صحيفة المثقف

جثة دون مأوى

فتحي مهذبرن جرس الهاتف بوحشية مفرطة.

هاجم أذنيه الشبيهتين بأذني أرنب مذعور.  تعالى صوت ناظر المستشفى البارد واللامبالي

- الجثة جاهزة بمقدورك القدوم حالا واستلامها.

المطر والشمس يشكلان لوحة سريالية مدهشة. يخلعان دكنة خفيفة على العالم المتحرك .

لفت إنتباهه مواء قطة صغيرة تواجه مصيرها بهشاشة وارفة الظلال تستعطف المارة النائمين دون جدوى. 

حدق في اللاشيء أو فيما ستكون عليه الأمور قادم الأيام.

لقد سحب صاحب المحل محتويات البيت المتواضع إلى الخارج لأنه لم يسدد معلوم الكراء منذ أشهر ثلاثة.

ولكن لم يك بد من إيجاد حل جذري لإيواء جثة أمه التي أعمل فيها الفالج مخالبه الحادة.

الموت والفقر هما العملتان الذهبيتان اللتان ورثهما من العائلة الملعونة.

ماذا سأفعل بهذه الجثة البائسة؟

لا بيت لي الآن والأقارب تحولوا إلى مومياءات لا تصغي إلى نداء الروح المهيضة المخذولة .

عرض عليه صديقه الذي يعمل صيادا في بحيرة مكتظة بالوحوش الغريبة.

- بمقدورك جلب جثة أمك إلى بيتي. سأقيم أنا بكل مستلزمات الدفن. أنت بمثابة أخي لن أتخلى عنك إطلاقا.

سنقيم جنازا رائعا لهذه الفقيدة كما لو أنها أمنا الأثيرة.

لا تشغل بالك يا صديقي.

غير أن عيني زوجته لا تشيان بخير.

هذا ما استبطنه من نظرتها المليئة بالإشارات التي تنم عن الريبة والقلق.

ولكن لم يبال بهذه النظرة المريبة.

ويمم وجهته نحو المستشفى.

سقط الليل بجناحيه السوداوين الغربيبين من أعلى شجرة السماء  ليحول العابرين إلى ظلال متحركة

بعد ساعة تقريبا عاد بالجثة البائسة في عربة إسعاف قديمة.

طرق الباب طرقا متواصلا ولكن لم يفتح إطلاقا.

أدرك آليا أن زوجة صديقه نجحت في طرد الجثة والسخرية من روح الإنسانية التي إستماز بها صديقه المغلوب على أمره.

أسلمه سائق عربة الإسعاف جثة أمه وانصرف .

حمل الجثة واختفى في الظلام.  بينما المطر ظل يبكي بمرارة داخل رحم المدينة.

 

فتحي مهذب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم