صحيفة المثقف

السودان ذلك اللغز الأخير! مَنْ! وكيْف!

بكر السباتينلست متفائلاً بشأن الأحداث في السودان في ظل الغموض الذي يسود أجواءها.. صحيح أن الشعب السوداني أسقط الدكتاتور الفاسد عمر البشير من جراء نزوله الشارع، وجاء بالمجلس العسكري السوداني بقيادة عبد الفتاح برهان القائد السابق للقوات البرية للجيش السوداني، والذي عُيّن عشيّة الثالث عشر من أبريل 2019 رئيسًا للمجلس العسكري الانتقالي؛ إلا أن الانقلاب كما يبدو تحول إلى إجراءات إدارية لإعادة هيكلة النظام السوداني السابق (تلبيس طواقي) ناهيك عن علاقات هذا المجلس الإقليمية المشبوهة والتي تطرح عاصفة من الأسئلة المبهمة.

إن المراقب للشأن العربي برمته سيصاب بالغثيان إذا وقف على بعض الحقائق المتعلقة بموقف أطراف صفقة القرن من الانقلاب السوداني وخاصة أنهم اعترفوا فوراً بالمجلس العسكري السوداني وقدموا استعداداتهم لتقديم العون له حتى يشتد إزره. ولنبدأ بوزارة خارجية مصر التي كانت تطالب الجيش السوداني في أتون تداعيات المشهد السوداني الأخير، بعدم استخدام العنف مع المتظاهرين علماً بأن الرئيس السيسي هو نفسه المشهور باقتراف جريمة رابعة العدوية التي أدت إلى سقوط الآلاف من الأبرياء المصريين.. فهل السيسي مصاب بانفصام الشخصية حتى يناقض نفسه! أم أنه وجد في عبد الفتاح برهان شبهاً كبيراً بحليفه الليبي، حفتر! ثم كيف يفهم هذا التناغم في الموقف من السودان مع حلفائه في صفقة القرن مثل الملك سلمان الذي جاء ليقول بأن الشعب السوداني في القلب.. واستجابة لأوامره أعلنت السعودية، أمس الأول، السبت، "تأييدها" للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي في السودان، مشيرةً إلى أنّها ستقّدم له "حزمة من المساعدات الإنسانية، تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية".

وأفاد بيان رسمي أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أنّ الرّياض "تؤكّد تأييدها لما ارتآه الشعب السوداني الشقيق حيال مستقبله، وما اتّخذه المجلس العسكري الانتقالي من إجراءات تصبّ في مصلحة الشعب السوداني الشقيق". وهذا يذكرنا بموقف السعودية من اليمن بعد خلع علي عبد الله صالح بنفس الطريقة السودانية، فتوالت من بعدها النكبات وما زالت على الشعب اليمني الجريح..

ولم يوضح البيان حجم هذه المساعدات أو قيمتها، ولا متى سيتم إرسالها إلى السودان.

ناهيك عن تزامن اعتراف مصر والسعودية والإمارات والبحرين الفوري بالمجلس العسكري السوداني وكأن الأمور متفق عليها بينهم.

إلى هنا والوضع قد يبدو اعتيادياً لولا دخول العامل الوظيفي في علاقة أطراف صفقة القرن بهذا المجلس السوداني المشبوه، ذلك لأن رئيسه الفريق أول عبد الفتاح برهان كان يمثل في عهد عمر البشير، المنسق العام لعملية دخول الجنود السودانيين إلى اليمن في إطار قوات التحالف.. حيث أشرف برهان بنفسه على القوات السودانية في اليمن بالتنسيق مع محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع والذي أصبح نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، وذلك ضمنَ التحالف العربي الذي تقودهُ المملكة العربيّة السعودية منذُ عام 2015.. ولو شطح الخيال بنا في زمن تتحكم به العجائب، يمكن القول بأن السودان في عهد البشير رغم مساوئه التي لا تغتفر، كان متهماً فيما سبق بدعم حماس لوجستياً من خلال تسهيل مرور المال والسلاح الإيراني عبر حدوده ومن خلال صحراء سيناء بعد تدمير الأنفاق على طول الحدود المصرية مع غزة رغم أن هذا الدور كان أحد الملفات المفتوحة بين القاهرة والخرطوم بطلب إسرائيلي بالدرجة الأولى.. أي أن ملف هذا الدعم المحتمل سيكون في يد عبد الفتاح برهان في إطار التوافق الاستراتيجي مع مؤيديه من أقطاب صفقة القرن العرب، المتحالفين مع الكيان الصهيوني.. ما يعني بأن السودان مقبل على كوارث لا تحمد عقباها ما لم يظل الشعب السوداني الواعي صامداً حتى تخرج هذه الوجوه من المشهد السوداني الموبوء بالفاسدين.. عجبي..

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم