صحيفة المثقف

السياسة والرياضة !!

حميد طولستتعد ظاهرة تدخل السياسة والسياسيين في الرياضة واستغلال الرياضيين وجمعياتهم وأنديتهم،لخدمة مصالح السياسيين الخاصة، ظاهرة قديمة لم تقتصر على شعب دون آخر أو دولة أو ثقافة دون أخرى، وارتبط وجودها بوجود الأنظمة السياسية، إلا أنها تتفاوت من مجتمع لآخر حجما درجة، حيث تضعف حدتها مع الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على أسس احترام حقوق الإنسان وحرياته العامة وشفافية وسيادة القانون، بينما تتضخم مع الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية، خاصة مع تجار الانتخابات الذين يعتبرونها مجرد لهو ولعب وتسلية، وقلما يدرجونها في جداول أعمالهم، ويصنفونها في آخر مراتب اهتماماتهم، إلا في مواسم الانتخابات، فلا تتعدى عندهم وعود عرقوبية لا تساهم في تطويرها وتقدم مجالها .

 ويبدو ذلك -مع اللأسف الشديد- جلياً في تخلي أكثريتهم عن التزامهم بالاهتمام بميادينها، مباشرة بعد الفوز في الانتخابات، وحصولهم على المنصاب السياسية المنشودة، ليتركوها وفرقها وجمعياتها، تسبح في مشكالها انتكاساتها المتتالية، وتتخبط في احباطاتها التسيرية، المادية منها والمعنوية، والتي لا يكفي للخروج منها، وتفادي مصائبها وكوارثها الأخلاقية، لا تنزيل الشرائع التنظيمية، ولا إخراج القوانين الزجرية، ومع كل هذا وذاك، فلا يجب أن نستغرب من تدخل السياسة في الشؤون الرياضية في بلادنا إطلاقاً، لأن ذاك سلوك عرف في كل بلدان المعمور ومند القدم، لكن مع فارق بسيط وخطير، في نفس الآن، هو ان الفائدة في ذلك عندهم تشاركية بين الطرفين، بينما الأمر عندنا أحادي الاستفادة، ولا يستفيد من ذاك التدخل، السياسي وحزبه وحدهما. وقد عرف العالم عدد كبير من حالات التدخل السياسي في الرياضية، يصعب على المرء الإحاطة بها كلها، لكثرتها وقدمها، حيث أنها بدأت مند العهد الروماني بإلغاء (ثيوديوس) الألعاب الأوليمبية القديمة لأسباب سياسية، وتدخل (موسوليني) وهتلر في شؤون الرياضة من أجل السياسة، حيث عطلت السياسة بطولة كأس العالم دورات الألعاب الأوليمبية لسنوات بذرائعها سياسية، خلال الحربين العالميتين، حين استغل (موسوليني) استضافة كأس العالم سنة 1934م في إيطاليا للدعاية لنظامه الفاشي، وكذلك فعل (هتلر) مع أولمبياد برلين عام 38، وعوقبت ألمانيا المنهزمة في الحرب بتغييبها عن البطولات العالمية التي تلتها، وفي السبعينات عادت السياسة لتطل برأسها على الرياضة سواء عبر الهجوم الفدائي الفلسطيني على البعثة الإسرائيلية في أولمبياد ميونخ أو عبر المقاطعة الإفريقية لدورة موريال عام 76 بسبب التعامل مع جنوب أفريقيا العنصرية وقتذاك، وتصاعد الأمر إلى ذروته بالمقاطعة الأميركية لأولمبياد موسكو في سنة 1980، ورد الروس وحلفاؤهم على ذلك بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس بعد أربع سنوات، وقد أعاد تدخل السياسة في الرياضة العلاقات بين أميركا والصين عبر دبلوماسية كرة الطاولة، كما أعادت الدفء للعلاقات الأميركية الإيرانية عبر لقاءات المصارعة وكرة القدم بين البلدين، فإن السياسة عادت لتطل بوجهها المتجهم في وجه الصينيين الطامحين في قضية استضافة أولمبياد 2008 بكين، ولا يمكن لأي متتبع رياضي أن يتجاهل استغلال برلسكوني لكرة القدم سياسيا، وأن نجاح نادي ميلان كان وراء اتساع شعبيته ليؤسس بعد ذلك حزبه السياسي «فورزا ايطاليا»، الذي صعد به الى رئاسة الحكومة في بلد عاشق لكرة القدم الى حد الجنون، كما يجب أن لا ننسى استفادة "كارلوس منعم" من دعم مارادونا حينما كان يواجه ازمات محلية، وعندما تخلى عنه النجم الشهير خسر معركة رئاسة الارجنتين، وكان زيدان ايضا من اكبر الداعمين للرئيس شيراك خلال حملته الانتخابية عام 2002 في مواجهة الزعيم اليميني لوبان.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم