صحيفة المثقف

القوة الناعمة رؤية مصرية (2)

حسن زايدكنا قد انتهينا في المقال السابق عند حافة التعريف بمفهوم القوي الناعمة، عندما قلنا إنها القدرة علي الحصول علي نريد وذلك عن طريق الجاذبية بدلاً من طريق الإرغام  بالقوة الصلبة أو الخشنة، أو طريق دفع الأموال "الرشا". وهذا يعني ببساطة أنه كلما كانت ثقافتا جذابة كلما اتسعت قوتنا الناعمة، وكلما كانت سياستنا سياسة مشروعة في عيون الآخرين، كلما اتسعت قوتنا الناعمة، وكلما وقع الآخرون في الإعجاب بمثلنا، وأرادوا ما نريد، كلما قل الإنفاق علي القوة الصلبة أو الخشنة لإرغامهم علي التحرك في اتجاهنا، ودفعهم دفعاً إلي إرادة ما نريد، لأن الإغراء أكثر فاعلية من الإرغام علي الدوام .

والكثير من القيم لها قدرة عميقة علي الإغراء، ولكن هذه القيم لا تعمل بمفردها علي نحو تلقائي، وإنما تكون فاعلة في وسط اجتماعي حي متفاعل، ولا محل للقول بعمقها في الإغراء في ذاتها بمنأي عن البيئة المحيطة . فقد تنقلب جاذبية القيم وعمق إغرائها إلي قيم منفرة طاردة، إذا تصرفنا في ظلها بفظاظة وغطرسة، ودمرنا الرسالة القيمية الحقيقية ألأعمق لقيمنا .

والناس يعرفون معني القوة الصلبة وماهيتها . ويعرفون كذلك أن القوة العسكرية والإقتصادية غالباً ما تدفع الآخرين إلي تغيير مواقفهم، وتعديل توجهاتهم، وتحوير إرادتهم، بما يتوافق مع مواقف وتوجهات وإرادة من يمتلك تلك القوة . ويمكن أن تتركز القوة الصلبة في المغريات، ويمكن أن تتركز في التهديدات، ويمكن أن تجمع بين العنصرين، المغريات والتهديدات . ومع ذلك يمكننا الحصول علي ما نريد أحياناً دون الحاجة للإلتجاء للمغريات أو التهديدات .

وإذا كانت طريقة المغريات والتهديدات وهي الطريقة المباشرة للحصول علي ما نريد هي: "الوجه الأول للقوة "، فإن طريقة الجاذبية وهي الطريقة غير المباشرة في الحصول علي ما نريد هي: "الوجه الثاني للقوة" .

ووفقاً لذلك، فإنه يمكن لأي دولة من الدول، ومن بينها مصر، الحصول علي النتائج التي تريدها في السياسة العالمية، لمجرد وجود دول أخري  معجبة بمُثُل هذه الدولة، وتحذو حذوها، وتتطلع إلي مستواها من الإزدهار   تريد أن تتبعها .

وبهذا المعني، فإنه من المهم أن تقوم الدولة بوضع جدول أعمال واجتذاب الدول الأخري في السياسة العالمية، بدلاً من إرغامهم علي التغيير تحت وقع التهديد باستخدام القوة الإقتصادية أو العقوبات الإقتصادية .

تلك هي القوة الناعمة التي تجعل الآخرين يريدون ما تريد دون الإلنجاء إلي إراغمهم  .

وهنا البون بين الأنظمة الفاشستية والأنظمة الديمقراطية . فالأنظمة الفاشستية تلتجيء إلي إستخدام العصي والجزرة . بينما الأنظمة الديمقراطية  تعتمد بصفة أساسية علي المزج  بين الإغراء والجاذبية . فالقوة الناعمة تعد عنصراً ثابتاً في السياسة الديمقراطية .

والقوة الناعمة ليست مجرد التأثير وفقط، إذ أن التأثير يمكن أن يستند إلي القوة الصلبة والرشا . وهي أكثر من مجرد الإقناع، ولو أن الإقناع  يعد جزءاً منها . وإنما هي القدرة علي الجذب، والجذب قد يؤدي في كثير من الأحيان إلي الإذعان .

وللحديث بقية، إن كان في العمر،،،،،

 

حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم