صحيفة المثقف

الحفيد

صبيحة شبرلم أفعل له شيئا، أثار حيرتي بغضبه المفاجئ، وثورته الناقمة، ورد فعله العنيف على كلمة جاءت عفوا، تضخمت مخاوفي، وأنا أراه يرعد ويزبد، ويعلو صوته، مهددا إياي بالويل والثبور وعظائم الأمور، خشيت على نفسي، ماذا يمكنني أن افعل ان تسببت ثورته المتضخمة، في تفجر شريانه، كما كان ينذرني باستمرار؟، أو أدى عنفه الكبير إلى توقف قلب، ظل طوال العمر ينبض بعيدا عني، تساءلت ماذا يمكن أن افعل، وأين أذهب به في هذه الليلة الليلاء، وقد بعد الناس عنا، وهجرنا المعارف، ونأى عن صحبتنا الأصدقاء، و حذر مجلسنا المجربون، كان ميالا إلى الصراخ، ما إن يحتدم النقاش حول مسألة يثيرها، ويجد بعض الاختلاف، في وجهات نظر من يبادله أطراف الحديث، حتى يسارع إلى رفع الصوت، واتهام محدثه بالجهل، وعدم الاطلاع على خفايا الأمور، فكان إن أصاب الجليد منزلنا، وشعرت ببرد عضال لم تستطع المدافيء الحديثة ان تستل أوجاعه من عظامي..وان تنتشل نفسي الظمأى، المتطلعة إلى بعض القطرات من ينبوع غاب بعيدا منذ زمن...

وحين يجدني ارتعد خشية على نفسي، ورغبة في الوصول الى ما يبعث بعض الهدوء إلى ليلتنا الغاضبة ، يضج بالصراخ والعويل نادبا حظه، ولاعنا تلك الساعة الآثمة، يشتد خوفي ولا أجد جوابا شافيا، ينقذني من شعور ممض بالفقدان شديد الوطأة عسيرا، لست ادري ما الذي جعلني أطيل النظر إليه، تذكرت تلك اللحظة، نظرية داروين التي طالما أنكرتها، رغم محاولات عديدة لجعلي اقتنع بأصل البشرية الذي بقي مغلقا أمام العقول متصفا بكثير من الغموض ، وبعيدا عن الانجلاء...

يبدأ بالصراخ من جديد يلمح هدوئي، يبدو عليه التساؤل: كيف استطعت أن أنقذ نفسي، بن براثن شعور لم يكن موجودا، ولماذا تضخم الخوف عليه بدلا من الرأفة بقلبي الملحاح، والذي لا يكف عن السؤال، وهل خلقت إحساسا وأوهمت نفسي بوجوده... وهل نحن من الضعف لنخلق كذبة، ونكون أسرع الناس في تصديقها، هل نجد راحتنا في إيهام أنفسنا بأمر، يتعذر علينا الوصول إليه ، وهل الحقيقة لا يحبها الكثيرون، رغم ادعائهم بالنقيض، يسارع إلى الإمساك بكأسه، الذي خلا لتوه، من شراب ابيض اللون حليبي، يفكر أن يعصر الكأس ضاغطا عليه بين كفيه، أضبط أعصابي المحروقة، وينبعث السؤال من جديد داخل عقلي المشغول:

- ماذا يمكنني أن أفعل؟ وقد هجر مجلسنا الجميع

وأنا غارقة في بحر مخاوفي المتعاظمة، أراه يقذف بالكأس الفارغ، بقوة ويرميه إلى بالجدار المقابل، ينظر إلي بتشف، وأجهل حتى الآن، كيف استطعت أن أخنق صرخة، كادت تفلت رغما عني، يعود إلى صراخه العالي لحظة،

يترك الصراخ:

- هل أنت صماء؟

- لا ...........، لماذا تصرخ؟

تتبدد مخاوفي، وانهي رغبة كبيرة، تتقد داخل نفسه أن يجعلني دائمة الخشية، مرعوبة، أتلظى بما يشعله في طريقي من حرائق، وبما يجد لذة فائقة في تكبيلي، ووضع الأشواك الجارحة لتدميني، تتراءى لي حياتي معه، زاخرة بالمتاعب، خالية من اللذات، لماذا كنت اشتعل لإرضاء شخص،لا يمكن لشيء أن يجعله يرضى، حتى لو أشعلت أصابعي قناديل تنير دربه، وتبدد وحشة طريق شائك، ولكن لمَ نظن الناس مثلنا؟ وان ما يبهج نفوسنا يسعدهم، أليس من الممكن جدا، أن البعض منهم يحزنون، لكل ما نتوق للوصول إليه، ونزرع الأرض خضرة وعسلا، وهم يودون غرسها حصرما، يدمي القلب ويتعب الشفاه، ألا يوجد بشر يفسرون الرحمة ضعفا والمحبة تزلفا؟ ولماذا أظل محتفظة بعشرة، لا وجود لأساسياتها، هل اصنع عالما متوازنا بما تحمله نفسي من جراح، أم أنسى آمالي الخائبة، لأبدأ في الحلم من جديد، أغطس في بحر متلاطم، أفيق منه، على صوت ارتطام باب المنزل بقوة

***

صبيحة شبر

22 تشرين الثاني 2009

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم