صحيفة المثقف

ماذا بعد الإنسحاب الأمريكي من سوريا؟

حسن زايدليست المرة الأولي التي يعلن فيها الرئيس الأمريكي الإنسحاب من سوريا، فقد أعلن هذ إبان حملته الإنتخابية، وقد قيل يومها أنها مجرد تصريحات انتخابية سرعان ما تتبخر مع انتهاء فاعليات الحملة الإنتخابية، وهذا شأن الوعود الإنتخابية، وعلي رأسها الإنتخابات لأمريكية .

وأعلن الرئيس الأمريكي ذلك بعد فوزه في الإنتخابات الرئاسية أكثر من مرة، ثم تراجع عن إعلانه في كل مرة . وقد قيل في ذلك أنه يطلق بالونات اختبار مرة، وللضغط علي الحلفاء مرة أخري، كي يتحملوا معه نفقات وجوده في سوريا .

فهل كان الرئيس الأمريكي جاداً في إعلانه الإنسحاب من سوريا أم كان مراوغاً؟ .

ظاهر الأمر أنه كان مراوغاً . ولكن الحقيقة تنبيئ بما كان يجري تحت السطح من مراوغة، أو يجري خلف الستار في الكواليس المغلقة . فقد كان الرئيس الأمريكي جاداً كل الجدية في إعلانه، فلا كان مراوغاُ، ولا كان مطلقاً لبالونات إختبار، إلا أنه في كل مرة كان يطلق إعلانه فيها، كان يتعرض لضغوط شديدة من مؤسسات الدولة العميقة مثل : وزارة الدفاع "البنتاجون"، والمخابرات الأمريكية، والأمن القومي الأمريكي، والكونجرس، فيضطر معها أن يتراجع عن إعلانه .

والتراجع الذي كان يعلنه الرئيس لم يكن نهائياً، وإنما كان تراجعاً تكتيكياً، يستهدف إختيار اللحظة المناسبة .

وقد أعلن الرئيس الأمريكي مؤخراً انسحابه من سوريا، ورغم ردود الفعل الرافضه للقرار، وكذا استقالة وزير الدفاع احتجاجاً علي القرار، إلا أن الرئيس قبل الإستقالة، وأصر علي موقفه من قضية الإنسحاب .

والذي دفع الرئيس ترامب إلي عدم التراجع  في رأي من قال بذلك  هو استراتيجيته التي تبناها منذ بدء دعايته الإنتخابية إلي دخوله البيت الأبيض رئيساً . وتقوم تلك الإستراتيجية علي كلمتين هما: "أمريكا أولاً" . وهي استراتيجية تقوم علي العقلية التجارية التي يتسم بها رجل الأعمال "ترامب"، والتي يتم احتساب سياستها علي قاعدة الربح والخسارة، وأن أمريكا لن تدافع عن قضية ما أو بلد ما إلا بعد سداد نفقات ذلك، مثل ما حدث مع السعودية والإتحاد الأوروبي من قبل . وهذا يتوافق مع التوجه الإستراتيجي الأمريكي الخاص ببدء خفض الإهتمام بالشرق الأوسط، والتركيز علي المصالح المستقبلية في شرق آسيا سواء لأسباب تجارية أو لأسباب عسكرية .

وأيما كان الأمر، فإن داعش ما زال باقية، بخلاف ما يزعم "ترامب"، والإحتلالات لازالت باقيات، إلا احتلالاَ واحداً . فعن الإحتلال فقد زعمته أمريكا للقضاء علي داعش، ولا زال داعش باقية، ولا زالت سوريا محتلة من إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا، وذهب الإحتلال الأمريكي . أمريكا التي باركت الإحتلال الإسرائيلي، وأطلقت فيها يد تركيا إطلاقاً، خائنة فيها الحليف الكردي في محاربة داعش خيانة .

أمريكا التي تعطي مؤشرات في اتجاه وتسير في إتجاه آخر تماماً، شأنها في ذلك شأن الرئيس السادات الذي كان يعطي السائق اتجاه ويتوجه في اتجاه آخر.

 

حسن زايد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم