صحيفة المثقف

شاكر نوري كتب رواية خاتون بغداد بعيون اجنبية

نيران العبيدييبدأ الكاتب شاكر نوري روايته التاسعة خاتون بغداد الصادرة عن دار سطور سنة 2017 بمقولات لكلود ليفي شتراوس واسكار وايلد وميلان كونديرا الذي يقول التاريخ بحركاته وحروبه وثوراته المضادة وهزائمه الوطنية لايهم الروائي بوصفه موضوعا للوصف والشهرة والتشهير والتفسير، فالروائي ليس خادما للمؤرخين واذا كان التاريخ يسحره فذلك لانه مثل مصباح كشاف يدور حول الوجود الانساني ويلقي ضياءه عليه.. الخ ليقول لنا ان روايته لا تعني حيادية التاريخ لشاكر نوري بقدر ما يسلط الضوء على شخصية بطلته المس بيل الجاسوسة الانكليزية التي شاركت بصنع خارطة العراق الحديث من منظور استعماري ونصبت الملك فيصل الاول بن الحسين بن علي الحجازي ملكا على العراق متجاهلة ارادة الشعب العراقي بعد استفتاء شعبي قامت بتزويره بطلة الرواية ليحصل الملك على 96 % من اراء الشعب العراقي ص 197 معللا عدم انتخاب طالب النقيب الذي تم نفيه من الفاو الى جزيرة سيلان بأمر من السير برسي كوكس كونه كان يسعى الى الجمهورية في حين الامبراطورية البريطانية تريد ملكا يساند امبراطوريتها الممتدة على الاراضي التي لا تغيب عنها الشمس ص173، حقيقة هذه المعلومة غريبة عليّ كون النقيب كان جمهوريا لكن الروائي عاد وناقض نفسه فائلا

ص176 ان النقيب عاد وزارني معبرا لي عن رغبته ثانية ان يكون اميرا للعراق، اذن شاكر نوري لم يكن يضئ بمصباحه ما يدور حول الوجود الانساني، او يجانب الحقيقة بكلمة للتاريخ بقدر ما كان هناك دس لتشويه الكثير من الحقائق التي كتبت لصالح المستعمر وبنفس غربي باعد الصواب عن قول حقيقة شعب ظلم من جهات امبريالية عدة اضافة الى ابناء بلده الذين كتبوا من اجل التزلف لقوى استعمارية غاشمة اصبحوا فيها لاجئين بل قدموا خدمات جليلة لهم هذا اذا علمنا ان كاتبنا شاكر نوري كان يعمل ضمن فريق عمل اذاعة مونتي كارلو الفرنسية و مقيم في دبي اثناء كتابة الرواية.

تبدأ الرواية بفصل السيدة الانكليزية بحذائها ذي الكعب العالي وتنتهي بالليلة الاخيرة كما ترويها ماري

وما بين الفصل الاول والاخير تقع 363 صفحة يسرد لنا فيها شاكر نوري قصة حياة بطلته المس بيل التي ظل مخلصا لها مستندا إلى رسائل المس بيل وكتاباتها باسلوب روائي جميل وسرد ممتع باجواء رمانسية ساحرة ادخلت التاريخ من باب فني كتابي وباسلوب سينمائي معتمدا على الفلاش باك لحظة الاحتفال بمئوية دخول الانسة بحذائها ذي الكعب العالي وقبعتها العريضة ومشيتها المتبخترة الى مدينة بغداد ص 10

شاكر نوري في فصل سيناريو ادخل في السرد العراقي اسلوب تقني سينمائي وكأن الكاميرا بين يديه يقرب الصورة ويبعدها وفق هواه، يقطع المشاهد، و يمازج ما بين الصورة والكتابة كأننا نقف امام مخرج يخلق لنا اجواء تدخلنا في الصورة التي يريدنا ان نراها بمخيلتنا ولا نقرأها على ورق.

لقطة بانورامية خارجي بعد الظهر نهر دجلة، داخلي في المساء لقطة قريبة، خارجي مقبرة الخاتون، لقطة عامة و لقطة قريبة لتبادل الابتسامات، كلها عناوين لمشاهد قصيرة يصورها ويحرك الكاميرا بقلمة لينتقل بسرعة لمشهد آخر يغني سطور من الكتابة والتفصيل

اما ما كتبه الكاتب فيما بعد تحت عنوان الكتابة مثل الرقص التي حشر فيها اراءه الشخصية، وفصل وجه قناع من البرونز القصير انا اراه حشواً زائداً حاله حال فصل لا سلطان على الصحراء سوى الرمال كان من الممكن ادخاله ضمن الفصل الاخير الذي انتهت به الرواية في الليلة الاخيرة كما ترويها ماري

واخيراً وليس آخراً ص 316 يقول على لسان شخصية يونس” نحن نحترم الانكليز لانهم لم يتخلوا عن موتاهم على عكس الامريكان الذين حرصوا على تهريب موتاهم بالطائرات الى المانيا والكويت ورمي جثث مرتزقتهم في نهر ديالى ” هذا المقطع مكرر سبق وان كُتب في بداية الرواية ولا اعلم ان كان سهواً ام توكيداً، واذا كان توكيداً ليس بالضرورة يفيد القوة احيانا كثيرة يعتبر ضعفا بالسرد وكما هو واضح ان شاكر نوري يميل ويقارن مابين الاحتلالين البريطاني القديم والانكلوسكسوني الامريكي البريطاني الحديث رافضا التصديق ان ما قامت

به امريكا في العراق بموافقة ومشاركة فعلية من ابو ناجي الانكليز كما يسميهم تحببا والاحتلال احتلال ولاداعي للمقارنة

يبقى شيء آخر تحريك الكلمات كانت بمخارج لفظية غير عراقية شوهت بعض المعاني، اعتقد المنقح لم يكن عراقيا او لم ينسجم مع سرد فيه نكهة عراقية

شاكر نوري ماله وما عليه في هذه الرواية

من حق الكاتب ان يستفاد من اية معلومة تخدم الرواية ومن حقه توظيف النصوص الشعرية والمصادر التاريخية والموروث الشعبي اذا كانت منسجمة مع النص بشكل عام، لكن ليس من حقه ان يقوم متعمدا بتشويه تاريخ شعب او اعتماد روايات ضعيفة لمصادره التاريخية مقابل عشرات الروايات الموثوقة

ص 29 الى ص 30 يتطرق الى قصيدة للزهاوي ويربطها بتخصيص 150 روبية منحة شهرية للزهاوي يسلمها له الاب انستاس الكرملي صاحب مجلة العرب، اكراما للشعر والشعراء كونها لاتزعل من قصيدة غزل تندرا والحقيقة كما وردت على ترجمة رسائلها المرسلة للصحفي روفائيل بطي بجريدة البلاد تقول ان الشاعر جميل صدقي الزهاوي كان مواليا للعثمانيين لذا قامت المس بيل بتخصيص هذا المبلغ من اجل كسب تأييد الزهاوي او تحييد الشاعر تجاه الاحتلال البريطاني

ص 31 يتطرق الكاتب على لسان العراقيين لقصيدة محمد مهدي الجواهري

قل للمس الموفرة العرض التي لبست لحكم الناس خير الباس

لي قيلة تُلقى عليك بمسمع وبمحضر من زمرة السواس

إن كان سرك بالعراق بأن تري ناسا له مضروبةً بأناس

فلك التعزّي عن سياستك التي عادت عليك بصفقة الافلاس

خططٌ وقفت لها حياتك اصبحت شؤما عليك وانت في الارماس

هنا يروي الكاتب ان المس بيل ترد على القصيدة التي هجا بها الشاعر كونها تعمل على فرقة المجتمع العراقي وتضرب السنة بالشيعة، والعكس صحيح سياسة فرق تسد (ان الشعراء احرار ) ويجيبها المتحدث بالرواية ( ونحن نقول اي العراقيين الشعراء يتبعهم الغاوون)

ولسان حال شاكر نوري يسفه قصيدة الجواهري الذي تكلم بحرقة عما تفعله سياسة هذه المرأة اخلاصا لبطلة روايته

ص 276 يسرد لنا الراوي حادثة تعرضت لها المس بيل : هجوم من قبل رجال اشقياء تابعين للشقي الكردي ابن عبدكة بمنطقة ديالى بقطار خط شرقي بغداد القادم من كركوك في محطة شهربان المقدادية حيث كانت المس بيل في هذا القطار، فما كان من هذا الشجاع ابن عبدكة الا ان يدافع عنها ويوصلها الى بغداد سالمة، وعندما يقع هذا الشقي في قبضة الحكومة يُحكم عليه بالاعدام باعتباره خارجاً عن القانون، وبتهمة قتل عدد من جنود الحامية البريطانية. وعندما تسمع الخاتون قرار الاعدام تسارع للدفاع عنه امام المحكمة وتقرر المحكمة بعد سماع اقوال الخاتون نقض الحكم

الحقيقة التي حاول الاستاذ شاكر نوري طمسها بسرد حادثة قطار ديالى ان الضغط الشعبي الذي تعرضت له المحكمة كان يفوق التصور. كانت المظاهرات والشعارات والصحافة كلها تطالب بتبرئة ابن عبدكة واعتبر الموضوع وطنياً وقد تبرع من يدافع عنه المحامي معروف علي اصغر الذي ميز الحكم، وهناك رواية وردت من أكثر من مصدر ان المرجع الشيعي محمد الصدر الذي تعرف على ابن عبدكة ورافقه في جولته بديالى عندما ذهب لتحشيد الحشود لثورة العشرين التي قفز شاكر نوري على احداثها ولم يتطرق لثورة غيرت مجرى التاريخ العراقي وفاجأنا بتنصيب الملك بدون مقدمات، اضافة للمرجع محمد الخالصي قد توسطا لدى الملك من اجل عدم تصديق الحكم بالاعدام. هنا لا بد من القول ان فصل روبن هود العراق حسب قول الكاتب شاكر نوري فصل فقير بالمعرفة القانونية كون الكاتب جمع لقاء مس بيل بالشقي ابن عبدكة داخل المحكمة وقدمها كشاهدة لتعاونه معها في حين أن قرار المحكمة نهائي ولا يستطيع احد ان يخفف الحكم بقضية تهمة قتل عدد من الاشخاص. لكن التخفيف جاء بسبب رفع قرار الحكم بعد اكتسابه الدرجة القطعية للتصديق من قبل الملك، وللحقيقة والتاريخ اقول غالبا ما كان الملك يرفض التصديق على الاعدامات ويستبدلها بالمؤبد هكذا كانت العادة عند الملك، وبعد ان شاهدت المس بيل ان سير الاحداث يتجه لتخفيف الاعدام بواسطة المراجع الدينية الى مؤبد وخوفا من الضغط الشعبي على الملك ولكي لا يقال ان الكلمة لمراجع الشيعة بدل الانكليز ارسلت الى الملك باللحظات الاخيرة تطالبه تعديل الحكم

في فصل علي بابا والاربعون حرامي يكتب الروائي شاكر نوري عن لسان بطلته لتشرشل ان الملك فيصل الاول فارس شجاع اعتبره السلطان عبدالحميد مثل ابنه .. وللحقيقة وللتاريخ الذي ربما يجهله الكاتب ان الملك فيصل الاول كان عضو برلمان الدولة العثمانية عن منطقة الحجاز وهناك تعرّف على الشاعر العراقي معروف الرصافي كون الاخير عضو برلمان في الاستانة ايضا عن منطقة بغداد وحين سُئل معروف الرصافي عن شخصية فيصل بن الحسين بعد ترشيحه وقبل تنصيبه قام بتزكيته للصداقة التي تربطهم وهذه كانت احد اسباب رفض الفرنسيين لشخصية الملك فيصل الاول في سوريا، ربما اعتبر خائناً للدولة العثمانية والخونة لا يؤتمنون

اكثر من مكان يتطرق الكاتب الى ونستون تشرشل ص 33 هل هناك اعظم من هذا الرجل ؟ كونه لا يصغي الا لاراء مس بيل وقد فات كاتبنا ان تشرشل اول من استعمل السلاح الكيمياوي ضد الاكراد بمدينة السليمانية وضد عرب الاهوار بالعراق وحين سُئل من قبل احد الصحفين في لندن عن مدى صحة خبر استعماله السلاح الكيماوي اجاب بتهكم ومن يهتم لمكان ما في بقعة ما ليست على الخارطة، وكأن من قُتلوا ليسوا من البشر

كل هذه الملاحظات التاريخية كان من الممكن تجاوزها بمداخلة للزمن او راوٍ عليم آخر غير الراوي يُذكر السارد بالاحداث الحقيقية ويتدخل وينسحب كصوت دون ان يخدش السرد المراد كتابته للخاتون

شاكر نوري كتب رواية بعيون اجنبية وليست عراقية

 

نيران العبيدي - كندا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم