صحيفة المثقف

الصراع بين اليوان الذهبي والدولار الأمريكي إلى أين!

بكر السباتينمعركة عض الأصابع بين الباندا الصيني والمقامر الأشقر!

الاقتصاد الحر يعشق الحركة ويأنف القيود الجائرة التي تفرض بالقوة من خلال الضغط فيما بين الدول، فما بالكم وأمريكا هي مركز هذا الاستحواذ الذي لا يراعي مصالح الآخرين حتى الحلفاء منهم!

وعلى ذلك يمكن قراءة المشهد الصيني الأمريكي الذي يتداخل فيه التصعيد العسكري الاستراتيجي بالاقتصادي.. حيث قامت أمريكا مؤخراً (بتصرف"رأي اليوم) بنصب صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية في كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان وتايوان ما أثار حفيظة الصين التي كما يبدو لعبت بورقة التغاضي عن كوريا الشمالية حيث أن الأخيرة اختبرت مؤخراً صاروخاُ نووياً بعيد المدى يمكنه اختراق العمق الأمريكي عبر المحيط الهادئ.

 ويبدو أن الوقت قد أزق لكي يقوم مستشارو ترامب بتقديم النصيحة إليه؛ كي لا يضيق الخناق أكثر على الباندا الصيني من خلال حربه الاقتصادية التي يشنها على بكين في تداعيات تصعيدية لم يشهد لها الطرفان مثيلاً عبر تاريخ علاقاتهما الاقتصادية، ودون مراعاة للمصالح المشتركة بين الطرفين أو احتساب للخسائر المحتملة؛ لذلك تدرج هذه الحرب المجنونة في خانة المقامرة غير محسوبة العواقب. وخاصة بعد فرض الضرائب الباهظة على الصادرات الصينية إلى أمريكا حتى بلغت ما قيمته 300 مليار دولار بقرار من الرئيس ترامب شخصياً.. وإزاء ذلك جاء الرد الصيني مؤثراً من خلال وقف استيراد المنتوجات الزراعيّة الأمريكيّة، وخفض قيمة عملتها لزيادة حجم صادِراتها إلى دولٍ أخرى من العالم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، متجاهلة اتهامات ترامب لها بالتّلاعب بالعملات على مستوى العالم.. وكأنها تقول له بأن البادئ أظلم.

إن سياسة ترامب الاقتصادية العالمية أيقظت الباندا الصيني وجعلته يتجه نحو بناء اليوان الصيني الذهبي تحديداً منذ انهيار الليرة التركية إزاء العاصفة الأمريكية من خلال استصدار عقود نفط خام مقيمة باليوان الصيني القابل تحويله إلى ذهب، وعرضه أمام صناديق الاستثمار الأجنبي وبيوت التجارة وشركات النفط، لتكون مدرجة على بورصة شنغهاي الدولية للطاقة، (بتصرف:موقع مفكر حر) وقامت البورصة حينذاك بتدريب المستخدمين وباختبارات نظم التشغيل، كخطوة لاحقة لاعتماد الإيوان كعملة عالمية من قبل صندوق النقد الدولي التي جرت في أكتوبر 2016. وسعياً منها لرفع قيمة اليوان والحفاظ على استقراره كعملة دولية، رفعت الصين آنذاك احتياطاتها من الذهب لتتجاوز 4000 طن ما جعلها تحتل المركز الثاني عالميا من حيث حجم احتياطيات الذهب بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية (بتصرف:روسيا اليوم)، تخلصت بكين بشكل منهجي من سندات ديون الحكومة الأمريكية، وكثفت من عمليات شراء الذهب والمعادن النفيسة الأخرى. لذلك، من المحتمل جدا أن يصبح اليوان ذهبي في المستقبل المنظور. وهذا ما تسعى إليه سلطات الصين بثبات لحماية اقتصادها المستقر والذي يشهد أعلى معدلات النمو في العالم.

فوفقا للتقديرات الأكثر تحفظاً، يتم تداول حوالي 10 تريليونات يوان في الاقتصاد العالمي؛ لينتقل عدد متزايد من الدول التي وافقت بطريقة أو بأخرى على المشاركة في المشروع الجيواقتصادي الاستراتيجي الصيني تحت شعار "حزام واحد - طريق واحد" إلى اليوان أو إلى التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية.

وينبغي في ذات السياق أن تعترف أمريكا بأن عضة الباندا الصيني على أصابعها ستجبرها أخيراً على وقف التصعيد في الحرب الاقتصادية المتهورة مع الصين.. وإلا ستكون هي الخاسر الأكبر اقتصادياً ومعنوياً. فأسواق المال الأمريكيّة وفق المؤشرات الأخيرة خسِرت حواليّ 3 بالمئة من قيمتها يوم أمس الاثنين الموافق 7 أغسطس بسبب انهيار الحوار الصيني الأمريكي لتسوية القضايا الخلافية بطرق سلمية، وهبطت الأسهم الأمريكية حوالي ألف نقطة، لتتراجع هذه الخسارة إلى حواليّ 800 نقطة مع الإغلاق. ناهيك عن الارتدادات القوية التي شهدها الاقتصاد الأمريكي من جراء حرب العملات بين طرفي الصراع، حيث سيدفع الدولار الأمريكي من جراء ذلك ثمناً باهظاً مقابل انتشار اليوان الذهبي الصيني المدعوم جيداً.

وعليه فإن الكفة الراجحة في هذه الأزمة الاقتصادية تميل بقوة لصالح الباندا الصيني على حساب بنية الاقتصاد الأمريكي الذي بات وحيداً في عالم يتحسس من سطوته الاقتصادية المعتمدة على معايير القوة السياسية والعسكرية وسياسة الأمر الواقع التي ينتهجها المقامر الأمريكي الأشقر ترامب الذي لا يرى في أفق السياسة العالمية ومخرجاتها أكثر من محيط طاولة البوكر المغلقة في مكتبه البيضوي.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم