صحيفة المثقف

المناطقية.. اتفاقية سايكس بيكو مصغرة

حسين حسن العنزيتنتشر في الأونة الأخير  بين المجتمع العراقي عنصرية مقيتة وهي المناطقية التي تهدف إلى تفضيل مدينة على أخرى وترى ذلك واضحاً عند زيارة مسؤول من جهة معينة الى مدينة معينة فترى كلامه كمن دس السم بالعسل سواء كان يشعر بذلك أو لا يشعر، إذ يقوم بتفضيل هذه المدينة على المدن الأخرى لا بل حتى على الأرياف التابعة لمدينته. وهذا ما جعل البصرين يطالبون بأقلمة البصرة أو اتحادها مع محافظتين نفطيتين، أو مطالبة اهالي الموصل بوزارة الدفاع بأنها من حصتهم. وقد نجد مثقفاً لديه داء المناطقية وعنصريتها وينادي بها في مجالسه بحجة أنها أمر واقع، ويجعل من مدينته وكأنها ذات خصوصية يعزلها بذلك ليس عن العراق فحسب بل عن العالم العربي كله. فهذا ما يؤدي الى ضرباً بمصلحة الوطن والوحدة الوطنية التي تؤكد على نبذ التفرقة بين أبناء المجتمع العراقي.

والملفت للنظر نرى النخب المثقفة تشجع على ذلك من خلال أن "المدينة لا تكون إلا لأهلها" وأن الوافدين إليها من سكان الأرياف والمدن الأخرى هم قوى عاملة رخيصة، يثيرون الشغب، محاولين بذلك التقليل من شأنهم، والمحافظة على ثقافة مدينتهم. أن هذا التميز الجوهري الرجعي يجعل من أمر الوحدة الوطنية معضلة حقيقية، دون تحقيق اي انجاز متقدم في بنية مجتمع المدينة المميزة عن غيرها. وهو ما أدى الى تنازعات السلطة على اساس مناطقي واضح، ومن نتائج هذه التنازعات اقصاء للمواطنين على اساس الهوية!!! مما ساعد على أظهار التناقضات الحقيقية في بنية المجتمع الحكم بعد عام 2003م وتناقض مصالحها، وبتالي ستكون هناك معركة تصفية حسابات مؤجلة في ظاهرها سياسياً ولكنها ثأراً مناطقياً (كما هو الحال في المناطق التي احتلتها عصابات داعش).

أن هذا الصوت الذي نشط وتعاظم بمرور الوقت بدأ في انتاج أنغلاقيته وانعزاله وصار يعتبر كل شخص من غير مدينته يجب أن يخرج منها مستغلاً بذلك الخطاب الوعي الشعبي البسيط والمنتشر في (المقهى والمطعم والورشة والبسطه ...الخ) وهو ما سؤدي الى تطرف مناطقي اشبه بالتطرف المذهبي الذي دمر النسيج الوطني دينياً. وأن هذا التطرف المناطقي سيكون سبباً في مصائب واعمال ممنهجة لضرب الجميع بالجميع.

فلا بد للنخب المثقفة الحقيقية من التركيز على الوحدة والتماسك الوطني الذي نحتاجه الآن اكثر من اي وقت. فلا تتبنوا اتفاقية سايكس بيكو مصغرة. فقد يقول اصحاب العقول الساذجة أن المثقفون والمربون يعيشون في هذا الأطار الضيق إذاً هم مجمعون على مشروعية وجودها. ولا تكونوا كمن قال لصحابي الرسول محمد (ص) بلال الحبشي " يابلال: لا تغضب منا. فأن لكل واحد منا ارض وانتماء جغرافي ، وانت حبشي" فالاسلام قد اذاب تلك الأنتماءات.  

 

الدكتور حسين حسن العنزي 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم