صحيفة المثقف

االنزوع الصوفي عند مفيدة منصور حشاني.. مرايا عشق نموذجا

صدر عن دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة - محافظة بابل / العراق، مجموعة شعرية عنوانها (مرايا عشق) وقد اشير على الغلاف الخارج اشارة تعريفية مختصر هي (نصوص شعرية، 2019) و اما عدد صفحاتها فكانت (110) والمجموعة قد احتوت على الاهداء الذي اصبح حاضرا عند كل المؤلفين شعراء كانوا ام كتابا ام باحثين، وتقديم بعنوان الحلول الصوفي بين الذات والاخرين وكان بقلم الشاعر الحلي الكبير جبار الكواز، ثم ثلاث وستون نصا شعريا، وهي قصة على ضفاف الروح، عند الصباح، احلامي، طيف العشق، هو منهمك، الروح، تهجد، هل يعود الزمن، نافلة الصبر، رقصة مجنونة، بعدك، احبك، قلبي يوزع نبضه، سفير في اتجاه الصدى، شجون المساء، هذا الصباح، غياب، نور، باب ركن، اين الوجود، عشق ابدي، قلبي محطة عشق، اين كنت، صلوات، غريب، دمي،، ليلة ما، تمهل، انفاسك، رؤياك، امي، رايت عيسى، جنيم ينمو، طيف العشق، الى ابعد من اغوارك، عشق، شوق، عاشقة تمور، بقايا حب، انتظر العبور، دع نسائمك، دون ان ادري، عشق مسحور، قمري، اتبعثر، برق العشق، اسافر، تراتيل ملكة، حديقة عذراء، القدس، عشق شاعر، ان للقمر بابا، بكيت، اعرفك، ياعيد نصعد بها نحو الفجر، احبك لي وحدي، اترك يدي، مصير، احرفي عطرة، كدت اشقى، اياديكم، سحب ثملى، وجوه تختلف، في هذه المجموعة وكما راى الشاعر الكبير جبار الكوز ان نصوصا كثيرة فيها تحيل الى صفخات من التاويل الروحي المنطلق من ثنايا الجمل الشعرية(1) (مرايا عشق: 7) وهذه القراءة الواعية تلفت نظرنا الى الاتجاه الصوفي التي تتبناه الشاعرة رؤيا واسلوبا افرغت من خلاله شحناتها العاطفية في نصوص شعرية تجلت فيها التجربة الصوفية وصلا ووجدا بروح الرومانسية الذاتية الكاشفة عن خلجات النفس ودخائلها واسرارها، وممارسة الاستبطان الذاتي القابعة في مشاعرها و، الذي يدفع بها نحو قصيدة الرؤيا والانزياح (الحب الالهي في الشعر: نت)، وقبل الدخول الى فضاء المجموعة، نجد انفسنا امام ثريا النص، الذي هو مفتاح النصوص والذي من خلاله نستطيع الدخول والتعرف على ما تحفل به من رؤى ومتع، وهذه الثريا او المفتاح هي العتبة الاولى للمجموعة وهوعنوانها الذي اختارته الشاعرة لمجموعتها واسمته (مرايا عشق )، وهي باختيارها للعنوان تؤكد انتماءها الفكري والوجداني الى الصوفية، فالمتصوفون عرفوا باتخاذهم المراة عنصرا اساسيا في تراثهم الشعري، فهم يعتقدون بانهم يرون الحقائق التي تنزاح عنها الحجب كما يتطلعون الى المراة، وقد انشغل المفكرون والنقاد في البحث عن المراة واسرارها، فباراسيليوس يرى المرايا عبارة عن نفق بين عالمين، العالم المادي، والعالم الخفي، حيث تنفذ الينا من خلالها معلومات العوالم الاخرى، اما جابر عصفور فيرى ان للمراة دلالات واشارات الى القرين والظل والاخر والشبح، وكلها تقنيات يتكؤ عليها الشاعر في الرؤيا، اما رمزية المراة فهذه من الحقائق القديمة التي تبناها الباحثون، واعتمدها الشعراء، لاسيما شعراء عصرنا، الذين اولعوا بتوظفها في اشعارهم، وبثوا رؤاهم من خلالها. وهذه التجربة قد مكنت الشاعرة من التعبير عن عرفانيتها واحوالها الذوقية ومجاهداتها النفسية ومقاماتها الباطنية

ها قلبي يصحبني اليك خذني ....

حيث الروح والشغف......

ولما كان الشعر الصوفي شعروجداني روحي، فقد امتاز يخصائصه الذاتية ورمزه المعبرة عن احواله التي تعبر عنها الشاعرة، وهي توجه الخطاب الى معشوقها برمزيته الصوفية فتقول له:

تبتلت حتى صرت منك

ضجيج عشق ...

على ضفاف روحي

اسكب قلبي شوقا

انفذ الى دمي

ومن خصائصه انه يبث روح الطمانينة في نفس السالك بحيث يتحول الى كائن لايرى الدنياالاشيئا لايعنيه زخرفه:

يبعد الوجع عن ذلك القلب

ما عاد بي الم يقهرني

اقتلع مني شوكة

شكرت صباحا

وفي الشعر الصوفي تتطهر الروح من كل ادرانها الدنيوية، لتكون خالصة لمعشوقها التي تجهد ساعية في الذوبان والاتحاد فيه:

وانا اتهجد عشقا في محرابي

تلفني حروف الروح

وتاج النور في دمي

فاسمع بين جسدي

صوتا يتردد ولها

خذني اليك

ها اني اولد عشقا

فيخلق قلبي يصيرني معه

طيفا واحدا في محرابي

ويرتل جسدي رعش الوجد

فتحملني انحناءة العشق بين السماء

اذوب ثانية بين موجة الضوء

اراها تتوحد في انفسنا

وراء القمر

اما لغة الشعر الصوفي، فهي لغة تمتاز بالرقة والسهولة، ولها جماليتها المميزة،، وتنوع دلالاتها، وهي تحظى بقدر وافر من الاشارة والتلويح، وهي كذلك عامرة بالدلالات التي تؤشر الى طريق السالك، وعندما يشتد الوجد ويتحمس الحضور تنطلق بشكل يكشف عن حلتها الصوفية ويرينا رؤيتها وهي تعبر بقولها:

بي دمع سجن الروح يتاديني

الى قلبي..

من باب التمني ادخل جنتي

رايت ربي

النفس تهوى والمدى طريق نفسي

الروح غابت فيك

انما نفسي.. نفسي

والشاعرة قد ضمنت مجموعتها قصائدا غير صوفيه ولكنها تعتني بمواضيعها ورؤاها برومانسية جميلة تنسا ب هادئة بلغتها السهلة والفاظها المحملة بالايقاع المتناسب واجواء القصيدة:، وقد نراها توظف التراث توظيفا فنيا مستعينة بالتناص، لتخلق صورة تحيل الى خزينها المعرفي ومرجعياتها الثقافية، فهي في نصها وظفت الهدهد كطائر لعب دورا هاما في القص القراني، عند استعراضه لقصة النبي سليمان وبلقيس ملكة اليمن، وهي بذلك جمعت بين المتعة والفائدة:

قمري العاشق الوحيد

سمع هدهد عن ملكة

تسبح عبر الزمان والمكان

خبرا جعلع لاينام

وفي نصها الذي يحمل عنوان تراتيل ملكة، تعود لتوظيف التراث برموزه نفسها الذي تناولته في نصها السابق.

وهي رغم انشغالها بعشقها الصوقي، وسكرتها بخمر الكشف والتهجد، لم تنس التزامها بقضية العرب المركزية متمثلة بمدينة القدس ذات الرمزية والمرجعية الدينية والقومية، فهي تبثها مشاعرها واحاسيسها، بلغة تضج بالم الشكوى والشوق لتلك الارض الغالية، فهي تمني نفسها بالعودة اليها والقدوم لها قدوم وفاء لعهد قطعت على نفسها:

اطرق باب القدس

هل من يستمع اناتي

نثرت الحرف

ارى الروح تسبقني اليك

فلسطيني اشواقي

قادمة اليك يوما

المجموعة بنصوصها المختلفة مكنتنا من معرفة جانبا من حياة الشاعرة، ورؤيتها للامور من خلال منظار الشعر، الذي تمكنت من صياغته باتقان محملة اياه اعمق الرؤى والافكار، التي ارى انها تحتوي على الكثير الممتع والمفيد، والذي ينعكس في مرايها صورا روحية ورؤى شفافة لتجربة لازالت تنمو بنشاط .

 

احمد زكي الانباري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم