صحيفة المثقف

إحتفالات الطلاق.. ظاهرة إجتماعية ممجوجة

حسن زايدالوجود والعدم ضدان متناقضان لا يجتمعان معاَ وجوداً، ولا يرتفعان معاً عدماً وزوالاً وانتفاءاً. كذلك الفرح والحزن، والبناء والهدم، والنجاح والرسوب. ولابد أن يكون استقبال النفس البشرية لأحدهما مختلفاً عن استقبالها للآخر، حيث تختلف مشاعر وأحاسيس استقبال الفرح، عن تلك التي يتم بها استقبال الحزن، وكذا الأمر بالنسبة للوجود والعدم، والبناء والهدم، والنجاح والرسوب .

ومن طبائع الأمور أن تختلف  مشاعر وأحاسيس الإستقبال باختلاف المُستَقْبَل، وكما أن المتناقضين لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً، فكذلك الأحاسيس والمشاعر لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً . فمشاعر وأحاسيس الفرح لا يجتمعان عند الميلاد، ولا يجتمعان عند الموت في آن واحد . 

 ولقد درجت البشرية علي ذلك فيما نعرفه عنها إلا إذا وُجِدَت بعض الحالات الإستثنائية الشاذة عن تلك القاعدة، والإستثناء فيما نعرف كلك يثبت القاعدة ولا ينفيها . وهذه القاعدة أصبحت كاللغة العالمية المتعارف عليها، فهز الرأس رأسياً تعني الموافقة، وهزها أفقياً تعني الرفض . ونضحك بطريقة واحدة، ونبكي بطريقة واحدة كذلك . لكن لا يمكن أن تكون طريقة الضحك هي طريقة البكاء .

والزواج والطلاق ضدان متناقضان، لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً، واستقبال النفس البشرية لأحدهما يختلف عن استقبالها للآخر، والأحاسيس والمشاعر المصاحبة لهذا الإستقبال تختلف باختلاف الحالة المُسْتَقَبَلة .

 فالزواج يجري استقباله بمشاعر وأحاسيس الفرح والبهجة والإنشراح والسعادة والسرور والحبور والغبطة والهناء، لارتباطه بالوجود والبناء . فهو الطريق المشروع لإيجاد الأسرة التي لم تكن، والتي هي النواة الأولي للمجتمع، وهو الطريق للحفاظ علي النوع واستمراره، والسر الأعظم وراء استمرار البشرية . وهو أداة عملية الإحلال والتجديد في الجنس البشري .

والطلاق يجري استفباله بمشاعر وأحاسيس الحزن والغم والكآبة والهم والأسي والتعاسة والشجن والشقاء والكرب والكمد والإبتئاس، لارتباطه بالهدم والفناء، فهو الطريق لهدم أسرة كانت، فتمسي لم تكن، وإفناء نواة المجتمع الأولي، وقطع الطريق علي استمرارية البشرية، وتعطيل عملية الإحلال والتجديد اللازمة لهذا الإستمرار . ولذا شرع الله الطلاق، وأحله، إلا أنه بغَّضه، والبغض : الكراهية والمقت . وعلي ذلك يعد الطلاق بمثابة المنفذ المكروه الممقوت الذي فتحه الله في جدار الزواج، نفاذاً من استحالة العشرة المحتملة بين الزوجين . ومعني ذلك أن المرء يأتيه وهو كاره ماقت .

ولذا أحاط الله مسألة الطلاق بضوابط  وشروط تجعل وقوعه صعباً . فهناك شروط يتعين توافرها في الزوج المطلق، وشروط يتعين توافرها في المرأة المطلقة، وشروط يتعين توافرها في صيغة الطلاق . وهناك حكم الطلاق علي ما جاء من تفصيل في كتب الفقه . ومراعاة للمشاعر والأحاسيس والعلاقات الأسرية، وحتي لا يكون الطلاق سبباً أو علة لجرح المشاعر، وخدش الأحاسيس، وتفتيت العلاقات الأسرية بين الأُسَر والعائلات، وحفاظاً علي كل ذلك استصحب الطلاق بالإحسان : وهو فعل كل ما هو حسن، وهو ضد أساء، والمعروف : وهو اسم لكل فعل يعرف حسنه بالعقل أو بالشرع، بخلاف المنكر .

وإن كان يتعين أن يكون ذلك في حق الزوجين مطلوباً وضرورياً، فإن وجود أطفال ثمرة هذا الزواج يجعله أكثر مطلوبية وضرورية من باب أولي، لأن ما يحدث لهم بسبب الطلاق، وانفصال الزوجين عن بعضهما البعض، من أمراض نفسية يكون لها الأثر البالغ علي علاقتهما بوالديهما، وعلاقتهما بالآخرين، ومجمل حياتهم فيما بعد، ووجودهم في المجتمع . ولذا يقع الطلاق غير المبرر بمبررات مقبولة موقع الجريمة التي تصيب المجتمع بتبعيتها .

وكان لا حرج في أن ينتاب الزوج او الزوجة فرحة الخلاص من الطرف الآخر خفية وعلي استحياء، فلا يضبطه أحد متلبساً بذلك، حتي لا يُعاب عليه هذا السلوك . ثم تطور الأمر بانتقاله من السرية والإستخفاء إلي السفور والعلانية . ثم تطور الأمر إلي تقليعة. والتقليعة: رغبة عابرة أو اهتمام ببدعة جديدة في السّلوك أو الملابس أو غيرها من الظّواهر وتستمرّ لمدّةٍ قصيرة . وبدلاً من انقضاء التقليعة وانتهائها، بحكم كونها تقليعة، فإذا بنا نتفاجأ بترسخ التقليعة وتجذرها، وتحولها من مجرد اهتمام ورغبة إلي حفلات صاخبة . حفلات يتم الدعوة إليها الأهل والأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء والمعارف، وتعد لها  الأكلات الفاخرة والمشهيات والمشروبات، وتحجز لها الصالات في الفنادق، وتقام لها السرادقات، وتعلق الزينات، ويغني المطربون والمطربات، ويتراقص الرجال والنساء، والشباب من الذكور والإناث .

وهذا المسلك الممجوج  أي المستقبح والمستهجن   له آثار سلبية غائرة، لو تركت هذه المسالك، باعتبارها من باب الحرية الفردية، فهي حرية فردية انحرفت عن مسارها الطبيعي المرسوم . فهل إلي إيقاف هذه الحفلات الممجوجة من سبيل؟ .

 

حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم