صحيفة المثقف

هكذا تنازل سيهانوك عن العرش.. فماذا عن حكامنا؟

علجية عيش(ست سنوات تمر على وفاته)

كانت كامبوديا مستعمرة فرنسية واستقلت عنها عام 1953، وكان نظامها في عهد نورودوم سيهانوك Norodom Sihanouk من أغرب الأنظمة في العالم، بحيث لم يكن له بديل في أية دولة من دول آسيا أو دول العالم الثالث،، إلا أن سيهانوك يعرف عنه أنه رجل كثير الوقوف على أمور دولته، فقد كان أكثر حرصا على معاينة الأعمال كردم المستنقعات أو إقامة طرق السكة الحديدية، وتفقد مزارع الأرز وهو يحيي الفلاحين، رافعا شعار: "الأرض لزراعها"، كانت سياسة سيهانوك الإقتصادية تقوم على الإستثمار في أموال الأغنياء لتنفيد المشاريع التي تخص المجتمع الكامبودي، خاصة الطبقات الفقيرة، وبما أن أثرياء كامبوديا معروف عنهم بحبهم للمباهاة وأن ترتبط أسماؤهم بأعمال خيرية هامة، فقد استغل الرئيس الكامبودي سيهانوك هذا الحب لصالح الشعب، فلجأ إلى طريقة يلزم بها الأغنياء للمساهمة بأموالهم لشق الطرقات وبناء المدارس والمستشفيات فتتدفق الأموال بوفرة، ومن باب العدل، كانت المدارس والمستفيات تحمل أسماء من شَيَّدُوهَا بأموالهم، كما كان سيهانوك من الرافضين لمسألة تأميم المشروعات الأجنبية، لأنه سيترتب عنها إفقار البلاد وضعف الإنتاج، فكان عليه النهوض بالإقتصاد من خلال إنشاء شركات وطنية تنافس المشاريع الأجنبية، وحل المشاكل بالوسائل المحلية، وعلى غرار افغانستان وأندونيسيا ودول أخرى كالجزائر، كانت كمبوديا دولة حيادية، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للأخر، من أجل المحافظة على اقتصادها، حيث كانت تتميز بثروة باطنية كبيرة (النفط، الغاز، الحديد، المنغنيز، والفوسفات) .

و كثيرا ما كان سيهانوك يدافع عن سياسته "الدكاتاتورية الإشتراكية المتحررة"، إلا أنه لم يكن كبقية الحكام ملتصقين بالكرسي، ويفرضون سلطانهم على شعوبهم، ففي عام 1955 تنازل نورودوم سيهانوك على الحكم (العرش)، ليدخل معترك السياسة، وهذا عملا بمبادئ الحزب الحكومي الذي ينتمي إليه، وكان يسمى نفسه بـ: المنظمة الإشتراكية الشعبية"، فكان موضع احترام الشعب، إلى حد أن الشعب الكامبودي أصبح يلقبه بالوالد " بابا"..، كونه كان دوما يتجنب لغة التهديد والعنف، خاصة وأن الشعب الكامبودي كان شعبا مسالما، ما يعاب على سيهانوك أنه فضل العيش بعقلية الملوك والأباطرة، وهو الرجل الذي طبع تاريخ آسيا وحظي باحترام كبير من قبل الجماهير، لم يكن سيهانوك يتوقع أنه سيقع فريسة المرض، وأن حالته الصحية ستعجزه عن مواصلة النضال والكفاح لنهضة بلاده، فقد كان يعاني من عدة أمراض مزمنة كالقلب والسرطان والسكري وارتفاع ضغط الدم، مما أقعده الفراش، واضطر إلى العلاج في الصين إلى أن توفي، وتمر اليوم ست سنوات من وفاته (2012).

 لقد وصف الخبراء في السياسة أمثال سيهانوك بالشخصيات الكاريزماتية، وهي الشخصيات الإستثنائية التي تحول أصحابها إلى أساطير أمثال (نابليون، هتلر، لينين، غاندي، كاسترو، ستالين، تشرشل، مانديلا، شيغيفارا، جمال عبد الناصر، صدام حسين، عمر المختار، الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية، الملك فيصل الذي يعد أكبر كاريزما عربية)، هؤلاء كانوا يحملون جينات حبّ الوطن، فمن الشجاعة طبعا، بل من الوطنية أن نجد حاكما أو زعيما، يتنازل عن الحكم والسلطة مثل سيهانوك من أجل التغيير ومن باب تحقيق مبدأ الديمقراطية التشاركية، مهما كان نظام دولته رغم أن كامبوديا لم تكن تتبنى النظام الديمقراطي، عكس قادة أو حكام آخرون الذين داسوا على حرية شعوبهم وظلوا في الحكم بالقوة وبتزوير الإنتخابات، وقهروا الشعب بالزيادة في الأسعار، وإخضاعه للضرائب، وانتشار البطالة وتفاقم الأمراض والجرائم، فمنهم من قبع في الحكم لمدة 20 سنة أو أكثر ولم يغيروا شيئا في البلاد، بل فشلت سياستهم في التسيير، وكانت النتيجة تفاقم الأمراض السياسية والإجتماعية، وبرزت في الساحة مظاهر العنف والتطرف، وقضايا التهريب والمتاجرة بالمخدرات التي ألحقت الضرر بالشباب وبالإقتصاد الوطني، كما أن هذه الدول اعتمدت على اليد العاملة الأجنبية والخبراء الأجانب في إنجاز مشاريعها، في وقت نجد دول أجنبية تستغل قدرات وكفاءات كوادرها الوطنية فيما سمي بهجرة الأدمغة.

و من المعروف أن البلاد التي تعتمد في تطورها على الخبراء وروؤس الأموال الأجنبية تضجي بمستقبل شبابها، وموثل هذا الوضع يؤدي إلى نوع من الإستكانة، والإحباط لدى الشباب الذي اضصبح يفضل الإنتحار بشتى الطرق والأساليب، وفي حالة الجزائر (كعينة)، يريد محيط الرئيس إبقاء رئيس الجمهورية في الحكم ولعهدة خامسة، وهو ما يتعارض مع الدستور الجزائري، حيث أنه كلما قربت نهاية العهدة إلا وصدر قرار بتعديل الدستور، خاصة وأن الرئيس التزم الصمت ولم ينبس بكلمة إزاء ترشحه لعهدة رئاسية جديدة من مغادرته الحكم وخلوده للراحة، بحكم حالته الصحية التي تزداد سوءًا يوما بعد يوم، الوضع في الجزائر يتسم بالضبابية والغموض، خاصة مع دعوة المخزن بفتح الحدود مع الجزائر، وهذا يشكل خطرا على الجزائر بحكم أن المغرب يعتبر معبرا لدخول المخدرات، ومعروف عن المغرب ميله لإسرائيل، وكانت المغرب منذ النملك محمد الخامس تؤكد ميلها إلى الغرب أكثر من ميلها إلى الشرق، وليست على استعداد للسير في ركب القومية العربية والحياد، وهو ما لا يتلاءم مع موقف الجزائر التي رفع رئيسها السابق الراحل هواري بومدين شعار: "نحن مع فلسطين ظالمة أـم مظلومة"، وأكد دعم بلاده للقضية الفلسطينية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم