صحيفة المثقف

كيف تجعل من ابنك (عبقريا)

فاطمة الزهراء بولعراسربما تكون الدروس الخصوصية قد أخذت اسمها من كونها تخص مواد بعينها أو تخص فئة يعينها، أو أنها تخصهما معا، أما أن تتحول الدروس الخصوصية إلى دروس عمومية فتلك هي المشكلة التي لم يعد أحد يبحث لها عن حل، وأصبحت مع الأسف هي الحل الأمثل لكل مشاكل التلميذ التعليمية . ولقد انجر وراءها الجميع حتى من كان غيرمقتنع بها، ولا أولاده في حاجة إليها.

في كل البرامج والمناهج المدرسية وحسب علمي حصص استدراكية ودروس تقوية لواهتم بها المعنيون لتكفلت بالقضاء على هذه الظاهرة، وكفت الآباء شرها ومصاريفها، كما كفت التلاميذ متاعبها وإرهاقاتها.

كانت الدروس الخصوصية قبل زمن قصير تخص مواد مواد معينة وتخص تلاميذ مقبلين على شهادات رسمية كالبكالوريا وش ت م وحتى السيزيام أو السانكيام لكنها شيئا فشيئا تطورت وأصبحت تشمل كل أطوار التعليم بما فيها الأقسام التحضيرية، فأين الخلل يا ترى؟ هل هي في المناهج والبرامج أم في المعلمين والأساتذة أم فيهما معا؟

وهل المدرسة عاجزة عن تقديم النسبة المفترضة من التعلم لتلاميذها؟ أم أن المدرسة هيكل بلا روح يتعلم تلاميذها في بيوت معلميهم ومرائبهم بينما تسجلهم المدرسة في قوائمها؟

لنعرف أولا أن المدرسة هي هيأة لنظام تربوي كامل ولن تخرج عن سياقها التعليمي والتربوي حتى يكون النظام كله قد سبقها لذلك بل المجتمع كله.

كان المعلم في أدنى السلم الاجتماعي ماديا ومعنويا أيضا ومع ذلك بقي له شيء من الاحترام حتى لوكان في إطار المصلحة، التي لاننكرها عليه ولا على تلاميذه ولكنه بمجرد مطالبته ببعض حقوقه المهدورة في عيش أفضل ضرب في صميم رسالته وشكك الجميع في أهدافه، وألصقوا به تهم شتى كان بعضها حقيقيا مع الأسف، أماالبعض الآخر فكان حقا أريد به باطل، وظل الشيء الكثير والمهم معلقا بينما التلاميذ ضائعون بين عصا الوزارة، وفلقة المعلمين الذين استفاقوا والمسؤولين الذين تنمروا كما تاه الأولياء ولم يحوزوا شيئا من أمل كانوا يرجونه في أبنائهم. بعد أن خاب سعيهم وضلوا طريقهم إليه.

الدروس الخصوصية كما هي الآن شر كلها رغم أنني أعرف أن الكثيرين سيعترضون على هذا

شر في الابتدائي لأن التلميذ لا زال صغيرا ولا يجب أن تكثر عليه الطرق والمنهجيات في التبليغ.

وشر في المتوسط والثانوي لأن أغلبها تتم عند نفس أستاذ المادة الذي يدرس التلاميذ في المدرسة وعندما يقدم لهم دروسا خصوصية بمقابل، تكون هذه الدروس مجرد غش مقنن إذ يوحي الأساتذة لتلاميذهم الخصوصيين بالأسئلة وحتى الأجوبة وهكذا يتحصلون على النقاط ولكن دون أن يتحسن مستواهم الدراسي

هذا دون أن ندخل في تفاصيل أخرى عن مكان الدروس الخصوصية وملاءمتها أو عدم ملاءمتها لتلقي الدروس فغالبا ماتكون مرائب يحشر فيها التلاميذ، مع يتم من استغلال للتلاميذ وأوليائهم في منافع أخرى نتغاضى عنها لأن المنافع مشروعة بين الناس رغم أنها تكون أحيانا بطريقة استغلالية ومجحفة لأحد الأطراف

إذا أردتم معرفة خطر الدروس الخصوصية وتأثيرها السلبي فلاحظوا مستوى التحصيل المتدني الذي يشكو منه الأساتذة في الجامعات ولاحظوا أيضاأن بعض الطلبة يتخرجون من الجامعات بشهادات هي مجرد أوراق لا تعكس المستوى المطلوب

لذلك علينا أن نبحث عن حل آخر وذلك ليس بإلغاء الدروس الخصوصية تماما بل بتخصيصها أكثر بحيث يكون التلميذ في حاجة إليها وهذه الحاجة يقررها الولي والمعلم ولايجب أن تكون في جميع المواد وتكون في أقسام الامتحانات وألا يقدمهانفس المعلم الذي يدرس التلميذ في المدرسة ويكون عدد التلاميذ محدودا وإلا فلا فائدة منها

إن تخصيص وقت بسيط لأبنائنا لايتعدى العشرين دقيقة هو أكثر من درس خصوصي خاصة وأن أغلب الآباء والأمهات هم من خريجي الجامعات وحاملي شهادات عليا وإلا فالمسألة مسألة إهمال وتخل ظاهر عن المسؤلية

المعلم سواء في الدرس الخصوصي أو في غيره هو من يعلم التلميذ كيف يعتمد على نفسه في اكتشاف وسائل التعلم والاستزادة منها، ولا يتطلب الأمر وقتا ولا جهدا بل أسلوبا جيدا، ومنهجية يفتقدهما الكثيرون.

ولا بأس أن نذكر أن الشهادات الكبرى والألقاب الكبرى لا تصنع الفهم أو الذكاء وإنما يصنعه الصبر والمثابرة والاجتهاد

أما العبقرية في شهر

والتميز في دقائق

والتفوق في لحظات

فتلك أوهام يصنعها القافزون والمرضى بالشهرة والمال، فوق آلام التلاميذ وأوليائهم

لا تأمنوا على أولادكم غيركم وغير من تثقون بهم بدرجة كبيرة.

تابعوا دروس أولادكم من ألفها إلى يائها

لاتتحججوا بضيق الوقت !!

اقتطعوه من زمن ثرثرتكم على المواقع ومشاهدتكم لمسلسلات تافهة وحصص فارغة ننصحكم : كيف تجعل من ابنك عبقريا لأن حياتنا لا تنفعها العبقرية التي قد تكون مدمرة بقدر ماتنفعها واقعية معمرة

 

فاطمة الزهراء بولعراس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم