صحيفة المثقف

الطائشة

صبيحة شبرحاولت مرارا أن أميت تلك اللحظة من ذاكرتي، ولكن عبثا، تجيئني الذكريات على غير رغبة مني، لم اذنب في حياتي، ولم أسبب الأذى لاحد، وحاولت ان اكون مهذبا، ولقد نشأت في اسرة علمتني احترام الناس، وتقدير الكبير والعطف على الصغير، واعطاء كل ذي حق حقه، ولقد بذلت جهدي كي انال حب اهلي وعشيرتي، ولكن ذكراها ما تزال عالقة في ذهني، وأتساءل بيني وبين نفسي

- هل أذنبت بحقها بلا قصد ؟

غلام صغير يشب على حين غرة، ويرى نفسه اسيرة للكثير من الحاجات، التي لم تكن تخطر على باله، وهي بقامتها الطويلة وقدها الأهيف، وصدرها الناهد وعينيها الواسعتين، وشعرها الكستنائي الطويل، المنسدل على كتفيها، قد ألهبت الرغبة في قلبي الصغير، حاولت ان اتبعها، دون ان اتفوه بكلمة، موصلا اياها الى منزلها، وهي تسير امامي محاولة الا تظهر انها على علم بمتابعتي لها

يسعدني انها تسكن قريبا من منزلي، لعلها من الساكنين الجدد في المنطقة، ولم اعلم عنهم عن طريق افراد اسرتي،الذين اعتادوا على الترحيب بالسكان الجدد.

تطول متابعتي لها

- مساء الخير

يثيرني انها لاترد على تحيتي، احاول ان اقترب منها، عيناها ترحبان بحذر، ألقي تحيتي مرات أخر، يصفعني بقوة أنها تصر ألا تجيب، أمد يدي إليها ممسدا خدها، وكأن شعورا من مس الكهرباء يوقفني، تسكت هي، وكانت شديدة الحياء، اكرر المحاولة، ترغب بابعادي، ولكني كنت اقوى منها بكثير، كنت أشعر ببعض الحرية كوني بعيدا عن منزلي، أدرك ان عيونا كثيرة تترصدني، وتنقل ما أقوم به إلى أناس أحبهم كثيرا في عائلتي، فجأة أجد نفسي محاطا بعدد كبير من الناس، كيف وصلوا هنا، وقبل قليل كان الشارع يخلو منهم، افواه كثيرة تتحدث متهمة الفتاة باقسى النعوت، وأبشعها

- انها مخلوقة حقيرة، لم يؤدبها ذووها

- انظروا اليها كيف زججت حاجبيها ولونت وجنتيها ؟

- شعرها منسدل، ولم تبذل جهدا في ربطه

- عليها اللعنة، تتحرش بأولاد الناس، والرجال الصالحين

يرانا ابن عمها، فيسارع الى الوشاية بي والإيقاع بها

أتفاجأ بأبي

- ماذا فعلت لابنة الجيران ؟ لقد جاء ابوها شاكيا

- لم افعل شيئا

- لقد شاهدك الكثيرون تتحرش بها، الا تستحي ؟

ابي رغم طيبته وسماحته،إلا انه شديد الغضب في مثل هذه الامور

امسك عصا غليظة:

- سأؤدبك الآن يا ابن الكلب، يبدو أنني لم أحسن تربيتك، وتركتك حرا، تتعدى على أعراض الناس، ينقصني أن تتحرش بالجيران .

تتوالى علي صربات موجعات، مما جعلني اصرخ

- مهلا ابي، سوف اخبرك الحقيقة

يتوقف ابي، انتهز الفرصة لايقاف عمليات التأديب

-انها السبب ابي، كانت طائشة وخفيفة، تضحك في الشارع

- تأدب ايها العاق، كيف ايقنت انها طائشة ؟

- لبست تنورة مكشوفة ووضعت الأصباغ

اجد ان الضربات تضعف قوتها

- ومالك وما ترتدي ؟

يقف ابي ليسترد قوته، يبدو ان كلماتي قد أتت اكلها

- انها قليلة الادب

عرفت بعد ذلك ان افراد الاسرة الجارة، قد غادروا المحلة تحت جنح الظلام، خوفا من معاكسات الشباب

كنت ذلك الحين حدثا صغيرا، لاأفقه من أمور الحياة شيئا، ثم كبرت وعرفت ان الكلمة قد تودي بصاحبها، أو تسبب اندلاع حريق، لايذر شيئا، ويأكل المذنب والبريء ورغم توالي الأعوام، فما زال ذلك الحدث ماثلا في ذهني، سألت عنها وعن أحوالها، فلم يجبني احد

***

صبيحة شبر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم