صحيفة المثقف

تفريغ بغداد من المصورين في الفترة العثمانية

1257  شمهود 2بعد ان سيطر المغول على العراق وايران عام 1258م انتقلت المراكز الفنية من بغداد الى سمرقند وهراة وتبريز واصفهان واسطنبول، وجلب اليها السلاطين المصورين والنقاشين والمزخرفين من كل انحاء الامبراطورية الاسلامية، وقد اسسوا فيها اكاديميات فنية تعلم جميع صنوف الصناعة من الرسم والنقش والخط والتجليد والتذهيب، وكان شاه رخ بعد موت والده تيمور جمع المصورين في هراة من شيراز وتبريز وسمرقند وبغداد والصين، وكان المصورون العراقيون قد توزعوا على هذه العواصم، ويذكر ان هناك مصور عراقي يدعى عبد علي عاش في بلاط سمرقند مكرما، وقد تجمع في هذه العاصمة مئات المصورين من كافة الجنسيات للعمل في البلاط .

وقد اختلطت الاساليب فيما بينها من صينية ومغولية وساسانية وتأثر بعضها ببعض بحيث انتجت فيما بعد فنا عاما اطلق عليه بالفن الاسلامي، وظهرت في زمن الصفويين مدرسة تبريز أبهة وعظمة البلاط والقصور الجميلة وكان الشاه طهماسب 1524 م رساماً بارعاً أسس مجمعاً فنيا في البلاط يشرف عليه الفنان المعروف جلال الدين  بهزاد وقد تجمع فيه كبار وخيرة المصورين من كافة انحاء الامبراطورية وكان المصورون يقلدون مصوري البلاط في تبريز وقزوين .

1257  شمهود 1

ثم ازدهر الفن التركي خاصة في زمن السلطان العثماني سليم الاول 1512 ويعود الفضل الى عدد من الرسامين الايرانيين الذين جلبهم السلاطين للعمل في البلاط. وقد اسس هؤلاء في بلاطهم مدرسة فنية اطلق عليها اسم - نقش خانه - وفي مرحلة من المراحل كان هناك يعمل في البلاط اكثر من الفي رسام ومزوق ومصور وخطاط جلبوا من كافة الاقطار العربية والاسلامية للعمل فيها، وكان هؤلاء ينتمون الى بلدان متنوعة ذات تقاليد فنية عريقة وثقافات ولغات مختلفة .

وبما ان السلاطين كانوا يقدمون الاموال والهدايا بسخاء الى  المصورين فأن هؤلاء يبحثون عن معيشتهم الافضل والاحسن ويأتون للعمل في البلاط، ولهذا فقد خلت بغداد من رساميها ومصوريها ونقاشيها ومرت بعصور جفاف وتخلف .

1257  شمهود 3

وكان السلطان مراد الثالث مولعاً بالرسم 1574 – 1595 وحب الاعمال الفنية وجمعها حيث جمع في عهده مايقارب 2839 لوحة ثمينة وعالية الجودة .

1257  شمهود 4وبعد فتح القسطنطينية عام 1452 اتجه السلاطين العثمانيون الى الفن الاوربي واستدعوا فنانين للعمل في بلاطاتهم، و بذلك بدأ الفن التركي يتأثر بالتقاليد الفنية الاوربية خاصة في عصر النهضة ثم الباروك والركوكوا، من ناحية الظل والنور والبعد الثالث وغير ذلك.

كما ظهر في زمن الشاه عباس الصفوي في ايران بداية لظهور التأثيرات الاوربية من خلال الرحلات الاوربية الى بلاد فارس وتبادل السفارات والتجارة كما ذكرت بعض المصادر الادبية ان المصورين الايرانيين اخذوا يقلدون الاوربيين في اساليبهم الفنية وبذلك بدأ الفن الاوربي يدخل ايران وينسحب على كل المجالات الفنية من التصوير والخزف والجداريات والصور الشخصية وكان يلاحظ احيانا في بلاطات السلاطين لوحات اسلامية الى جانبها لوحات غربية الطراز .

هذا التراجع في الفن الاسلامي والانحسار والغروب في الدولتين الصفوية والعثمانية انعكس سلبا على واقع الفن العراقي (ان وجد في ذلك الوقت) وزاده ظلاما وتخلفا حيث أهمل تماماً وأبعد عن الحياة الاجتماعية و بذلك توقفت حركة الثقافة والادب والفن خلال تلك القرون العثمانية المظلمة..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم