صحيفة المثقف

نبرة التشاؤم وقلق الوجود في ديوان: قاتل معلن

عمار ابراهيم عزت

للشاعر عمار كامل داخل

تنتمي مجموعة (قاتل معلن)، وهي المجموعة الأولى للشاعر عمار كامل، الى (قصيدة التفعيلة)، وهو في اختياره لهذا اللون الشعري بقواعده الصارمة تحدٍّ ورهان كبير في زمن غادر فيه معظم الشعراء هذا النوع الأدبي متجهين الى كتابة قصيدة النثر. حتى ليمكننا القول إن ديوان عمار كامل علامة فارقة بين ما ينشر من مجموعات لشعراء شباب.

إن ما يميّز هذه المجموعة كما يصفها الناقد داود سلمان الشويلي: "إنها كتبت بأسلوب قصيدة التفعيلة، وإنها تقدم صورة شعرية عالية الدقة عن الواقع العراقي في الوقت الحاضر وهو يمر بأصعب مراحله"، ويذهب الدكتور مصطفى عارف الى القول بأن معجم الشاعر كان تشاؤميا ابتداءً من عتبة العنوان، كما يرى في تجربة عمار كامل تجربة رائدة افتتح بها مشواره الشعري. أما الأكاديمي حيدر نعيم فقد وصف الشاعر بقوله إنه "حمل هموم أبناء جلدته متكلما نيابة عنهم، أما أدواته فهي: جمال شاعريته الفذة وقلمه المتدفق عطاءً"

وتأكيد للقول بنبرة التشاؤم نورد مقتطفات من مجموعته:

-"أعمارنا حكاية يبتلعها التراب

فتشرب الديدان ما يفيض من شجونها من دون ما أمل" (ص9)

 

-"بين مكنونات عقلي والأقاويل الكثيرة،

بين اثبات ونفي رحلتي كانت مثيرة

رحلة تبحث عن سر بقاء" (ص15)

-" ضاعت أحلام الصبا في صحارى الانتظار

وطواني الليل وحدي تائها

كالموج أبحث عن قرار"

-"يتساءل الأحياء عن سر البقاء بلا رغيف

والندوب تتآكل الأحداق.. يعرفها الظلام

على الدروب

نكبو ونيأس ثم نكبو ثم نيأس ثم نبحث عن هروب

كي لا نساق كما القطيع الى الحروب" (ص31)

-"نحن مذ كنا صغارا نشرب الذل على باب المقاهي

نتوضأ بخطاياك وندعو للسماء

ويقينا كل عام

نهب الكاهن عذراء المدينة

لنكفر عن خطايانا

ونحفظ مركب الجهل الأمينة" (ص37)

-"مدينة موبوءة بالموت والسقم

بيوتها من الصفيح والقصب

ساحاتها مقابر، سكانها حطب

سلطانها صنم ... ومجدها عدم" (83)

تشي (نبرة التشاؤم) في قصائد عمار كامل برؤية وجودية للإنسان والعالم، فالإنسان في الوجودية يحتل موقعا مركزيا، فهو صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. إنه يختار معتقداته ومسؤولياته الفردية دون أن يخضع لأي نظام مسبق. هذه الطريقة الفردية للتعبير عن الوجود هي الطريقة الوحيدة للنهوض فوق الحالة المفتقرة للمعنى المقنع للمعاناة والموت والفناء.

غير إن (إنسان) عمار كامل هو إنسان عدمي مهزوم ومنكسر من الداخل والخارج. تهيمن على إرادته وتكبله (ديستوبا) الواقع. واقع تخلى به الإله عن مركزيته، وسلبت من الفرد أرادته بعدما ساد كاهن أو عبد صنم، في إشارة الى (سلطة الدين) و(سلطة الدكتاتور). إن تجريد الفرد من حرياته وتحجيم دورة في الحياة، وتحوله الى وقود لحروب خاسرة، يدفعه دون شك الى عدمية صبغت سوداويتها النص الشعري وظلاله، سطحه القلق وأعماقه. سوداوية كانت مدعاة الى قلق وجودي وارتياب حاد بالماضي والحاضر وضبابية معتمة للمستقبل.

يخضع البحث عن (معنى الوجود) لسلسلة من الممارسات الفردية منها: الدخول بالتجربة الوجودية الفردية الداخلية، معايشة الواقع وجدانيا أكثر منه عقليا، اكتشاف المعاني الأساسية في الوجود الإنساني العدم أو الفناء أو الموت وخطيئة، الوحدة واليأس وعبثية الواقع، ثم القلق الوجودي ثم قيمة الحياة أو الوجود، ثم معناه الصادق الملتزم باحترام القيم الإنسانية الخالصة وحقوقه وحرياته.

 فإذا جربنا أن نضع ديوان (قاتل معلن) في بوتقة هذا المعنى الوجودي لاختباره، فإننا نجد إن عمار كامل لم يتخطى مرحلة (القلق الوجودي)، إذ ظل معلقا يصور خرائط محنته (الزمكانية) في نبرة تشاؤمية تذكرنا بغثيان سارتر، وإن (معنى الوجود) هو الوجه الآخر للنص. وجه غير معلن تفضحه حيرة الأسئلة ونزعة الانقلاب وثور الغضب على واقع سحقت أنظمته ومؤسساته، عاداته وأعراف مجتمعه، الأنسان الذي بات عالقا بين سندان أحلامه الضائعة ومطرقة الواقع المزري. هذا المعنى يؤكده وصف الناقد د. صالح الطائي للمجموعة إذ يقول: " إن قصائد المجموعة تبدو للوهلة الأولى وكأنها قصيدة واحدة تشترك في معنى واحد يصرخ بوجه الإنسان معترضا على روح الافتراس التي فشت بين الناس داعيا[ضمنا] إلى تمجيد تبجيل الإنسان هذا الكائن الفريد".

(قاتل معلن: عمار كامل داخل، أمل الجديدة، سوريا، 2017)

 

عمار إبراهيم عزت

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم