صحيفة المثقف

إرث الكرامة

عقيل العبودالذاكرة رغم تفاصيلها التي تكاد تجمع المرارة مع الحلاوة، والحرمان مع التخمة، والفقر مع الغنى، والحزن مع الفرح، لكنها في القلب كما في الوجدان تحيا، تطل علينا بآثارها بين الفينة والأخرى.

عطرها تلك السيناريوهات مثل جذور نخلة تضرب في الأرض عميقا، تبقى حية  كسمكة تعوم في حوض لم يجف ماؤه، لذلك الأصدقاء، والأهل، والأحبة، والجيران، أسماؤهم وتواريخهم تعيش معنا وفقا لمسميات وعناوين أصداؤها لم تفارق فضاءات ارواحنا التي ما زالت متمسكة بسموها.

هي دون إرادة منها تراها تبحث في كل زمان عن تلك البصمات التي بقيت خالدة لعلها بها تتماسك جدران هذا الأرث الذي سبقنا اليه ذلك التاريخ.

هم تركوا لنا جسور محبتهم، صاغوا لنا قلائد وفائهم أولئك، الذين أسماؤهم كأنها تتطلع إلينا، لنجد أنفسنا مأسورين أمامها، نبحث عن طريق للكتابة عنها ليس اعتباطا، بل ربما لأننا فقدنا شيئا ما، سيما ونحن نعيش زمن المحنة والتردي،  هذا الذي سلب منا جميع تلك المعايير، ليصبح للسارق تاجا، ولترتدي العاهرة ثوب السلاطين، بعد ان تم تجميلها في ستوديوهات إعلام سافل.

هنا تجنيا على الحقيقة وتعايشا مع شروط عصر أصم، الموضوعات التي ما زلنا نبحث عنها، كل يوم بتم استبدالها بلا خجل اوحياء بموضوعات أخرى، المقالات مثل تلك القيم التي فارقتنا، تم إجهاضها  أسوة بالقصائد التي سطرها العظام.

الأشياء معانيها وفقا لمعادلات خائبة، صار لها عناوين جديدة.

اللص الذي كان يهرب من الحارس الذي لا سلاح له في المحلة أيام زمان، الا تلك الصفارة التي صوتها كان اشبه بإنذار تعبيرا عن سلوك عاق، صار اليوم يمسك صولجان سطوته بحثا عن سرقات معلنة.

أما القاتل فقد صار دون اكتراث يفاوض الآخرين عن اجهاض ارواح جديدة.

لذلك مقارنة، ذات يوم عطره ما زال استنشقه أسوة بمن سبقني اليه، قصة جارنا الطيب ذلك الموظف الذي ترتبت عليه خسارة ستين دينارا بسبب حالة إهمال غير مقصودة، تم حبسه وسحب يده هكذا أشيعت في المحلة قصة سحب يده. 

آنذاك حيث بالفطرة، (سحب اليد) معناه بالنسبة لي قطعها، لكنني بعد حين أدركت معناها الصحيح، ذلك بعد ان أمضى الرجل سنين عزته في الحبس، ليصاب بالسكتة القلبية، ليس بسبب السجن، بل بسبب فقدانه ارث كرامته التي خلفت في مشاعره نوبات حزن عميق آلت الى موته بعد حين.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم