صحيفة المثقف

النخب وبؤس الأوساط.. إشكالية الانتماء للواقع واليوتوبيا

رائد عبيسليكن كل منا باحث متجول، لا يعمل شيء للوهلة الأولى سوى التصفح بوجوه الناس كل الناس، اي بمختلف شرائحها وطبقاتها، وفي كل مدن العراق، فنجد في ملامح وجوههم خيبة تاريخية، ومعالم فشل قد اختبئ تحت مساحيق التجميل بالنسبة للنساء، وتحت اللحى بالنسبة للرجال، وبؤس غير معلن على ألسنتهم ولكن تفصح به جباههم، وطريقة تناولهم الطعام، وطريقة مشيهم، وكان الفقر المتوارث قد أعلن نفسه فيهم! ونجد كذلك تاريخ لا يحسنوا أن ينصتوا إليه، ولا يتمكنوا من اخذ العبرة من احداثة، لا يختلف فيهم ولا عنهم سوى الواعي، وسؤالنا هنا هل كل متعلم واع؟ ام ان هناك متعلم يكون أقرب إلى الاوكس منه إلى البشر؟ وهل يا ترى كل مثقف واع؟ ام ان هناك مثقف متاجر بوعيه؟ واي وسط ممكن أن نعول عليه ولا نجد فيه معالم البؤس؟ ماذا يعني زيف النخب ؟ وهل هناك نخب غير مزيفة حقيقية ؟ وكيف لنا أن نصنف هذا الزيف ونكتشف هذا البؤس؟ ومن المثقف الواعي؟ ومن يحمل وعي اليقظة والتنوير والتحرر؟ هذه الأسئلة لا نجد من يجيب عنها داخل الأوساط المقصودة، وان كان هناك جواب فيعني افصاح عن نفاق وأسرار هذا الوسط، وتناقض مع معايشته، ورغبة بالاسترزاق منه! ونقصد ببؤس الأوساط هو كل وسط اجتماعي مؤسسي تحكمه الرتابة والانصياع والمماهاة مع قوانين تعسفية وبالية وتقليدية وعتيقة، لا تنسجم مع روح العصر ولكن منسجمة مع ارواح أعضاء هذا الوسط!  تلك هي خيبة مجتمعه الذين ألفوا الذل وقبلوا به! هذا حال الأوساط الرسمية التي لا نُستثني منها إلا بعض قليل جداً من المؤسسات الواعية التي بدأت تغير من مجرى الحياة لصالح الوعي المجتمعي الجديد.

فما حال النخب في هذا الوسط؟ مثل هذه الأوساط ونقصد الأوساط الزائفة والتي عادة ما تمثلها نخب مزيفة أيضاً، فهي تختارها لنفسها لأنها تشبهها، وهذا التحالف الاختياري ينتج عنه صراع مع أي وعي فردي أو مجتمعي ناضج،فيبدأ بينهما الصراع، والتنافس، والعداوة والتسقيط، فهو بالاصل صراع بين الجودة وعدمها، وان كان هناك من يدعي الجودة زيفاً، وهذا ما ساد الآن وهو جرأة الزيف على منافسة الحقيقة،ليثبت أنه حقيقة رديفة، ومع ذلك يجد هذا النوع له أنصار يشبهونه ويدافعون عنه.

هذا التبني هل هو اعتراف بواقع يجب أن نتماها معه؟ ام أنه يوتوبيا متوهمة عند الآخرين؟ الإجابة عن هذان السؤالان يتطلب اعتراف ذاتي بالزيف، وهذا هو جوهر العدمية عندما تنتمي لواقع وانت تشعر ببؤسه أو خيبته وعندها أما أن تكون مثله، أو تتحداه وربما تخسر بسببه كثير من مكتسباتك،اما ايهما ارجح لوعيك، فهذا ما تحدده قدرتنا على التخلص من النفاق ورغبتنا بذلك.

إن البؤس الذي يكتنف الحالة العامة، يدعونا إلى أن لا نشخص أي نخب نقصد، ولا اي وسط نقصد كذلك، بل هو نقد عام نريد به أن يختار مستحقه أو مستحقه يختاره عن وعي وإرادة، وبهذا الاختيار نأمل أن يكون بداية طريق إلى وعي عام، وحركة تنويرية، ويقظة تامة، تحرك المجتمع بصحوة كبيرة لينهض وينفض الغبار عن واقعه الرث الذي سلمه لوعي محكوم بانتهازية واقعية ويوتوبيا مزيفة تؤمله بكل مؤجل.

بعد هذا الكلام وما تضمن ندعو كل الأوساط العراقية الرسمية وغير الرسمية، وبواسطة النخب الواعية الى بداية تنويرية جادة، لتغيير الواقع ومتحكماته, العشائرية والقبلية، والسياسية, والولاءات العاطفية, والانصياعات العرفية المجاملة على حساب حقيقة الاعتراف بما يحتاجه البلد فعلا لنهضته، وتطوره، وتقدمه الذي بات ينتظر إرادة أهله وتحررهم، من كل وهم وزيف، لقول الحقيقة بحقه.

 

الدكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم