صحيفة المثقف

بـاريـس فـوق صـفـيـح سـاخـن

حسن زايدمعظمنا يسمع بما يجري في فرنسا هذه الأيام من مظاهرات تحولت إلي مصادمات وأعمال شغب . ورغم أن تلك المرة ليست هي الأولي من نوعها، إلا من حيث المصادمات وأعمال والعنف  والإشتباكات الجارية بين جمهور المتظاهرين والشرطة، والتهديد باقتحام قصر الإليزيه، إلا أنه يصعب تصنيفها ضمن الثورات الملونة التي أصابت دول شرق أوروبا عقب انفصالها عن الإتحاد السوفيتي، وكذا يصعب تصنيفها كثورة ضمن ثورات الربيع العربي، بل إنه يصعب وضعها في خانة إرهاصات الثورة . وأعتقد أن النظام الفرنسي أكثر حكمة وحنكة من أن يصل بالجماهير إلي مستوي الثورة، خاصة أن الرئيس الفرنسي يمتلك من الأدوات الديموقراطية ما يؤهله للعب هذا الدور .

وبقراءة المشهد الفرنسي قراءة صحيحة نلمح عدة صور أو صورة واحدة من عدة زوايا، حيث نلمح في خلفية المشهد أن السترات الصفراء هي الرمز الدال علي الحركة الإحتجاجية، وهي سترات يستخدمها السائقون حال الحوادث الليلية للتنبيه بوجود حادث تفادياً للإصطدام نظراً لعدم إضاءة الطرقات في فرنسا، وهي زي موحد لكافة المتظاهرين بما يشي بوجود رأس مدبر لهذه الحركة تستهدف إعطاء مدلول جماعي منظم لها . واختيار اللون الأصفر للسترات / الرمز المعروف في فرنسا بما يثير مكامن النفس نحو إعطاء الإنطباع الثوري لها علي غرار الثورات الملونة في شرق أوروبا . والإلتجاء إلي العنف المنظم علي غرار ما حدث في ثورات الربيع العربي وتطوره إلي التخريب والسطو وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة .

ويمكن قراءة المشهد من زاوية القوي المنظمة لهذه المظاهرات، ويمكن القول أن النقابات العمالية، واتحادات العمال، وقوي اليسار واليسار المتطرف هي التي تقف وراء هذه المظاهرات والتي تمثل ظاهرة عادية في المجتمع الفرنسي . ومعني ذلك أن هذا الإنفجار المجتمعي الطفيف الحاصل هناك هو انفجار ذاتي لا تقف وراءه قوي أجنبية محرضة ومنظمة وممولة . وأن وقوده هو الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة الفرنسية في بلد الرفاه الإقتصادي والترف الإجتماعي، وزيادة معدلات الإنتحار من التخمة .

ويمكن القول بوجود أجهزة مخابرات دولية تعبث من خلف الستار تقف وراء هذه الأحداث وتدفع بفرنسا إلي هذا الأتون تأديباً لرئيسها الذي تجرأ مصرحاً بضرورة بناء الإتحاد الأوروبي لقوي عسكرية مستقلة خاصة به تكون قادرة علي مواجهة الهيمنة الأمريكية الني يعتمد عليها الإتحاد في تأمينه . فمنذ الحرب العالمية الثانية وأوروبا تعول علي أمريكا في حمايتها والدفاع عنها من خلال حلف شمال الأطلسي . الأمر الذي دفع بنظرية الفوضي الخلاقة إلي الأرض الأوروبية لإعادة حرثها وتقليبها وإعادة زراعتها علي نحو جديد ومختلف ومثمر، وأداة تطبيق هذه النظرية هي أجهزة المخابرات .

ويذهب البعض إلي القول بأن وراء تلك الإحتجاجات قوي اجتماعية متطرفة إلي جانب اليسار المتطرف من غير الفرنسيين أو من الفرنسيين المتجنسين من قوي الإرهاب والتطرف، وقد استدارت بوجهها القبيح شطر أوروبا بعد أن فقدت فعاليتها في الشرق الأوسط، وركبت الموجات الإحتجاجية لتحيلها إلي تسونامي يجتاح أوروبا العجوز . خاصة وأنها تحمل ذات البصمات التي وجدت في ثورات الربيع العربي .

تلك هي الصور، أو الصورة من زوايا مختلفة، لها أضواء وظلال وخلفيات مظلمة لم تتكشف بعد، والأحداث ما زالت تتري، وكل الإحتمالات أبوابها مفتوحة، والخشية من سقوط أوروبا في تلك البراثن، لأن ما يقع فيها من أحداث نسمع أصداءه قبل أن نحس آثاره الإقتصادية والإجتماعية علينا، ليس وحدنا ولكن في العالم أجمع، من هنا تركز اهتمامنا بمتابعة الأحداث هناك . ونحن نشهد باريس عاصمة النور وهي تتقلي فوق صفيح ساخن ملتهب، في فرنسا بلد الجن والملائكة .

ففي فرنسا بلد الحرية والمساواة وحقوق الإنسان يحدث ما نشاهده بثاً حياً علي شاشات التلفاز، فماذا نشاهد في المجتمعات الأشد تخلفاً وفقراً، وهي تعيش في كنف أنظمة أشد استبداداً وأقسي، وأغلظ أكباداً وأنكي فتكاً ؟ ! . لا شك أن الكفر بالديمقراطية علي ما فيها من عيوب ونقائص سيمثل ردة أو انتكاسة عظيمة لا قبل للبشرية بها، خاصة أنه لم يتوفر البديل حتي الآن .

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم