صحيفة المثقف

هدر الوقت.. أبرز ميزات مجتمعنا

حميد طولستليس التسلط الإستبداد وغياب الحريات والديمقراطية وانتشار فساد التخطيط والإدارة، هو السبب الحقيقى لتخلف البلاد وتردى أحوال العباد، كما يظن الكثيرون، وإن كان ذلك من أهم تمظهرات التخلف والتردى وتفشي كل العوار والخلل، والذي يعود بالأساس إلى تغلغل الثقافة السطحية فى النسيج الفكرى للمواطن، وتحولها إلى ثقافة عامة ونمط ونهج تفكير وطريق معالجة ذهنية وسلوك يرفض أى تقدم وتطور ويؤصله فى منهجية حياته، كما هو حال الموروث الثقافي للأمثال الشعبية، بكل حمولاته -ذات الحدين - التي تطفو إلى سطح جل أحاديث عامة الناس، تمثل أبرز القواعد الذهبية التي يؤمنون يها ويعملون على هديها، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر: "اللي زربو ماتو"و"ولا زربة على صلاح" و" كل توخيرة فيها خيرة" و" ميات تخميمة وتخميمة ولا ضربة بمقص" و" في العجلة الندامة وفي التأني السلامة " وغيرها كثير من الأمثال الشعبية الفضفاضة التي تحتمل كل التصورات التي تبنى عليها العديد من السلوكيات المجتمعية الشادة التي يربطونها قصرا بالدين ويمنحونها شرعية وقدسية نصوصه، رغم ما تستبطنه تلك الأمثال من جنوح إلى اللاوقت وتبرير للعبث به، وما تتضمنه من الدعوة للامسؤولية، والتشجيع على التقصير في القيام بالواجب، وإهمال حل المشاكل في وقتها، وتركها إلى أن تكبر وتتحول الأخطاء إلى أعطابا، تتعقد معها الأوضاع وتتأزم أكثر، وتعيق مشاريع تحسين أحوال الناس في كل مناحي الحياة، فتصاب النفوس بالوهن، ويفتر الآمال، ويعم الاحباط، ويكتفي الناس بالخوض وترديد الأمثال الشعبية لتبرير عدم التقيد بالمواعيد، وتضييع الوقت وغيرها من الانزلاقات الوقتية التي تعودوا عليها في حياتهم الخاصة والعامة، وكأن الوقت لا قيمة له، أو أنه مسموح بهدره، ما يجعل من العبث به وسوء استخدامه ينتشر على نطاق واسع، وفي كل الأوساط والمنتديات والمجالس والعلاقات والمعاملات، إلى أن يصبح، مع الأسف، تبديد المورد الوحيد الذي لا يمكن ابداً استرداده،

سلوكا جماعيا قلما ينزّه عنه، أو يسلم منه، أيّ إنسان من مجتمعنا، إلا من رحم الله، من الذين يعلمون علم اليقين أنه لا أمل لنا بالتطور والتغير نحو الأفضل، ما لم نحدث تغييرا فكريا في تعاملنا مع الوقت، بالحفاظ عليه، وتقديره وضبطه، واحترام المواعيد، وتربية الأجيال على حسن استغلال الوقت الذي له يد في كل سبب من أسباب التطور والتقدم ، وذلك لأننا لسنا متخلفين لأننا مغاربيين وعرب ومسلمين، بل لأننا جامدون فكريا، لم نغير من تعاملنا بالمرونة مع الموروث الثقافي غير الصحيح في تبرير أللاوقت، والتسامح مع هدر الوقت، والتجاوز على عدم التقيد بالمواعيد، سبب ما نحن فيه الآن من تخلف..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم