صحيفة المثقف

هكذا يستقبل المقدسيون المطبعين"بالصرامي"

بكر السباتينهناك حقيقةٌ راسخةٌ لا يمكن تجاوزها حدثت أثناء استقبال المقدسيين اللائق للوفدِ العربيِّ التطبيعيِّ الذي تصدّرهم الصحفيُّ السعوديُّ، وفحوى تلك الحقيقة الساطعة أن الطفلَ الفلسطينيّ الذي بصقَ في وجهِ هذا السعوديِّ الرخيصِ الذي يمثل نفسه حيث كانَ يتجوّلُ في باحةِ الحرم المقدسيِّ مستقوياً بكبرياء المحتلِّ وغطرستِهِ وهو يرتديي اللباسَ السعوديَّ التقليدي، ، في جوٍّ مشحونٍ بالغضب والرفض للسّلوك التطبيعيِّ المهين لأصحابه وإسماع ذلك المعتدي على مشاعر الفلسطينيين، عباراتٍ ذاتَ دلالاتٍ سياسية، على نحو: "خلي ترامب يحلبكوا" أو"روح صلي في الكنيست"، " شو جاي تعمل في الحرم الذي يتآمر عليه أميركم بن سلمان"، " خلي إسرائيل تحميكم "...الخ ، إنما هو تعبيرٌ عن تمسكِ الفلسطينيينَ بأرضهم وقضيتهم والاستعدادِ التامِّ لأيِّ مواجهةٍ محتملةٍ مع كيان الاحتلال ومواجهته بكل السبل.. وإن التطبيعَ الذي يرعاهُ حلفاءُ الكيانِ الإسرائيليِّ في صفقة القرن يتصدَّى له شبابُ فلسطينَ بطريقتهم الخاصةِ بعدَ أن يئسوا من التهاون العربيِّ إزاء حقوقهم المشروعة. لأنه لا كرامةَ لمطبِّع آثم.. إنّها رسالةُ تُشَبّهُ الفعلَ التطبيعيَّ بممارسةِ البغاءِ في وضحِ النهار "عيب".

صحيح أن زيارة هذا العميل إلى باحة قبة الصخرة التي خُطِّطَ لها من قِبَلِ صاحبة الدعوة "إسرائيل"، جاءت من قبيل تشجيع التطبيع وتعويد العين العربية على التأقلم مع هذا المشهد المشوه وتقبله كأمر واقع يكون من شأنه عند تكراره، بناء العقل العربي وبرمجته عصبياً ولغوياً على تقبل ما كان مرفوضاً لديه، على اعتبار أن الثوابت تتغير، والأخلاق نسبية وفق الظروف والمستجدات، والسياسة مهما تناقضت إنما تمثل المصالح العليا التي لا يجب خرقها.. وإن دحرَ العدو يساوي المستحيل.. والصمودَ مضيعةٌ للوقت.. والمقاومةَ إرهاب.. والقدسَ لا ثوابت لروايتها وهي قضية تتقبل الاختلاف في الرأي.. وإن الخيانةَ والتطبيعَ هما ممارسةً لمبدأ القبول بالآخر على قاعدة التسامح.. أما الخيانةَ فهي وجهة نظر. وبذلك يصبح العقلُ العربيُّ الجمعيُّ مهزوزاً مضطرباً انفعالياً تدور المواقفُ فيه كالطواحين التي تعلك مسنناتُها الوهَم فلا يكون من مخرجاتها الطحنٌ؛ فيتحول كل ذلك إلى ثقافة تترسب في الذاكرة العميقة وتطم الحفائق التي سيصيبها العطب؛ وهو المسعى الذي تستهدفه البربوغاندا المضللة التي توظف مثل هذه الزيارات لتعميم الفوضى وسياسة الكره بين الشعوب العربية؛ ولكن في المقابل ينبغي أن يدرك ذات العقل المغبون بأن هذا التصدّي العفويّ لزيارة المطبع السعودي كان صادماً بالنسبة للكيان الإسرائيلي وعملائه، حيث أعادَنا إلى تبني مفهوم العيب من خلال برمجة العقل العربي على تجريم هذا الفعلِ التطبيعيِّ الفاضح لدرجة أنّ الإماراتَ التي تُعتبر الحليفُ اللصيقُ بدولة الاحتلال بادرت إلى النفي الفوريِّ لمشاركةِ صحفيّيها في ذلك.

والسؤالُ الذي يطرح نفسه: أين هي أسماء بقية الوفد الجبان؟ والذي قيل بأنّ من بينهم عربٌ من الأردن والمغرب والعراق ومصر والسعودية؟

وكيف ستكون عليه ردودُ أفعال مؤسّسات المجتمع المدنيِّ في البلدان المعنية بالحدث والتي تتمتع باستقلاليةٍ نسبية؟

فمثلاً اتحاد صحفيي العراق وعد باتخاذِ أقصى العقوباتِ بحق الصحفيِّ العراقي كإجراء رادع بعد التبين من هويتهِ حالَ عودته إلى بغداد.. فهل ستفعل مثلاً نقابة الصحفيين الأردنيين ذلك مع المطبعين ضمن الوفد الأردنيّ العميل الذي دنس أرض فلسطين تلبية لدعوة نتنياهو! وفي سياق متصل تقفز إلى ذهني سابقة تطبيعية تركت دون معالجة، حينما حضر بعض الصحفيين المجهولين مأدبة طعام في السفارة الإسرائيلية بعمان بناءً على دعوة رسمية! ثم بالله عليكم اسعفوني بجواب.. لماذا يتخفى هؤلاء المطبعين لو أنهم على ثقة تامة بجدوى التطبيع المهين!

صحيح أنهم يقبضون ثمنَ كرامتِهم لكنهم بالمقابل خائفون كأنّهم يمارسون القوادة في المواخيرَ المتواريةِ عن الأنظار! وهو التشبيهُ الأمثل لفعلةِ هؤلاء التي تخالف التوجه العام الرافض للتطبيع بكل أشكاله وخاصةً صفقة القرن.

وكنت أتمنى من أهلِنا في القدس مواجهةَ المطبّعين ميدانياً داخلِ الحرم المقدسيّ بنفس الطريقةِ منذُ زيارةِ الوفد البحرينيِّ التطبيعيةِ إبّان المواجهات الفلسطينية مع قوات الأمن الإسرائيلي احتجاجاً على تركيب البوابات الإلكترونية عند مداخل ساحات الحرم المقدسي؛ لأن ذلك سيعيد برمجة عقولِنا على أن التطبيع والتراكض المهين نحو تقبيل يد نتنياهو هو من أسوأ الأخلاق ناهيك عن إدراجِ أمثالِ هؤلاء في خانةِ الأعداء ومواجهتهم على هذا الأساس من باب الردع.. فقد طفحَ الكيلُ وصارتِ المواجهةُ مكشوفةً بعد أن تعرّت الوجوهُ وأُزيلَتِ الأقنعة.. وفي الختام أطلبُ من مستخدمي مواقعِ التواصل الاجتماعيِّ عدمَ افساحِ المجالِ للذّباب الإلكترونيِّ التابع للجيش الإلكترونيّ الإسرائيليّ وحلفائه من العرب كي يجيِّرَ مخرجاتِ ما جرى في زفّةِ استقبال الوفد العربي المطبع من قِبَلِ المقدسيّين لصالح البروبغاندا الصهيوعربية من خلالِ نشرِ التعليقاتِ الموجهةِ عبرَ الصفحات التي تحمل أسماءً وهميةً وذلك باتهام الموقف المقدسيِّ المشرف الأخير بالهمجيةِ وقد خاب مسعاهم.

 

بقلم بكر السباتين..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم