صحيفة المثقف

حَسِيسْ..!

ياسمينة حسيبيوحين قرّرتَ أن ترى نفسكَ نيابةً عن العالم ...

كان قد مرّ عليك وقت طويل وأنت معلّق كزينة في شجرة رأس السنة.

كانت حوافر الوطن قد داستْ أفكاركَ العظيمة وحوّلتْها إلى علفٍ للمواشي في اصطبل السّاسة.

وكان التاريخ قد سقط .. من عينيْكَ إلى الأبدْ !

 

وفي غفلة من قلبكَ ...

"مرّ بك حبّ لا هو يدري ولا أنت تدري " …

حبٌّ ذو احتياجاتٍ خاصة !

همستْ في أُذنكَ:

لا أُبالي بالتفاصيل، سأكتفي بما تيسّرَ منكَ !

ابتسمتْ لجراحكَ وربّتتْ عليها بيدٍ لا سلطان لها على الألم.

تقدمتْ صوبكَ بخجلٍ .. ثم صعدَتْ أدراج القلب .

 

قلتَ برجاء العاشق اليائس :

أحِبّينِي ... وانْفقِي من قلبي دون حسابْ!

أحبٌيني ...

كعائدٍ من الموت ما زال يتجاسر على الحياة..

كمواطن يتحدث لغة القهر بطلاقة ..

كشاعر اكتفى بالعيش في قصائده بين تقشّف وسوء تدبير..

كيتيم لا يحسن البكاء في مواسم الفقد !

أحِبّينِي..

لكيْ لا يبقى للمنفى سببًا وجيها لقتلي،

ولكيْ لا يغتالني الحزن حين أدير له ظهري !

أحِبّينِي ..

كما تحِبُّ نساء العراق واليمن وسوريا وليبيا…

هؤلاء النساء اللواتي أشْهرْن سلاح الأمومة في وجه الحرب وبَقِينَ على قيد الحياة بذريعة الحبّ  نساءٌ يفاخرن - في كلّ المناسبات- بذهابهنّ إلى أبعدِ مناطق الحزن.

 

ثم أرْدفتَ بلهجة الحكيم:

وإياكِ.. أن تنْبهري بالتاريخ، فقُصورهُ المزخرفة لم تخلُ أبدًا من  مجاري للصّرف الإنساني !

قاطعتْكَ بقلقْ :

وهذي الحرب التي أفرغتْ عيون الأطفال من الضوء ...؟

ارتعشت شفتاكَ كأنما لسعتهما نيران الثلج

وبدَا وجهُكَ ... كحَدَثٍ غير متوقّع!

قلتَ وأنت تتلفّع  بشقوق روحكَ :

هذي الحرب امرأة منهارة من الداخل لكنها تتزيّن وتضع أحمر الشفاه على شفتيها كلّما كانت على موعد بِ"راعي البقر".

هذي الحرب أفرغتنا من محتوانا بذريعة الإعمار !

ونحن الآن  …

نقف على الجانب الآخر من أنفسنا وأسراب الظلام  تتجمّع من حولنا.

ننتظرُ …

أن ترتفع أسهم العروبة في الأسواق كي نعود أدراج الكرامة !

نتجول كل ليلة في فناء الجسد لنتفقد.. أرواحنا، ولا وجود للعسَس في الممرّ ات !

لا همسة، لا صرخة ، لا صدى ...

وحدهُ "حَسيسُ" المِنشار يصل أسماعنا وهو  يقطّعُ "الأقلام"  إربًا … إرباً !

***

ياسمينة حسيبي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم