صحيفة المثقف

الاندلس عصور من العطاء والتنوير (1): مدينة ملقا (ملكة) Malaga

كاظم شمهودتقع مدينة ملقا على الضفاف الجنوبية لشبه الجزيرة الايبيرية وكان الفينيقيون هم الذين أسسوا هذه المدينة لاغراض تجارية واطلقوا عليها اسم Malaka – أي ملكة – وربما جاء هذا الاسم نتيجة لموقعها الجغرافي المهم ولامتلاكها ثروات معدنية هائلة . ويذكر المؤرخون بأن المدينة منذ القرن التاسع ق . م . كانت مركز ومستوطن للفينيقيين . وبدأت كمرفىء تجاري صغير يقع على شاطىء البحر المتوسط وتقع ايضا على مصب نهر يطلق عليه أسم Guada la medina (وادي المدينة)

ويذكر المؤرخون ان نبوخذ نصر الثاني ملك بابل غزى اراضي الشام وسيطر عليها ومن ضمنها اراضي الفينيقيين (الكنعانيين) حوالي 573 ق.م . واصبحت جزءا من امبراطوريته، وكان يخطط للسيطرة على تجارة البحر المتوسط الغنية، وقد تم له ذلك واصبحت ملقا من المصادر والموارد التجارية المهمة للامبراطورية البابلية بمعنى ان تواجد الفينيقيين وامتدادهم وتأسيسهم للمدن والمرافىء في شبه الجزيرة الايبيرية يعني ان اسبانيا كانت تحت النفوذ البابلي ...

وقد عثر اليوم في ملقا على آثار كثيرة تعود الى الفينيقيين كما عثروا على كهوف تعود للانسان القديم، وقد وجدوا في هذه الكهوف رسومات ذات اشكال بدائية ومبسطة منها كهف Pileta en Benaojan وكهف Tesoro en Rincon وكهف Nerja .

ويذكر علماء الاثار ان رسوم كهف Nerja تعتبر من أقدم الرسوم الانسانية حيث يحدد بعضهم تاريخها الى 42.000 قبل الميلاد . .كما ان المعتقدات الدينية لاهل ملقا كانت امتدادا لما هو في الشرق من معتقدات وثنية مثل عبادة بعل Bael وتانيت Tanit ومالكارت Malkart أو – Melkart - .

420 الاندلس

ملقا ايام المسلمين:

كتب المؤرخ العربي الحميري عن مالقا ووصفها وصفا موجزاً . (تقع المدينة على شاطىء البحر عليها سور صخر والبحر في قبلتها وهي حسنة عامرة كثيرة الديار وقد احيطت بشجر التين واشتهرت به ويصدر الى الشام والعراق وهو من أحسن التين طيبا وعذوبة).

تقع مدينة ملقه في جنوب اسبانيا على شاطىء البحر المتوسط وهي مدينة حديثة بعماراتها الشاهقة وفنادقها الراقية وشوارعها العريضة وميادينها الفسيحة التي تحيط بها الاشجار خاصة اشجار النخيل التي تمتد على ساحلها بأناقة وجمال .

ولازالت آثار المسلمين موجودة في المدينة ومن أهمها القصبة . وهي قديمة وقد عمرها وشيدها بني حمود العلويين (الادارسة) الذين ملكوها ايام حكم الطوائف وفيها قصر الامارة، خاصة ايام الامير الحمودي حسن بن يحيى بن حمود المستنصر عام 1039 م وعندما سيطر عليها باديس بن حبوس البربري ملك غرناطة عام 1057 وجدد القصبة وجعلها من أعظم القصبات في الاندلس ايام الطوائف .

سقطت المدينة عام 1487 بيد النصارى بعد ثمانية قرون من العطاء الحضاري والمدني تحت حكم العرب .. وبعد دخولهم المدينة قرر الملك فرناندو معاقبة كل اهالي ملقا ماعدا مجموعة من التجار الاغنياء الذين ساعدوا النصارى في فقتح المدينة ثم احرقت المدينة وحولت الى ركام وفر اهلها منها . اما القصور والمنازل الفاخرة والمصانع والمزارع الشاسعة فقد وزعت بين المنتصرين كغنائم حرب . بين رجال الدين والقادة والنبلاء والجنود . . ثم حولت المساجد الى كنائس مثل كنيسة – سان خوان – San Juan وسانتياغو Santuiago وسانتومارتيس Santo Martices وغيرها.

في زمن العرب والمسلمين اشتهرت ملقا في صناعة الفخار والخزف واستمر ذلك في زمن النصارى ايضا . وكانت تصنع من الطين والخشب والمعادن . وايضاً اشتهرت بالمواد الانشائية المعمارية كحجر المرمر وغيره وكانت تصدر الى جميع بلدان حوض البحر المتوسط وكذلك المدن الاسبانية .

وفي عام 1934 – 1936 قام علماء الاثار في التنقيب في المدينة القديمة في الجزء الاعلى من القصبة وقد عثروا على مباني قديمة تعود الى بني حمود وملوك غرناطة . منها القصر ومباني سكنية وحمامات . وقد استعمل القصر الاسلامي مقراً للملوك الاسبان مدة حوالي قرنين ثم اهملت القصبة وقصورها في القرن الثامن عشر وعمها الخراب واصبحت اليوم عبارة عن اطلال .

اما المسجد الجامع الكبير فقد حول الى كنيسة، والتي تقع قرب القصبة وهي عالية البنيان وقد شيدت على طراز عصر النهضة، ويعود بنائها اوائل القرن السادس عشر اي بعد سقوط المدينة بقليل . ويوجد اليوم عدد من الكنائس القديمة والتي كان معظمها مساجد ولازالت منائرها قائمة حيث حولت الى ابراج للكنائس منها كنيسة سانتياغو وكنيسة مسيح النصر Cristo de la victoria وكنيسة سيدة النصر nues tro sra.de la victoria وكنيسة سان ديمينو ..

421 الاندلس

وفي عام 1931 وبالتحديد في 11/5/1931 هاجمت المدينة مجاميع كبيرة من الناس وجلهم من الداعين الى اسقاط الملكية واعلان الجمهورية، هاجموا 41 معبداً دينياً بين كنيسة ودير ومدرسة دينية واحرقوها وحولوها الى ركام . كما سلبوا ذخائرها وكنوزها الفنية من لوحات ومنحوتات وخزفيات وتحفيات اخرى نادرة وتاريخية وغير ذلك من الاثاث . وفي عام 1933 اصبحت ملقا حمراء(شوعية) كما يقال حيث سيطرت عليها الاحزاب الشيوعية والاشتراكية والفوضوية وانتخب محافظ للمدينة من التيار الشيوعي ويدعى كايتانو بولبار Cayetano Bolivar .

وعندما بدأت الحرب الاهلية عام 1936 كانت ملقا قد وقفت الى جانب الجمهوريين ودافعت بقوة ضد فرانكو وحلفاءه من الايطاليين والمغاربة . غير ان الجنرال فرانكو استطاع من سحق الجمهوريين والسيطرة على المدينة عام 1937 . وفر الجمهوريين من المدينة الى المدن المجاورة وفي اثناء ذلك وعلى طريق ملقا المريه قصفت الطائرات الفارين وراح جراء ذلك مئات الضحايا .

واليوم ملقا هي مدينة اسبانية اوربية عظيمة اصبحت مركزا سياحيا ومأوى للملوك وعشاق الطرب واللهو والباحثين عن حمام الشمس والجمال ومن اهم شواطئها ومراكزها ماربيا Marbella التي تعد قبلة للسواح . وشيدت فيها العمارات الشاهقة والفنادق الفخمة من الدرجة الاولى ومراكز اللهو والطرب وشيدت فيها البلاطات والقصور الخيالية والتي غالبيتها تابعة الى الاجانب من ملوك وامراء منهم عرب الخليج العربي . كما اصبحت المدينة مركز ترف ولهو للكثير من الممثلين السينمائيين والمطربين ورجال الطبقة البرجوازية . .. وتعد ملقا اليوم جامعة لاغنياء العالم .

علما ان ملقا هي مسقط رأس الفنان بيكاسو وقد انشأ فيها متحف بيكاسو ومتحف كارمن تيسن Thyssen وغيرها من المراكز الثقافية وبذلك صبحت المدينة ايضا قبلة لمحبي الفن والثقافة والسياحة ... كذلك أنشأ فيها مطار عالمي كبير، ووصل اليها الخط الحديث للسكك الحديدية المسمى – AVE اي الطائر والذي تبلغ سرعته نحو 300 كم في الساعة . ويربط هذا الخط المدينة بأوربا

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم