صحيفة المثقف

كورونا امتحان عسير للبشرية

علي حيدر الحساني تحوّلت الكرة الأرضية الى سجن كبير بفعل الحاكم (كورونا) الوباء العالميّ الذي بدأ من الصين ونشط فيها ليتحول منتشراً يسري الى بلدان العالم ليفرض سطوته على الشعوب، إنّه الفايروس الجديد الذي  يهدّد النّاس، والمرض الفتّاك الخطير الّذي لا دواء له إلا بالإحتياط منه وتجنبه بفعل البقاء  في المنزل وإتباع الإرشادات الصحيّة وحملات التّوعية التي تطلقها السلطات، وفي العراق نعيش أياماً من الحظر مقرونة بالخطر الممزوج بالقلق عبر متابعة قنوات التلفاز والبحث في مواقع التواصل الإجتماعي، لنشهد مدنناً وعواصم عالميةً  في حالة الحجر الصحي وغالبيتها تحولت الى مدن أشباح، وقد شهدنا إغلاق المطارات والحدود وإيقاف الأنشطة والتجمعات الدّينية والترفيهية وغيرها، وممّا زاد من متابعتنا لهذه الأخبار هو فسحة الوقت الكبيرة التي فرضها علينا الفايروس عبر المكوث في البيوت، وقد تحوّل الوباء بمرور الوقت الى مايعرف بــ(الجائحة)، حتى أصبح الأقرباء والأصدقاء ممّن يحتمل  نقلهم للعدوى وإصابتنا بهذا الوباء، بل وأكثر من ذلك صار الفرد منّا يخاف على نفسه من نفسه لو فكّر مثلاً في أن يدعك عينيه أو يلمس فمه دون أخذ الحيطة وخصوصاً في حالات الخروج من المنزل لشراء مستلزمات منزلية مهمة.

 إنّ العالم اليوم يعيش  ظاهرة مرضية خطيرة و فتّاكة لم يسبق لها مثيل وهذه الظاهرة تستدعي التعامل معها بكثير من التأمل والحكمة والتحلّي بروح الصبر وتحمل المسؤولية والإنصات لذوي التخصص بواقعية وحرص شديدين، والعمل بتوصيات المؤسسات الصحية العالمية منها مثل توصيات (منظمة الصحة العالمية) والدوائر الصحية المحليّة المختصّة المتمثلة بوزارة الصحة العراقية، وممّا يؤسف له هو ظهور بعض الآراء والتحليلات بين النخب وعامّة النّاس عبارة عن استقطابات سياسية وإيديولوجية من خلال بث جدل النقاشات والتفسيرات بين العلمانية والتديّن، و ترحيلها على مشهدنا السياسي العراقي المعقد، بعضها يعدّ حالة صحيّة ستلقي بظلالها على تغيّر العديد من المفاهيم والبعض الآخر يندرج في خانة التسطيح و الإستمرار في تجهيل المجتمع، ناهيك عن تحليلات وإشاعات المنجّمين والسحرة والمشعوذين التي تفتك بسواد المجتمع .

وفي خضم هذا الحدث كان لدور المثقفين والمفكرين كل حسب طاقته وجمال تخصصه الدّور الأبرز في مواجهة التحدّيات وتنشيط دورهم التنويري الفاعل في تشخيص المشكلات وبذل الجهود النيّرة في سبيل إيجاد الحلول الناجعة، إنّ عالم اليوم بما يحتجنه من مراكز بحوث متقدمة منشغل إنشغالاً كبيراً ويبحث في إيجاد علاج لهذا الفيروس لإنقاذ البشرية، لقد كشف هذا الفايروس الإهمال الكبير في المجال الصحي لدول العالم وقلة العناية في هذا المفصل الحيوي سواء بتوفير العلاج الأساسي ونقص المستلزمات التي تطلبتها المرحلة فمستشفياتها تعاني من نقص أقنعة التنفس الّتي تنقذ حياة الملايين المهددين بالموت، لقد وضع الفايروس دول العالم أمام إمتحان عسير، هل ستترك أو تخفف هذه الدول من غيّها في الصرف على صفقات الأسلحة وهدر ميزانيات ضخمة على التسلّح  وأسلحةَ الدمار وجيوش جرّارة ؟ هل ستدرك هذه الدول هذا الخلل الكبير في المجال الصحي، فتنفق عليه ما يجب إنفاقه لإنقاذ حياة النّاس ؟ هذا ما ننتظره بعد إنجلاء الجائحة .

كنت أعتقد منذ زمن بما يصوّره لي الغرب أنّه عالم مثقف مليء بالمبادئ الإنسانية من خلال شواهد عديدة يسوّقها لنا الغربيون وكأنّهم إنسانيون أكثر من كل العالم من خلال تسويقهم لنا بعض الشواهد كاهتمامهم بالحيوان وإنشاء مؤسسات ضخمة تعنى بالرّفق بالحيوان ومن خلال توفير فرص عمل للعاطلين عن العمل ولكن كلّ ذلك في وقت الرفاه فكنت أعتقد أنّ الإسلام تطبيقاً هو في بلدانهم وتشريعاً في بلداننا وعندما حمي الوطيس واِصْطَكَّت الأسنّة واشتدّ البلاء بظهورعارضٍ مرضيٍّ هزّ العالم من أقصى الأرض الى أدناها ظهرت الحقائق و انكشفت الخفايا ليتجسد الإسلام تطبيقاً عند أهله من أصحاب (لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله)، فرأينا تطبيق حديث رسول الله (ص): "ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّماءِ".

فرأينا التراحم والتكافل الإجتماعي تطبيقاً على أرض العراق بلد الأنبياء والأئمة بلد علي بن أبي طالب الّذي كان أشدّهم اهتماماً بالنسبة الى المساكين وذوي الحاجة، وكأنّ صدر الإسلام عاد من جديد لنرى التضحية باديةً و المسير على خطا أهل البيت " عليهم السّلام " الّذين نزلت في حقهم الآية المباركة : " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا "، هذا هو مشهد المسلمين في زمن الكورونا فأين دول الرفق بالحيوان فنلاحظ أنّ هذه الدّول لم يتجسد رفقها بالإنسان، إذن أهتمامهم بالحيوان لم يأتِ إلاّ عن غريزة ذاتية من باب اللهو بالحيوان لكي يسعدهم وليس حقيقة الرفق به، وهنا نتساءل هل سيصبح العالم ما بعد كورونا عالماً متصالحاً خالياً من الحروب والدمار والأوبئة والتلوث؟، أعتقد أنّ العالم لن يكون ما بعد الوباء كما قبله، وسنرى تغييرات على صعيد الأفراد والمؤسسات وتحوّلاً كبيراً في الكثير من السياسات وستتأثر العديد من المعتقدات وتتغير العديد من المفاهيم .

 

علي حيدر الحساني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم