صحيفة المثقف

سيناريوهات الحلّ الأربعة

ليث الصندوقفي ضوء خطابات ومقترحات وحلول رئيس الوزراء بات من المؤكد أن الرجل قد أفرغ كل ما في خزاناته من الوقود ولم يعد ينفع ضخّ المزيد لتحريك عربة الحكم المتهالكة. لكنّ المشكلة أنّ الرجل ما زال مقتنعاً بسلامة العربة، وبإمكانية تحريكها سواء بالوقود المحلي أو بالوقود المستورد أو بالنفخ أو باستجلاب دافعين من الخارج. وهو في قناعته هذه على خلاف مع المتظاهرين الثوار الذين يحاولون منذ شهر إقناعه من دون جدوى بأن المشكلة في العربة، وليست في الوقود فحسب، فما بالك إذا كان الوقود مغشوشاً أصلاً. وجراء هذا الخلاف في الرؤى بين الفريقين فإن شباب الانتفاضة سيستمرون في ثورتهم ليس من أجل إصلاح العربة المعطوبة، بل باستبدالها بأخرى جديدة وقادرة على اجتياز طرق المستقبل المتعرجة والمليئة بحفر الكائدين وأحجار المتآمرين. ومهما كان ثمن تلك العربة الجديدة، فالشباب دفعوا أرواحهم – وليس أغلى من الروح – لتحقيق هذا الهدف، وأن الأحياء منهم لن يعودوا إلى بيوتهم دون تحقيقه . ولعل تحقيق هدف التغيير الشامل يتحقق بواحد من السيناريوهات الأربعة :

ألسيناريو الأول : أن يتقدم رئيس الوزراء طوعياً بالاستقالة، وتجنيب الوطن المزيد من الدماء والخسائر، وهذا السيناريو يبدو أكثر السيناريوهات استحالة، فالرجل لا يملك قراره بيده، لأنه يبدو مرتهناً لقوى خارجية وداخلية تُملي عليه قراره، فهو الواجهة المعطلة ليد خفية فاعلة، ولا أريد أن أبخس الرجل حقه إذا ما قلت أن موقعه هذا أوجب للتعاطف والرثاء منه إلى الإدانة والاستنكار، فحاله كحال الرئيس الجزائري السابق (بوتفليقة) الذي كانت الدولة العميقة تمسكه - بالرغم من شلله - بكرسي الرئاسة، وتحكم من ورائه البلاد .

ألسيناريو الثاني : وهو سيناريو الإنقلاب العسكري، وهو أسوأ السيناريوهات، ومن حسن الحظّ أن احتمال تحققه هو الأبعد من بين السيناريوهات الأخرى في ضوء العقيدة العسكرية للجيش الجديد، وحصر تدريب وتعليم قياداته بالأكاديميات والمعاهد العسكرية الوطنية مما يجعلهم بمأمن من الإطلاع على تجارب العالم الإنقلابية، ويحول دون انفتاحهم على تاريخ الثورات الشعبية .

ألسيناريو الثالث: وقد تتعاطف وحدات أساسية فعالة من القوات المسلحة مع المتظاهرين، وتتضامن معهم ضدّ ما يتعرضون له من قمع دموي بأوامر مركزية عليا، مع ملاحظة أن هذه الوحدات هي أيضاً على المستوى الإنساني تعاني حالها حال المتظاهرين من النتائج الكارثية للفساد والنهب وانعدام العدالة وتكافؤ الفرص، وكذلك من شيوع ظاهرة الإنفلات الأمني وهيمنة القوى الشبحية والخضوع للإرادات الخارجية. وقد ينجم عن حالة التعاطف أن تتماهي القوات المسلحة بكاملها مع الشعب، وتُباشر عصيانها للقرار الرسمي، والتوقف عن تنفيذ أوامر القمع، وخروجها من صفوف القامعين، والانضمام إلى صفوف المقموعين، فاتحة بذلك طريق مسير الثوار باتجاه مراكز القرار ومواقع السلطة في المنطقة الخضراء، مع احتمال أن تؤدي خطوة كهذه إلى تعاظم وتوسع بؤرة العصيان لتتحول نتيجة هذا السيناريو إلى ذات النتيجة الدموية لسيناريو الإنقلاب، وكلاهما سيعيدان التذكير بتبعات الأحداث المؤسفة وغير المحسوبة لثورة 1959. وقد يبدو هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، في ضوء يأس الشارع التام من احتمال تحقق إي اختراق في جدار الأزمة، وفقدان الثقة بالحكومة وبالقوى السياسية الفاعلة، وفي ضوء الإصرار على الخيار الأمني والقسوة المميتة في مواجهة الثوار .

ألسيناريو الرابع: وهو أن يُبادر رئيس الوزراء بنفسه إلى كسر قيوده التي كبله بها مرتهنوه، وقيادة انقلاب مباغت ضدهم، وضد حيتان الفساد الكبرى، وضد الدولة العميقة، مسنوداً بالجيش وبالمتظاهرين والعشائر والمرجعية، وبكل قوى وفعاليات المجتمع المدني . وهذا السيناريو هو الأنجح والأسلم للبلد وللحكومة إذ سيعيد الثقة المفقودة بها، ويرفع رئيسها إلى مصاف القادة التاريخيين . ولكن هذا السينارية في الوقت ذاته لا يعدو أن يكون احتمالاً طوباوياً مستحيل التحقيق، فليس من المعقول أن يثور رئيس الوزراء على نفسه، وكذلك ليس من المعقول أن يثور على الذين نصّبوه في موقعه .

وما بين كل السيناريوهات المرئية والخفية يظلّ الثوار هم السيناريست الوحيد الذي سيكتب قصة الثورة، وقصة نجاحها. أما القامعون والمتربصون والمتزحلقون على الأمواج فلن يُمنحوا فرصة أخرى لإعادة تمثيل دور جديد في سيناريو الحل الأخير .

 

   ليث الصندوق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم