صحيفة المثقف

حين تفرق دم ناجي على القبائل

بكر السباتينفي ذكرى استشهد ناجي العلي تضاء الشموع وتستعير شعلتها من زهرة النهار بعد أن ينطوي الفجر ويجبّ ما قبله..

لن يعبر القتلة على جسد حنظلة ما دام يغذي الوجدان الإنساني بتفاصيل الوجع الفلسطيني ويسجل أنينه ويحرس تطلعات الشعب الفلسطيني من عربدة الفاسدين وتغولهم.. ناجي العلي تحول إلى رمز فلسطيني تعمد بالدم، واستقر خالداً في ضمائر الأجيال الفلسطينية المتعاقبة..

والطفل حنظلة الذي لا يشيخ يشهد على ولادة الطفل الفلسطيني، ويتابعه وهو في القماط، ويشاركه همومه الصغيرة في المدرسة، ويشب معه في الجامعة، ثم يتابعه إذا تخرج وتزوج ويطرق ناقوس الذاكرة كلما غفل عن فلسطين أو تاه عن طريقها، ثم يشارك في مواراة الشهداء الثرى ويشد على أيادي الثكالى ويطلق مع أمهات الشهداء الزغاريد، ثم يمسح دموع أم ناجي حينما يختليان بروحه في ذاكرة المخيم.. في زمن الرياء "حياة المنافي قاسية ولا ترحم يا ناجي".. وفي أتون ملحمة المقاومة حتى تحرير الأرض والإنسان يظل حنظلة شاهداً على تفاصيل القضية الفلسطينية دون أن يسبل شعره والدهشة تختطف أنظاره إلى هناك، حين تتساقط الأقنعة ويعلو صوت الحق الفلسطيني فيشق عنان السماء.

نحن لا نبحث عن شكل اليد التي اغتالت ناجي العلي أو لونها ما دامت تنتمي إلى  فئة العدو وقد وقعت عقداً مع الشيطان الصهيوني؛ لأن ما يهمنا أن حنظلة بقي طاهراً يستمد قوته من قلب صاحبه الذي لم يتلوث بالخيانة والعار.. فبقي وسام شرف تعمد بدم الشهيد ناجي العلي، ويعلق على صدر كل شهيد، أو مناضل  يتمترس خلف المقاومة، أو أسير يكابد مشقة الصمود في سجون الاحتلال، أو صاحب قلم شريف ينبري للذود عن قضية فلسطين في كل المنابر ويقف لأجل ذلك صلباً في وجه صفقة القرن ومن يناصرها من الخونة المأجورين..وسيأتي اليوم الذي يتحول فيه حنظلة إلى دمغة حمراء بلون الدم المعبق بالياسمين، يذيل بها خطاب النصر والتحرير..  يومها سيزف الشهيد الذي دفن غريباً عن وطنه من جديد، حينما تنقل رفاة ناجي العلي  في جنازة مهيبة تسد الأفق، طالما حلم بها، وهو يحمل روحه على كفه، حتى يعاد دفنه في مدينة القدس وعاصمة فلسطين الأبدية.

وها هو حنظلة يذكرنا بناجي العلي ، فنتذكر أيضاً بأن الضمائر الحية  كالأوطان لا تموت..

ناجي سليم حسين العلي، رسام كاريكاتير فلسطيني، تميز بالنقد اللاذع الذي يعمّق عبر اجتذابه للانتباه الوعي الرائد من خلال رسومه الكاريكاتورية، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيّر السياسي باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف. له أربعون ألف رسم كاريكاتوري، اغتاله شخص مجهول في لندن عام 1987م فتفرق دمه على القبائل التي باعت ضمائرها للشيطان الصهيوني .. فسجدت عند قدميه صاغرة ذليلة.

رحم الله شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته..

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم