أقلام ثقافية

عقيل العبود: أجداث وطن

وأنا أستمع دون إرادة إلى هذا النوع من النكبات، تنتصف أمام بصيرتي مشاهد السرقات، وسيناريوهاتها المتعاقبة، وآخرها مصفى بيجي.

تتزاحم الصور ببنودها المتوجعة، ترتسم الموضوعات بشكل مضطرب، حيث لكل حكاية خبر، ولكل خبر حديث، ولكل حديث علاقة بجملة حاضرة، وأخرى غائبة.

وبهذا الشكل وذاك، تأخذ القضايا دورها في التأثير، تلتقط خطها البياني، تتفاعل في النفس- تهبط تارة، ثم تعلو.

وعلى أساسه تتغير المعادلات، تتحول الأشياء إلى كوابيس، يُسرَق الزمن والحياة، يتوقف معنى الإنسان، يساق إلى المحرقة، يصبح حطاما أمام دوامة هذا الكم من الفوضى.

وبعدها يتظاهر الأبرياء، يتساقطون تباعا بأسلحة الحكام على المقصلة، يصرخ الفقر، تتحول مقاعد السياسة إلى لهب من النيران تلتهم كل ما يتاح لها من ثروات، تُستهلَك القوانين، تكتظ الأحكام، تجتمع، ثم تنفر بعيدا، تبحث عن ملجأ يقيها بعد أن تصبح عاجزة أمام دوامة هذا النوع من الخراب.

ينتابنا البكاء، نصرخ، نبحث عن حكيم يرشدنا.

لقد وقعنا جميعا في دائرة الخسران، وها هو عصر الخديعة والخذلان يطل علينا، يكشر أنيابه، يفرض نفسه، يطوقنا بمخالبه بعد أن فقدنا كل شئ؛

قتلنا إرث سومر، وبابل وعشتار، صرنا ننظر إلى دم الوركاء وأطلال أور وهي تعلن ثورتها، قتلنا الضمير، والحس والمشاعر، أجهضنا حقيقة الدين، بعد أن سادت لغة العنف، والجهل والتجهيل.

تحولت أرض الخصب والعطاء إلى محرقة تسوقها آليات العسكر، وثكناتها، هجر أهل العلم، والعلماء، والمخلصون، ولم يبق لهم من هذا الوطن إلا بقايا ذكريات مات بعض أشلائها، بعد أن مزقتها الحراب.

***

عقيل العبود

في المثقف اليوم