صحيفة المثقف

اقتصاديات وجدانية

خالد جودة احمدالإنسان الفاهم لقواعد الاقتصاد حقًا هو من يحافظ على أصدقائه، فالاصدقاء موردًا يعد شديد الندرة، بمعنى أن بعض الناس قد يقضون حياتهم بحثًا عن هذا الصديق دون أن يجدوه، بالتالي حقيقة المشكلة الاقتصادية الوجدانية تتمثل فى كيفية احسان استثمار الموارد المتاحة والتى تتسم بالندرة، وهذا كلام يحتاج إلى تفصيل.

بداية تتعدد أنواع الموارد الاقتصادية حسب مفهومها الواسع إلى موارد طبيعية هبة من الله تعالى للبشر، وموارد بشرية تتمثل فى قوة العمل، ورأس المال الذى يعنى تراكم السلع والخدمات من العميلة الانتاجية وتسمى أيضا "الموارد الصناعية"، والانتاج ما هو الا التشكيل لمنافع اقتصادية بتحويل الموارد الطبيعية الغير صالحة للإشباع الإنسانى إلى موارد انتاجية صالحة لهذا الاشباع بواسطة العامل الإنسانى، من خلال مدخلات ممثلة فى الموارد الطبيعية والموارد البشرية ثم التشكيل (المعالجات) لنحصل على المنتج النهائى ممثلا فى السلع والخدمات (الموارد الانتاجية)، أما الاستهلاك فيعنى تدمير المنافع الاقتصادية الكامنة فى السلع والخدمات أي استعمالها فى الإشباع الانسانى.

أما ملخص تلك العملية من وجهه نظر اقتصادية وجدانية في بنود موجزة:

- أي إنسان فى حاجه إلى الشعور بالمحبة والاهتمام والتقدير من الآخرين وتلك حاجه انسانية غير مشبعة يسعى الانسان لاشباعها بتكوين مورد الاصدقاء.

- فى الحياة الاقتصادية تتسم الموارد بالوفرة، أما الأزمات الاقتصادية فتنشأ  أساسًا من سوء استغلال تلك الموارد وسوء توزيعها أيضًا، أما فى الحياة الوجدانية فالصورة عكسية حيث نجد ألوانا شتي من الموارد مثل المحبة والرضا وأشد تلك الموارد ندرة "الأصدقاء".

-على النقيض فالاستهلاك الوجدانى ليس تدميرا لمودة الصداقة اذا كان الاستثمار فى اشباع احتياجات المرء النفسية، ويكون الاستهلاك تدميريًا إذا لم تحافظ على موردك بمقابلة ود صديقك بود مماثل، أو إذا استغللت عطائه لك فاعتصرته اعتصارا ناسيًا تماما حقه عليك، ولعل المثل الشعبى يصف ذلك فيقول: "اذا كان حبيبك عسل فلا تلحسه كله"، فالاستهلاك الوجدانى الذي لا يؤدي للتدمير بل علي العكس، يعنى التمتع بصفاء الود وحسن التأييد وسلامة النية وصدق النصيحة من الصديق.

- وهنا تتضح قيمة الصداقة الوجدانية الاقتصادية، حيث الفقر الحقيقى هو ألا يكون للإنسان الصديق الصدوق الناصح الأمين علي صديقه، بالتالي تظهر المشكلة الوجدانية فى كيفية استثمار الموارد المتاحة على البدائل المتاحة والمتعددة حسب سلم تفضيل معين أي حسب أولويات محدده، لذلك يستخدم أسلوب التشغيل المناسب للعمل على المدخلات فى حياة الإنسان من الناس الذين يتعامل معهم، من خلال النص الشريف "الدين المعاملة"، أى إحسان معاملة الناس لاكتساب مخرجات مهمة من أسلوب التشغيل بالخلق الحسن وهم "الأصدقاء"، وهناك أدبيات كثر تدور حول أسلوب المعالجة المعتد به، نموذجًا المثل العربى: "تناسى مساوئ الإخوان يدم لك ودهم"، والشاعر العربي: (ولست بمستبق أخ لا تلمه علي شعث / أي الرجال المهذب) أي الصديق الذي اكتملت خصاله فغدي مهذبًا للغاية، ويصف مثلا عربيا آخر حالة الفشل الاقتصادى الانتكاسى الذريع فى تكوين هذا المورد الوجدانى فى حياة الناس فيقول: "الضعيف من ضعف عن اكتساب الإخوان وأضعف منه من ضيع من اكتسبه منهم".

 

خالد جوده أحمد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم