صحيفة المثقف

كلمة مقتضبة في اليوم العالمي للمرأة

محسن العافيأوَ لم تعلموا أنها قريبة منا نحن الذكور؟ إذ لا نكاد نخطو خطوة إلى الأمام دون أن نطلب رأيها فيما يعنينا أو يؤرقنا، لأننا نريد ذلك عن طواعية، بل في ذلك راحة لا توصف ونحن نشاركها أفراحنا وأحزاننا ومشاغلنا ومشاكلنا،  لكن لماذا هي قبل كل شيء في هذا الوقت بالذات؟

أنثى هي طبعا لنسكن إليها زوجا تستقسم به الحياة إذ لا طعم أو معنى  للحياة بدونها .

كثيرة هي النصوص التي تهبها عظمتها واختلافها وتميزها عن شقيقها الرجل، لكن قليل منا من يهبها ما لها من هذه الحياة، ناكرين ما بإمكانها فعله في عالمها وعالمنا  إن نحن قمنا بالإهتمام بها كنبتة تحتاج لظروف خاصة  ورعاية خاصة لتنمو وتنضج كما نرجو أن يراها أغلبنا بشتى مواصفات ؛ بتنا نقرأ عنها ولا نجد لنا منها في مجتمعاتنا إلا صدى للممكن من المستحيل .

حمل ثقيل مستقبلها الغامض وحاضرها المشتت في ظل تربية تتأرجح بين المأمول وواقع الحال الذي بات لا يتغير، حيث بات بعضنا يرى أن في تكنولوجيا المعلومات حلا أمثل لشتى أمور حياتية، وبات يطبل ويزمر لأحاديثه وأقواله وزعمه، وغدا البعض الآخر إلى الحديث عن تنمية القدرات الإبداعية لدى المتعلمين، بدل الحديث عن تأهيل من يعلمهم بداية من الأسرة والمدرسة والمجتمع، وتلك هي الطامة الكبرى وزيغ عن حقيقة الأمور، لنجد انفسنا  بلا هدى في مسارات متاهة لا تنتهي .

لعلنا ونحن نفكر في إحياء هذا اليوم – اليوم العالمي للمرأة- بما يتوفر لدينا من رصيد لغوي وحروف تلتقي في كلمات عدة، قد تكفي لصياغة حديث مكتمل، وقد لا تفيد في عالم يعرض في سياقاته اليومية ما يجعلنا نحتار في بناء فكرة جريئة نحو رؤية واضحة المعالم ؛ لا انحياز فيها لأفكار ظلت تعصف بفكر الكثيرين مدى سنين خلت.

من المعروف أن ما بدا عليه حال المرأة في السنوات الأخيرة، يكاد يجزم الكثيرون فيه بأنه صراع غريب خلقته الثورة المعلوماتية، ذاك الصراع بين القيم المجتمعية علـــــى الواقــــــــع، و ذاك الجانب المتخفي منا ومنها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتلك الصورة المغايرة التي يحيا عليها كل من الرجل والمرأة على حد سواء.

بالطبع هي صورة تخفي شخصا لتأتي لنا بآخر ؛ على شاكلة أخرى لم نكن نرسم ملامحها جيدا، ولم نلق لها بالا وهي على أرض الواقع ؛ ذاك الواقع الذي تقيدنا فيه مجموعة من القيم و العادات والتقاليد التي يكاد العالم الخائلي يغيبها أو يتخلص منها نهائيا، ليعود إلينا المبحر وكأننا نحيا في كوكب آخر لا يستطيع أن يقبل بماهيته كإنسان غير راض عن عالمه ؛ الذي ترغمه وتلجمه فيه العديد من الإكراهات والقيم والعادات عن كثير من الأمور والأشياء ؛ التي غدت ممنوعة ومرفوضة منذ زمن بعيد.

ربما هي صور لنفس الشخص خارج مَعْلَمٍ أرضي، بات يتواجد بين دروب المتاهــــة الرقميـــــة ؛ يحيا فيها على الكيفية التي يريدها .

أيتها المرأة بذات المواصفات التي ذكرك بها التاريخ أين أنت؟

أيتها المرأة التي بتنا نقارن صور ماضيها بحاضرها أين أنت؟

وأين نحن إلى جانبك وأنت السكن والنصف الآخر؟

كل هاته التساؤلات وتلك، لم أكن أريد إجابة لها وأنا أحاول الإسهام بكلمات في يوم هائم في خرائط المتاهة ؛ كل فيه يحاول أن يلفت نظرها إلى تميزها وتقدمها، وأرى ان هذا التتويج والتطبيل، ليس نقطة نهاية يجب أن نقف عندها، بل هو إعلان عن بداية بدايات متعثـــــرة، بل منزوعة التفاصيل تغيب عنا دَوَالُهَا المعقدة  في عالم يكره البداية ويعرض عن الجدية في رسم مستقبله.

ربما لن تجيبني امرأة تحاصرها طلبات الصداقة أينما حلت وارتحلت، أينما وضعت قدميها على العالم الإفتراضي، لتقتنص لها فيه فرصة الظهور هناك على الشاكلة  التي رسمت بها صورتها ؛ قبل أن تطأ قدمها الأرض بعد عودة من عالم أماط اللثام عن كثير من الأمور المتعلقة بنا وبها.

لازلت أذكر يوم حكى لي صديق لما أسمى نفسه باسم امرأة في أول خطوة له على  الفضاء الأزرق "الفيسبوك" .

حيث ذكر قائلا:

لا أخفيك صديقي، كان كلاما ملونا جميلا مختارا بعناية ؛ ناهيك عن الورود التي كنت أجدها في صندوق الرسائل صباحا ومساء، فمنهم من كان يترك أغنية، ومنهم من صار مغنيا من أجل اسمي، ومنهم من صار بطلا ومنهم من ....ومنهم من قال ما لا يمكن أن يقوله إن كان اسمي كما هو على حاله الآن :"محسن".

لزم الصمت حتى غير اسمه، ليتفاجأ بأن كل شيء قد تغير وتبدد من حوله، فلم يعد يتلقى أية رسالة ولا أغنية  ولا صور ولا ورود .

من أحاديثه وأحاديث ومظاهر أخرى  تأكدت بالملموس بأننا لسنا كما يجب، واننا المنحى المغاير لمناحي الحياة الحقيقية .

ما هذه الكارثة الأخلاقية ؟ وما هذه السلوكات المنحطة ؟ أهي سلوكات الرجل العربي في زمن الأقنعة ؟ أم إنها فرصة أخرى للضياع من جديد ؛ لا انفكاك من تأثيرها السلبي على مجتمعاتنا وأسرنا ؛ التي تحيا في عالم له ما له من مميزات ومقومات وخصوصيات، أم إننا يجب أن نتغير لنحيا بسلام في عالم لا يفرق بين الواقع والخائلي.؟

كم مرة قرأت عن المرأة، لكن قبل أن تجد ضالتها في العالم الإفتراضي، بل قبل أن تضيع منا ومنها ماهيتها، وقد أجزم وأنا أقرا للكثيرين قبلي عنها، انني يجب أن أحمل قلما أحمر لأصحح أفكارا و إطلاقات وشحت صدر تاريخ مجتمعات كثيرة فيما مضى.

وسؤالي هو :

هل أعد التاريخ نقسه لهذه المفاجأة الغريبة ؛ التي باتت تمنح المرأة إمكانية التعدد في عالم غير عالمها، وإمكانية التواجد في عوالم كثيرة قد لا يدري أحد إحداثياتها ولا زمكانيتها؟

هو تعدد مقهور لا يفصح عن نفسه، إلا إذا باغته القانون الذي لا يسري مفعوله بذات الطريقــة ؛ التي يسري بها في كل جوانب الحياة على أرض الواقع.

فقد يفر غالبنا من عالمه الواقعي إلى الافتراضي، بغرض التخلص من واقع لا يمنحنا الحياة كما نريدها.

أمور عديدة محيرة بتنا نحيا مكرهين على قبولها ؛ قبل أن نعرف ما تكشفه الأيام من سلوكيات وأفعال ، وصلت إلى واقعنا من عالم آخر ؛ لا يعرف المستحيلات عالم بلا حدود ولا مكابح.

وكما يفر الرجل إلى مبتغاه، تفر المرأة غير مبالية بشتى أمور كانت تعنون حياة نساء قبلها.

وأنا أسهب في الحديث عن عالم غريب خلقته الحياة، لا أنكر إيجابياتـــــه  كما لا أنكر سلبياتــــــه، ولكن المشكلة تظل مشكلتنا ونحن نحاول أن نتعلم في زمان متأخر كيف نحيا بين هذه الكائنات الغريبة : الهواتف الذكية، الأنترنيت، مواقع التواصل الإجتماعي ...، ولربما كان لزاما علينا أن نتعلم أبجدياتها في المدرسة، كي نكتسب مناعة ضد كل خطر قد يهدد الأطفال والنساء والرجال على حد سواء، ولربما كان علينا أن نعمل على تبني أخلاق أخرى ونحن نبحر في عالم جديد، ما يسري علينا فيه لا يسري علينا في واقعنا مهما كان بينهما من تشابه، ومهما بالغ الكثيرون في تشبيهه بالواقع المعاش .

حياة ثالثة وسطٌ بين حياتين اعتدنا الحديث عنهما،حياة مغايرة يجب أن نحذر من خباياها ومغيباتها، حياة ترجو منا أن نركز على أساسياتها، لأننا بتنا نحيا حياتين اجتماعيتين أخذت فيهما الحياة على الأنترنيت حصة الأسد، ولم يعد لنا من الواقع غير التفكير في الإفتراضي وما يمليه علينا كل حين.

وأنا اتحدث هاهنا لم أتحدث عن المرأة باعتبارها الضائع الوحيد في زمن العولمة، بل أتحدث عن ماهية الإنسان وعلاقته بالمرأة أما وأختا وزوجة، لأنها إن تاهت وضاعت منا ضاع منا الحاضر والمستقبل .

 

الكاتب :محسن العافي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم