صحيفة المثقف

الالحاد الممول: مقاربة لتأثير الفعل الديني والسياسي والاجتماعي في الظاهرة

حيدر حسن الاسديما تمر به منطقتنا من استهداف متعدد الجوانب في ضوء ما يسمى بحروب الجيل الرابع، والتي تهدف إلى تمزيق المجتمعات وتحللها في جميع الجوانب قيمًا وأخلاقًا بشتى السُّبل:

1- الإلحاد الممول.

2- بالإرهاب المصنوع.

3- بإثارة النعرات العرقية أو الطائفية.

وما يهمنا في هذه الورقة الامر الاول، وان كانت له صلة بالثاني، حيث أصبح الإلحاد ورقة سياسية توظف لضرب المجتمعات وتفكيكها ضمن حروب الجيلين الرابع والخامس المستهدفة إعادة رسم خريطة المنطقة. أن الإلحاد أصبح موجهًا ومسيسًا وممولاً، قصد الإسهام في إحداث حالات الفوضى والإرباك، إذ لم تعد كثير من الأمور فى مجتمعاتنا عفوية أو طبيعية، أن مخططات الأعداء تستهدف النيل من كل جوانب حياتنا ومقوماتها، مما يتطلب التوعية بمخاطر كل الظواهر السلبية، إذ أن هذه المخططات تهدف من خلال الإلحاد الممول إلى نزع القيم الإيجابية من نفس الملحد، وبما يفرغه من الرقابة الذاتية الأصيلة، رقابة الضمير، ومراقبة خالق الكون والحياة، فلم يعد أمامه سوى القانون الذى يسعى إلى التفلت منه ما وسعه ذلك.

وما نقصده من مصطلح " الممول"-هنا -: هو التمويل الرمزي، أي المساهمة المادية او المعنوية، بقصد او دون قصد والتي تسهم في تنامي وزيادة وانتشار هذه الحالة الفكرية في الأوساط الاجتماعية في إطار ما يمكن تسميته" رد الفعل الآني على ما هو راهن"، والرمزية او السلطة الرمزية بحسب عالم الاجتماع الفرنسي( بيير بورديو Pierre Bourdieu): توظيف معطيات مختلفة لموضوع ما، على مجتمع ما عمادها التحليل، وهو هذا التمويل ينشط بفاعلية غير مرئية  للوصول الى المبتغى، دون شعور المحيط او المجال العام محل نشاط الظاهرة.

وما نعنيه بالمقاربة "Approach" الوارد في العنوان هو: " معالجة الظاهرة المدروسة أو المادة المقصودة بتقريبها لشيء اخر يكون اكثر وضوحا، وهي طريقة لفهم موضوع ما، أي نوع من الاجتهاد في التنظير العلمي لإيضاح نظرية ما او مفهوم معين في اتصاله بتصورات او مفاهيم أخرى، بهدف الكشف عن الغموض الذي يكتنفها"، واعتقد ان دراسة مفهوم او ظاهرة الالحاد، لا تتم الا بمقاربتها مع السياق الثقافي والاجتماعي الذي اُنتجت او وُجدت به، ويبدو ان اقرب الظواهر لذلك " ظاهرة التطرف"، الذي هو "فعل ديني" وان بني على فهم مغلوط للشريعة السمحاء.

كما ان للفعل السياسي وممارساته العملية في الوسط الاجتماعي شكل حافزا وعاملا مسرّعا في نشر وانتشار الظاهرة، بقصد او دون قصد، ودون وعي، مما يصدق عليه تمويلا رمزيا واضحا.

وعلى الرغم من أن العديد من الأسباب التي دفعت بعض العرب إلى التخلي عن الدين مماثلة لتلك التي يذكرها الملحدون في أي مكان آخر في العالم، فإن هناك أسبابا أخرى يمكن أن تتسق مع السياق السياسي في مجتمعاتنا، منها:

1- أن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات الدينية المتشددة والمتطرفة (فعل ديني) قد دفع بعض الشباب إلى التشكيك في عقيدئهم الدينية التي اعتنقوها وتربوا عليها "كرد فعل آني" في ظل غياب او فقدان الحلول الأخرى، كما يعتقدون.

ولذلك لا نرى صحة وواقعية بعض الاحصائيات التي ذكرتها بعض المؤسسات الاوربية عن الالحاد في العراق في ظل غياب المعطيات الحقيقية لهذه الظاهرة، ومنه ما ذكرته صحيفة وول ستريت حيث ترى ان" نسبة الإلحاد في العراق هي 38%" ، وهو رقم لم يتفق عليه العراقيون، فهناك من يزيده وهناك من ينقصه وينكره، فيما يرى اخرون ان ذلك جزء من "المؤامرة التي تحاك ضد الاسلام والمسلمين من الغرب واميركا تحديدا"1 .

2- أن "أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد هي ممارسات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام والتي صدرت مفهوماً مشوهاً لتعاليم الدين، ورسخت صورة وحشية قاتمة له، مما نفر عدداً من الشباب من الإسلام ودفعهم إلى الإلحاد2".

3- أن تغلغل "الحركات السياسية" في الحياة الخاصة والعامة، وفشلها الذريع في الادارة وتوظيفها للدين لتحقيق مصالحها الخاصة؛ يمكن أن يكون سببا رئيسا لردة الفعل ضد الدين، ولذلك نعتقد ان الالحاد الموجود في العراق إن صحّ وجوده هو  ردة فعل على الخطاب والممارسة السياسية بطابعها المتشدد ، ولا يقارن بردة الفعل التي حصلت في  أوربا تجاه الكنيسة، وأهم دليل على ذلك " غياب التنظير الفكري والمعرفي العراقي لمن يتبنى هذه الظاهرة، وان وجد مثل هذا التنظير يكاد ان يكون في اطار ما يسميه جورج طرابيشي بــــالهرطقات".

ان  تجريد العقل المسلم من أقوى أسلحته في التصدي للإلحاد، عبر محاربة التيارات المتشددة للفلسفة،  وعلم الكلام، والتفكير العقلاني الذي هو عماد مناهج الاجتهاد في الإسلام اسهم وبشكل كبير في تنامي دعوات الالحاد، في ظل تراجع تفعيل مناهج الحوار والجدل من قبل المعنيين، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، والسوشيال ميديا بشكل عام، لان الباحث الإسلامي يرى ان هذه الوسائل الإعلامية لا تليق به، وما يليق به هو القاء محاضرة او ندوة او ارتقاء المنبر ليواجه المتلقين وجها لوجه، والحال ان تأثير الاعلام المرئي التواصلي - بحسب المتخصصين- اكثر فاعلية من الطرق التقليدية، واسرع انتشارا، وعليه لا بد من تفعيل هذا الجانب، وايلائه أهمية كبيرة، وتدريب متخصصين فاعلين في هذا المجال يشكلون خلايا رصد وتدقيق ودراسة لهذا الامر.

 

الدكتور حيدر حسن الاسدي/ جامعة الكوفة

.................

 2- نقلا عن سكاي برس ( SKY PRESS)، الالحاد في العراق مؤامرة ضد الاسلام ام ردة فعل على الاحزاب السياسية تقاريـر السبت 12 آب 2017 الساعة 14:24 مساءً

 2- موقع دار الإفتاء المصرية.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم