صحيفة المثقف

الانجذاب الأسري والأزمة

رشيدة الركيكونحن في فضاء الأسرة لا يمكن أن نعيش دون دفء كاف لإنتعاش الحياة وجمالها، مع أمل الإقتراب الدائم من سعادة موعودة أو حتى مرتقبة تروي عروقنا الأسرية وتنعشها بدل جفائها وذبولها .

 إنه الحب في فضاء الأسرة ما يبث الحياة داخل قلوبنا قبل بيوتنا، والإحساس بالإهتمام والتفهم ما يسعد بعضنا ببعض، فتذب الحياة من جديد بعد أي انقطاع أو حتى قطيعة.

غير أننا ونحن نواجه قسوة الحياة وتحدياتها قد ينخر قوانا أي إحباط أو خوف وهلع، وسيظل يقتل فينا كل ما من شأنه أن يعيد ضجيج الحياة وبريقها.

ونحن نواجه الصعاب سيعم السكون والسكوت القاتل، وفي ذلك ترقب لكل جديد واستعداد له،هي حالة فيها تخوف من انتظارات غير مرتقبة. وأمام لحظات الضياع والشرود تلك يلعب الإنجذاب الأسري دوره في إحلال التوازنات، ليؤثر أفرادها بعضهم على بعض بفضل طاقة المشاعر التي تبعث من جديد الروح في الحياة، وتنتعش بعد حين لتظهر ملامح السعادة الأسرية.

في زمن قريب تهنا عن بعضنا البعض بسبب زحمة الحياة، فكل واحد منا وجد نفسه في قطب بسبب التيار الجارف لحياة مادية ، ثم صعب عليه العودة من جديد دون أن يعرف كيف يعود وفي أي اتجاه يسير.

 لكن فيروس كورونا أعاد كل شيء لمكانه الطبيعي: أعاد اللمة  الأسرية بعد زمن الانفرادية والأنانية، أعاد الخوف على بعضنا البعض وتجسد في السؤال والسماع لأصوات كانت لها وحشة.

الانجذاب الأسري هو ما أعاد القوة للعلاقات بين الأفراد بعدما انهارت بفعل تشتتها، غير أن الأزمة فرضت علينا الدخول لبيوتنا بصوت قاهر يحمل تهديدا من كابوس كورونا المميت.

هي إذن الرغبة في الحياة وغريزة البقاء ما يفرض تقريب المسافات بشكل متحد لأي عناد بشري مبرر. هكذا اجتمعنا على وحدة المصير والخوف من المجهود وانعدام الفرص والحلول، مما خلق قابلية غير مشروطة بضرورة الاقتراب المشروط بمسافة الأمان.

لقد علمتنا الأزمة ثقافة الحدود حتى في العلاقات الاجتماعية، ومنها الاقتراب شريطة أن لا نؤذي بعضنا البعض، وكأنها قصة القنافذ التي قهرتها قسوة الطبيعة ببرودة قاتلة، لكن حين اجتمعت جرحت أشواكها بعضها لبعض وتسببت في إلحاق الألم لغيرها دون قصد. لم يكن  الخلل حينها في فكرة الإقتراب ولكن في الطريقة وعدم مراعاة طبيعتها.

والحقيقة كان عليها وهي تبحث عن الدفيء من قسوة البرد أو حتى هلع الخوف أن تدرس الأمر، بحيث أن تحقق الهدف بشكل من العقلانية ما يحفظ البقاء للجميع.

يبدو أن دروس كورونا تحتاج لمجلدات فيها دراسات نقدية لزمن ما قبل كورونا ولما بعده من حكم. ونحن نتكلم الآن عن الفضاء الأسري وإن كان فضاء مشتركا حتى لوحدة المصير، إلا أنه فيه من مسافة الأمان ما يكفي لضمان حرية الأفراد دون أي حرمان للحقوق الفردية في الحياة الخاصة، والإختيارات التي تضمن الإختلاف المفيد والمثمر محاربة الإستنساخ القاتل.

سكتّ عن الكلام المباح لألخص: نعمة الانجذاب لتحقيق الدفء، بينما نقمة الذوبان ستقضي على الأفراد وإمكانات الإختلاف والتفرد التي من شأنها أن تخنق أي قدرة على الإبداع دافعة السفينة للأمام.

 

بقلم رشيدة الركيك 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم