صحيفة المثقف

حكايات بغدادية.. المقامة (4)

زاحم جهاد مطرقلت:

هيا يا صديقي أخبرني بما وعدتني؟

قال:

تسألني حالك حال الذين يجهلون الأمور كمن يعيش خارج الزمان والمكان .

قلت:

لا يا صديقي أنا كما وجدتني أعيش الحالة ولكن ليس كل الحالات وعندما أسألك أحاول ان اوثق الحالات الأخرى التي شاهدها وعايشها غيري؛ محاولا معرفة الداء للبحث عن الدواء .

قال:

يا سيدي وماذا يفيد الدواء جسما صار جسدا؟

قلت:

أراك يائسا من التغيير !

قال:

هبلتك أمك ! أنت أهبل أم تستهبل؟ ألمْ ترَ ما جرى ويجري وما حصل ويحصل؟ وأي تغيير سوف يحصل من سائسي الخيول وحرامية العجول؛ وسرّاق البيت والوطن؛ يذهب معيط ويأتي شعيط؛ و( العصفور كفل زرزور والأثنين طيارة) . عن اي تغيير تتحدث ومن يحيط بك رجال دوانيق دوانيق؛ صعاليك معاليق؛ مزاويج مطاليق؛ كلامهم فقاقيع وعهودهم سماحيق؛ قصورهم طوابيق وثرواتهم جواليق؛ في الشرّ للناس محاليق وفي الخير لأنفسهم حماليق؛ أتحداك ان وجدت لهم في الدنيا مطاريق !

اشرار يتبادلون الأدوار على حساب العقلاء والاخيار؛ يعيشون في خير ورخاء والشعب في عوز وجفاء؛ لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء؛ موائدهم عامرة وعطاياهم جارية وبطون العامة خاوية ضامرة .

لست ادري ما الذي جناه هذا الشعب المسكين صاحب الحضارة منذ الاف السنين؛ كُتب عليه النكد والكدر والهم والقهر؛ اقداره تريد وترتأي؛ ان تبدأ حياته بالحرمان وبه تنتهي؛ يسيره صار عسيرا وعسيره امسى مريرا؛عيشه تكدر وسيره تعثر وجيشه تقهقر وفكره تبعثر؛ وخيره شح ونزُر وشره خبُث وغزر؛ كان لا يخسر ولا يُغلب ولا يُكسر والان يخسر ويُهزم ويُأسر؛ كان قطيعا فاصبح قطعانا كل قطيع مأمورتابع سائر خاضع خلف كبش يسير بلا ارادة او تفكير .

ويطلق ضحكة عالية ثم يستمر........

صدقني أنا نفسي لا أصدق ما اراه وأسمعه وأعيشه بالرغم أنه ليس بالوهم ولا بالخيال بل واقع حال !  

لقد ذكرتني بواحد آخر سوف تعرفه؛ هل تذكر صاحب الجسم البدين والظهر المتين؛ والردف الرجراج المضطرب والورك العظيم المنقلب؛ ضخم الجثة عظيم البطن اكرش؛ يحوش الطعام كانه وحش؛ قصير القوائم كأنه على الركبة جاثم؛ غليض الجلد أخشنه كأنه الخرتيت بعينه ...

مقاطعا له

قلت:

نعم .....لقد عرفته ...إنه شنون العفّاط....ها ها ها حيث كان معروفا للجميع برياحه التي بلا عوادم وبضرطاته التي بلا كواتم؛ ها ها ها ها ........

قال:

و كانت له صفة اخرى بها انفرد ولا يجاريه بها احد؛ حيث كان عندما يعفط في الرحمانية يسمعه من في علاوي الحلة ؛ والعصافير تترك اعشاشها فزعة . نعم ...لقد تذكرته جيدا ...و أذكر مرة كناه شاعرنا المرحوم بصريع الصواني لانه كان يسقط بالضربة القاضية امام الطعام في الصحون والأواني حيث كان يتلهمها في ثواني؛ وكان صاحب أول كف يمتد الى الطعام وآخر من يتوقف ويكف؛ لا تفوته ولائم الأفراح والأحزان والأعراس والختان وكان أول من يحضر وآخر من يغادر .

أخبرني بالله عليك أين حلّ به الدهر؟

قال:

لأننا أيها الأستاذ العليم نعيش في زمن الأسترقاق والأسترزاق؛ والشقاق والنفاق والمقارصة والمحاصصة والمطارحة والمناطحة؛ فقد أصبح اشعب الحي..... وعفاطها وضرّاطها .....مختارها !

قلت:

ماذا؟

قال:

نعم .....عش رجباً ترى عجباً

قلت:

سبحان الله .... تذكرت قول علي بن ابي طالب (لا يذهب أمر هذه الأمة إلّا على رجل واسع السرم ضخم البلعوم) . مع اختلاف الزمان والمكان والرجل تناسل الى رجال .

والى الحكاية القادمة..................

................

زاحم جهاد مطر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم