في عداد الاموات .

رئيس العمال: (يضحك مستهزءا)

العامل: مالذي يضحكك يااخي؟

رئيس العمال: احترم، انا لست اخاك، هناك فوارق مابيني وبينك بالمسؤوليات والمراتب، انا رئيس العمال، وانت بأمرتي .

العامل: لربما اسئنا استخدام العلاقة الرسمية فيما بيننا، انك في هذا على حق، انما:

رئيس العمال: انما انا رئيسك المباشر .

العامل: حسنا:

رئيس العمال: اتعلم لماذا؟

العامل: (يتهيأ للجواب:)

رئيس العمال:(يقاطعه) كي نستطيع مواصلة الحياة العملية بانتظام على ظهر هذا المركب، حتى نصل الى بر الامان

العامل: حتما، مادامت هناك توجيهات من القبطان، فسنصل الى بر الامان !

رئيس العمال: اتعتقد بان للقبطان توجيهات سديدة؟ صدقني لولا رجوعه اليا، واخذ مشورتي لغرقنا جميعا ؟

العامل: بالتاكيد، ان لمشورتك عامل من عوامل نجاح قيادة القبطان على ظهر هذه السفينة !

رئيس العمال: (بحزن مفتعل) ومن اجل هذا احب مصارحتكم بأمر ما، انتم: انتم:انتم ضحية هذا القبطان .

العامل: (باستغراب) ماذا؟ انا لم اسمع شيئا .

رئيس العمال: اصغ الى ماسأقوله، بالطبع هذا الكلام ايضا موجه لصديقك هذا .

الاخر: تفضل ياسيدي، وقل ماعندك .

رئيس العمال: (يستدير يمينا ويسارا ويوجه كلامه الى بقية العمال) لا تكثروا من الشراب لئلا تفقدوا صوابكم، وتدور رؤوسكم مابين مدارات هذا المحيط، (الى الاثنين، وبهمس) اسمعوني جيدا، انني اخترتكم من بين هؤلاء العمال لقوة شخصيتكم ولقوة تاثيركم على اخوتكم العمال والبحارة، ان الكابتن قد استمد قوته من قاعدة مبنية على سطح من الرمال، فسيهوى في اية لحظة هجوم عليه !

العامل: (باستغراب شديد) ماذا اسمع ياسيدي؟

رئيس العمال: هو ذا الواقع، ليست لديه خطة حكيمة يستند عليها في قيادته، ولا يملك عقلا راجحا في قيادة مركبه، وما ترونه وتشاهدونه من الجعجعة الفارغة، ماهي الا سطوة مبنية على قاعدة فارغة، انه يستغل طيبتكم، ويرفع من مقامه على مقامكم ليس الا .

العامل: (بحيرة وحذر) وكيف يكون هذا؟ من المعروف عنه،انه شديد الحرص على مصالح هذا المركب وعلى من فيه، في وقت المحن لا يسكن له ساكنا من دون معالجته للظروف المحرجة التي نقع فيها ! اضافة الى كل هذا، انه يتفقدنا، ويستفسر عن مشاكلنا، ويهيىء اجواء الراحة لنا،ويحنا، ماذا نسمع؟

رئيس العمال: كل هذا قناع مزيف يخفي خلفه حقيقة مؤلمة، انه اناني لا يحب الا ذاته .

الاخر: احاديثه المأثورة وتوجيهاته الحكيمة، احيت لنا امالا كثيرة في الحياة !

رئيس العمال: هذه سياسته لكسبه لكم والالتفاف حوله، انما لو انكشفت حقيقته المخفية لتأكدتم من مصداقية كلامي !

العامل: والان، مالمطلوب منا؟

رئيس العمال: (بثعلبية ومكر) بحكم علاقتكم المتينة مع اخوتكم العمال، يمكنكم تعرية القبطان، ونقل الحقيقة المؤلمة والتي خافية عنكم، الا وهي استغلال طيبتكم لخدمة مصالحه، وشرح ابعاد كل هذا لاخوتكم العمال، ليكونوا على بينة من هذا الامر .

العامل: (بتردد) هه؟ سنحاول .

رئيس العمال: (بشيىء من التهديد) اسمعوا، احذروا من اعوان القبطان وجلاوزته المنتشرين على ظهر هذا المركب، والا عواقبكم ستسوء، ونهايتكم ستكون في قاع المحيط .

الاخر: اطمئن يا: سيدي . (موسيقى)

(المشهد الثالث)

(في اسفل يمين المركب، يوجد منضدة صغيرة، وعليها زجاجتان من الخمر، وعامل وبحار جالسين يتجاذبون اطراف الحديث والمعاناة)

العامل: الا قل لي ياصديقي وياعزيزي، لماذا يمنعون اصطحاب السيدات الجميلات على ظهرهذا المركب؟

البحار: (يضحك) يبدو انك اشتاقيت لمعاشرتهن .

العامل: وكيف لااشتهي ذالك؟ اتستطيع ان تعيش من غير هواء؟

البحار: كلا .

العامل: انهن الهواء بعينه، اتستطيع ان تعيش من غير ماء؟

البحار: كلا

العامل: انهن الماء البارد والذي يتصبب من اعلى الرأس والى اخمص القدمين ياصديقي العزيز .

البحار:انما هن رمز للفساد وللانحطاط !!!

العامل: كلا كلا كلا ياصديقي العزيز، اسمع ماسأقوله بحقهن، انهن ياعزيزي وياصديقي المحترم، اشبه بزهرات ذات عطور الرياحين والياسمين، انهن بلابل وطيور الحب اللواتي يوكرن على شجرة مخضرة ومثمرة، تتناول منهن ثمر يانع، وتسمع من خلال تغريدهن اصوات يبشرن بعالم مليىء بالمحبة والسلام .

البحار: (يضحك) حقا انك لشاعر رومانسي !!!

العامل: قل ماشئت عني يااخي، رومانسي وماجن، او ذو اخلاق مادون المستوى المطلوب، انما انا كما هو انا، لا استطيع الاستغناء عنهن (يجسد بيديه على رسم جسد المرأة)، ولا عن هذا (يؤشر على زجاحة الخمر التي على المائدة)

البحار: لقد كانت لنا تجربة معهن في سفراتنا السابقة، فكن سبب مشاكل وفتنة مابين البحارة، لقد جلبناهم للطهي والتنظيف ولغسل الملابس، الا ان عملنا هذا انقلب علينا كارثة ومأساة، فككت من ترابطنا، وعملت على شل تازرنا وعلاقتنا الانسانية التي نحتاجها على ظهر هذا المركب، فكانت رحلة ماساوية فيها من المتاعب والمشاكل، وسببها كانت الانسات والسيدات .

العامل: (فجـأة، وهو ينظر الى نقطة ما وهو في اشد التعجب والاستغراب) انظر انظر (وهو يؤشر باصبعه على اتجاه امامه)

البحار: (باستغراب وتعجب) ماذا دهاك؟

العامل: (بدهشة) تلك، تلك سيدة تسير كالشبح على ظهر هذا المركب، اانا في حلم ام انني في صحوة من امري؟

البحار: (بسرعة يضع اصبعه على فمه محاولا اسكاته) اسكت ياهذا، انا متاكد من انك تحلم، وليس هناك مايدل على صحة كلامك .

العامل: (باصرار) صدقني يااخي ان ماشاهدته هو الحقيقة، فتاة تسير بخطى متسارعة باتجاه كابينة القبطان !!!!

البحار: اسكت ياهذا اتريد الحكم على نفسك بالموت؟

العامل: اذن، ماشاهدته كان هو حقيقة، وليس حلم او شيئا من الخيال !!!

البحار: (في شيىء من اليقظة والحذر) قلت لك ان تلتزم الصمت وان تكف عن هذا، خوفا من ان يسمعك احد من اعوان الكابتن، عندها سيكون مصيرك الهلاك والموت في قعر هذا المحيط !!!!

العامل:(بشيىء من التذمر والالم) المحيط المحيط، لماذا تحاولون اخافتنا من المحيط؟

البحار: (بالم وحسرة) هذا المحيط ياعزيزي، فيه من الوحوش الكاسرة تملك انيابا حادة، اذا مسكت بفريستها من الاسماك الصغيرة والكبيرة تمزقها شر تمزيقا، وكيف بها اذا اقتنصت جسد انسان يرمى به اليها من على ظهر هذا المركب؟ انها ستكون في غاية السعادة .

العامل: ولكنني احب ان ارضي فضولي، لماذا هذه السيدة الوحيدة على ظهر هذا المركب؟

البحار: (بهمس) انها خاصة بالقبطان، صديقته الحميمة، والتي لاتستطيع الفراق عنه، ولهذا يصطحبها معه في معظم رحلاته ، وازيدك علما، انه هو ايضا لا يمكنه الاستغناء عنها .

العامل: وكيف له ان يحلل لنفسه ماحرمه علينا؟

البحار: انه القبطان وصاحب القرار، وهو حرا في اتخاذ قراراته، فمن المستحسن ياصاحبي ان تلتزم الصمت، فاذا علم بأنك تتحدث عن معشوقته،فسيستل سيفه من غمده، ويغمده في جسدك، ومن ثم يرميك في قاع المحيط، صدقني ياعزيزي لقد سبقك الكثير من اللذين لم يلتزموا بالصمت، فتكلموا عما شاهدوه، فكان مصيرهم الهلاك والموت، فانت حر فيما تختار، اما الحياة او الموت .

العامل: (برومانسية) يالله ياصديقي على سحر عطرها الاخاذ، لقد لامست انسام المحيط جسدها حاملة لنا رائحة عطرها الاخاذ، وهي متجهة الى كابينة القبطان لتقضي معه ليلة حمراءة دافئة شهوانية، ونحن نعيش حرمانا قاسيا ياصديقي، عطرها هيج مشاعري باتجاه احلام في عالم يسوده العشق والمحبة والتلاحم الوجداني .

البحار: (بلا مبالات) هيا ياصديقي تمتع بالشرب، ومتع نفسك مع هذه الزجاجة، ومن ثم اذهب ومتع نفسك باحلامك القرمزية، وانت متوسدا وسادتك الخشبية اليابسة، لتريحك من تعب التفكير بالجنس الاخر،

العامل: (بضحكة فيها شيئا من الاستهزاء) ولكنني لا استطيع الاستغناء عن التفكير بالجنس الاخر، اتعلم ياصاحبي انني حينما اعود بذاكرتي الى الماضي وانا الهو في ملهى ليلي، واسهر فيه مستمتعا باصوات الموسيقى الراقصة، وامتع نظري بمشاهدة الجميلات من الراقصات الاسبانيات، وهن يتمايلن باجسادهن يمينا ويسارا، ينقرن برؤؤس ااحذيتهن المدببة على الارض ! تلك الاصوات، كانها تنقر على قلبي وتسرع من نبضات دقاته، وانا رافعا كأسي عاليا منتشيا، ورافعا قبعتي لهن تحية واعجابا ، وهن يبتسمن بابتسامات الرضى، ساعتها احس بان دفىء انفاسهن يلفح وجهي وياخذ بلباب عقلي ، وينتقل هذا الدفىء الساحر ياصديقي الى احاسيسي الداخلية، ليحرك احاسيس الحب والاشتياق الى الاستمتاع بلحظات عاطفة تنقلني من عالم اليقظة الى عالم الاحلام، وانت تنصحني بالنوم على وسادة خشبية يابسة وجافة، لانام واريح نفسي من التفكير بالجنس الاخر؟ (يضحك مستهزءا) اسمع ياصاحبي، الجنس الاخر، هو افيون الحياة، الجنس الاخر هو اكسير الحياة، الجنس الاخر، هو خلاص الانسان، فلولا هذا الجنس، لاصبحت الحياة من دونه صحراء قاحلة، وانا سئمت من الصحاري، ومشتاق للعيش بين الاشجار الخضراء المثمرة، مستلقيا على ظهري، وحسناء بجانبي تداعب باناملها الرقيقة شعري، (ينظر اليه بنظرة فيها شيئا من العتاب) هه، والان مارايك

البحار: (يضحك مبتسما) اذن اذهب وقبل ان تنام، تخيل هذه الحسناء، وتخيل اشجارك المخضرة، ونام على اصوات تغريد البلابل، وانامل حسنائتك، تداعب شعرك، تخيل، الا يمكنك ان تتخيل؟

العامل: ولكن الخيال يختلف عن الحقيقة ياصاحبي .

البحار: ولكنه عامل يساعدك على تمضية دقائق من المتعة .

العامل: حسنا، وبما ان هذا ليس بجديد علينا نحن عمال المركب، انما يجب عليا تقديم لك شكري واحترامي على نصيحتك هذه، فاعلم ياصاحبي،، هنا في هذا المحيط، لا نستطيع تحقيق احلامنا الا بالخيال والتخيل، فلولاهما، لكنا من عداد الاموات .

(موسيقى)

***

جوزيف الفارس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم