صحيفة المثقف

حوار مع المؤرخ والفيلسوف السياسي الهولندي لوك فان ميدلار

1467 لوك فان ميدلاروحديث عن الاتحاد الأوروبي وأزمة كورونا:

ترجمة: بشار حاتم

الصحفي دانييل شتاينفورت: السيد فان ميدلار، بعد الأزمة المالية في عام 2008 وأزمة الهجرة عام 2015، تعد أزمة كورونا هي الثالثة وربما الأكثر خطورة في تاريخ الاتحاد الأوروبي. هل يمكنها تمزيق المجتمع الدولي؟

لوك فان ميدلار: أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن أزمة وجود  للاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة. نحن نتعامل مع أزمة صحة عامة، التي هي بالأحرى أزمة وطنية كبيرة تشمل جميع البلدان الأوروبية. الرؤساء ورؤساء وزراء الحكومات والملوك يتحدثون إلى مواطنيهم وكذلك إلى أعضاء المجتمعات الوطنية للمصير المشترك. هذه الحكومات الوطنية في طليعة مكافحة الفيروس لأنها مسؤولة عن السياسة الصحية. بالنسبة لي هذا هو الفارق الكبير بالنسبة للأزمة المالية، حيث كان اليورو أحد أهم إنجازات التكامل الأوروبي. واجهت العُملة المُشتركة خطر الانهيار ثلاث مرات. كان يُمكن أن يشكل هذا الأمر صدمة للاتحاد الأوروبي.

الصحفي دانييل شتاينفورت: الا تعتقد أن نزاعات الماضي التي لم تُحل ستتداخل مع الأزمة الحالية في الإتحاد الأوروبي؟

لوك فان ميدلار: بالطبع، ستكون هناك عواقب اقتصادية كارثية جراء التوقف بسبب كورونا. هناك أزمة جديدة تلوح في الأفق. لحسن الحظ، بذلت دول الاتحاد الأوروبي بعض الجهود لتخفيف أسوأ الآثار. صحيح أن صراعات العقد الماضي قد لحقت بنا عندما يتعلق الأمر بالإحباط المكبوت والجروح التي لم تلتئم بعد. وهذا أمر لافت للنظر بشكل خاص في الجدل الحالي حول التضامن المالي: لقد شعرت إيطاليا سلفًا أن شُركائها في الاتحاد الأوروبي قد تخلوا عنها بخصوص سياسة الهجرة. لذلك يُحاجج البعض في أن سندات اليورو ستكون العرض الحاسم إذا لم يفز ماتيو سالفيني في الانتخابات المقبلة.

الصحفي دانييل شتاينفورت: هل هذه حجة مفهومة بالنسبة لك؟

لوك فان ميدلار: نحتاج أيضًا إلى مُراقبة الجانب الشمالي من المعادلة. وهؤلاء هم المتشككون باليورو بشكل أساسي في ألمانيا وهولندا،الذين ينتظرون فقط للاستفادة من كل خطوة تتخذها حكوماتهم تجاه تعميم الديون بشكل دائم. أن نقاش سندات كورونا هو حقل ألغام سياسي مُنتشر في كل مكان.

الصحفي دانييل شتاينفورت: عندما يتحدث الإيطاليون عن التضامن، فإنهم لا يقصدون فقط سندات كورونا المالية.

لوك فان ميدلار: بلا شك تم التخلي عن إيطاليا في المراحل الأولى من الأزمة. لم تحصل على المساعدة التي احتاجتها. وبدلاً من ذلك، فرضت ألمانيا وفرنسا قيودًا على تصدير الملابس الواقية الطبية، وهذا ما لا يُمكن تبريره. كان على الفيروس أولاً عبور جبال الألب بشكل مأساوي  لإقناع الأوروبيين الآخرين بأنه خطير.

الصحفي دانييل شتاينفورت: السؤال : ما مقدار الأنانية والمعارضة التي يمكن للاتحاد الأوروبي تحملها؟ ابن بلدكم، نائب رئيس المفوضية، فرانس تيمرمانس، حذر قبل أيام من أن اتحاد الدول كما نعرفه لا يُمكنه النجاة من هذه الأزمة.

لوك فان ميدلار: أريد الإجابة على ذلك من منظور تاريخي. كم مرة تم توقع نهاية الاتحاد الأوروبي ونهاية اتفاقية الشنغن أو نهاية السوق المُشتركة في العقود الماضية؟ حتى أن بعض الاقتصاديين الأنجلو ساكسونيين حددوا قبل عشر سنوات إلى حد كبير اليوم الذي سيندثر فيه اليورو. ومع ذلك، لا يزال موجود حتى اليوم. أعتقد أن الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة مما يعتقد المرء. عندما تكون الوحدة على المحك حقًا، فهناك دائمًا نوع من التلاحُم اللامرئي الذي يُحافظ على صلابتها. أعني بذلك ليس فقط السعي وراء المصالح الاقتصادية،ولكن أيضًا الوعي الثقافي والتاريخي الأعمق لكونها جزءًا من أوروبا.

الصحفي دانييل شتاينفورت: هل الأزمات هي ببساطة جزء من الاتحاد الأوروبي؟

لوك فان ميدلار: أجل في بعض الأحيان، يتعين على رؤساء الدول والحكومات التباحث حول الأزمة واتخاذ قرارات سريعة مُمكنة. يُمكن القول أن الذعر جزء من إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي. يحتاج النظام إلى شعور بالبقاء ليُصبح نشطًا. أعتقد أن هذا كان أيضًا السبب وراء إدلاء فرانس تيمرمانس بهذها التصريح المُثير.

الصحفي دانييل شتاينفورت: وصف الكاتب الألماني هانز ماغنوس إنتسنسبيرغر الاتحاد الأوروبي بأنه " وحش بروكسل اللطيف" عندما يتعلق الأمر بقوة البيروقراطيين والعجز السياسي للمواطنين. كم من هذا الوحش لا يزال موجودًا في مؤسسات بروكسل اليوم؟

لوك فان ميدلار: في الواقع، تجاوزت أحداث السنوات العشر الماضي حكياةة إنتسنسبيرغر. بالطبع، لا تزال السوق المُشتركة جزءًا مركزيًا من الاتحاد الأوروبي. لكن المُناقشات العامة اليوم لم تعد حول درجة انحناء الخيار أو الكليشيهات البيروقراطية الأخرى، وإنما حول الأمور التي تؤثر على الناس بشكل مباشر: أمور تتعلق بالحدود، والعملة،وعلاقاتنا مع روسيا، مع الصين، ومع الولايات المتحدة . أصبح الاتحاد الأوروبي أقل أهتمامًا بالتفاصيل التكنوقراطية مقارنة بالأحداث غير المتوقعة. أسمي هذه سياسة الأحداث التي بدورها حلت محل السياسة الاعتيادية. كان على الاتحاد الأوروبي أن يُعيد اكتشاف نفسه كنظام قائم على القواعد وغير جاهز للتعامل مع الصدمات والأزمات.

الصحفي دانييل شتاينفورت: كيف تبرز سياسة الأحداث نفسها في أزمة كورونا؟

لوك فان ميدلار: تجسد أزمة كورونا كيف يتعين على السياسيين قبول العيش مع انعدام الامان. أدركت المُستشارة الألمانية ميركل ذلك عندما وصفت الأزمة بأنها "خطيرة ومفتوحة على جميع الاحتمالات". وقال الرئيس ماكرون، الذي لم يعترف قط بعدم معرفة شيء ما في الأوقات العادية، في خطابه الأخير إلى الفرنسيين أنه يريد أبلاغهم: "ce que nous savons et ce que nous ne savons pas" (ما نعرفه وما لا نعرفه)  إن الغموض بشأن ما يفعله الفيروس لمُجتمعاتنا يجعل أي نهج بيروقراطي صعبًا - وبطريقة أكثر جوهرية من الأزمات السابقة.

الصحفي دانييل شتاينفورت: وماذا تعتقد، هل كافحت مفوضية الاتحاد الأوروبي باعتبارها قلب بيروقراطية بروكسل في الأزمة؟

لوك فان ميدلار: خففت المفوضية قواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي وقواعد مساعدة الدولة في مرحلة مبكرة للغاية. وهذا أعطى الحكومات مجالا للعمل، على سبيل المثال لإنقاذ الشركات من الإفلاس. وأدركت أن الدول الأعضاء في طليعة الكفاح من أجل الحياة والوظائف. خاب أملي بخصوص تنظيم برنامج شراء المعدات الطبية. كان هناك حديث عن مُهل تمتد لشهور في المناقصات العامة، على الرغم من أن إيطاليا كانت بحاجة إلى المُساعدة في غضون 24 ساعة. هنا لم تدرك الهيئة أننا لم نعد نعيش في أوقات اقتصادية عادية. على الأقل فيما يتعلق بسوق السلع الطبية، كان ينبغي أن يبدأ اقتصاد حرب، كما فعل الرئيس الأمريكي.

الصحفي دانييل شتاينفورت: هل المفوضية قادرة على القيام بذلك على الإطلاق؟

لوك فان ميدلار: نعم، فذلك موجود حتى في حامضها النووي DNA. كان جان مونيه، أحد الآباء المؤسسين للمفوضية الأوروبية، وقد نظم هذا الرجل الطلب على السلع والخدمات اللوجستية للحلفاء في حربين عالميتين. بالطبع، هناك دائمًا حجج جيدة بشأن الإجراءات البيروقراطية: فهي تهتم بالعدالة والقُدرة على التنبؤ، ويتم التعامل مع الجميع نظريًا بنفس الطريقة، وتمنع الفساد، وما إلى ذلك. ولكن في أوقات استثنائية، يجب اتخاذ قرارات مرنة، لأن الأمر بتعلق أكثر بالقدرة على اتخاذ القرار السريع وقوة القيادة.

الصحفي دانييل شتاينفورت: بالعودة إلى "التلاحُم اللامرئي" الذي حسب رأيك، يُلاحم اتحاد الأوروبيين: وفقًا لاستطلاعات الرأي في إيطاليا، فإن أقلية فقط من المواطنين تُجاهر الآن بالتزاماتها مع الاتحاد الأوروبي. الا يقلقك هذا الأمر؟

لوك فان ميدلار: بلى. وقد رأينا في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن الدعم غير الكافي يمكن أن يؤدي إلى إنهاء العضوية. ومع ذلك، لم يكن البريطانيون أبدًا أعضاء من صميم القلب، ولم يكن لديهم أبدًا شعور حقيقي بالهوية مثل الإيطاليين. خيبة أمل الإيطاليين حقيقية للغاية، في الوقت الحالي يميل البعض أكثر نحو الروس والصينيين من الألمان والفرنسيين. لكني أعتقد أنه لا يزال هناك وعي واسع بأن فوائد البقاء في الاتحاد الأوروبي تفوق فوائد الانفصال عنه. ولا يمكنني أن أتخيل أن التعاطف مع روسيا والصين مُستدام من الناحية السياسية.

الصحفي دانييل شتاينفورت: ماذا عن الوضع في بلدك؟ وما هو حجم التأييد على المشروع الأوروبي في هولندا؟

لوك فان ميدلار: وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن الغالبية العُظمى من الهولنديين سيصوتون للبقاء في الاتحاد الأوروبي. من غير المُحتمل حاليًا وجود "Nexit انسحاب هولندا من الاتحاد الأوروبي". هناك الكثير من نقاط الاحتكاك مع بروكسل التي تعطي أيضًا الريح الخلفية للمتشككين بالاتحاد الأوروبي. لكن الهولنديين براغماتيين. إنهم يعرفون المزايا التي يُمكنهم الحصول عليها من السوق المُشتركة.

الصحفي دانييل شتاينفورت: جعلت هولندا في الآونة الأخيرة نفسها لا تحظى بشعبية كبيرة في النزاع حول مساعدات كورونا. أراد وزير المالية Wobke Hoekstra أن يعرف لماذا لا تمتلك بعض البلدان القدرة المالية الكافية لكبح آثار الوباء.

لوك فان ميدلار: كان ذلك نوعًا ما حماقة ولم يكن لحظة دبلوماسية حاسمة. الموقف الهولندي قابل للمُقارنة تمامًا مع الموقف في ألمانيا، حيث يتم تقاسم نفس التحفظات حول سندات اليورو. تكمن المُشكلة في أن البلدين يتعرضان حاليًا لضغوط معنوية كبيرة. في الوقت الذي ينطوي الأمر فيه حول الحياة والموت، فإن حجة التعامل بمبدأ هي أكثر أهمية مما كانت عليه في وقت كان يُمكن فيه للمرء أن يتهم بلد لأسباب تجارية سيئة.

الصحفي دانييل شتاينفورت: أين ترى سويسرا في هذه الأزمة؟ تقليديًا هناك مستوى عالٍ من الشك في الاتحاد الأوروبي من قبل سويسرا، وقد يشعر الكثيرون بأنهم على صواب عندما يتطلعون إلى الخلافات الحالية. في الوقت نفسه، يشعر الجميع أننا في قارب واحد وأنه لا يُمكننا النجاة من دون تعاون.

لوك فان ميدلار: من المهم أن سويسرا بصفتها دولة خارج الاتحاد الأوروبي، ليست أقل تعرضًا لأزمة الصحة العامة والأزمة الاقتصادية القادمة من جيرانها. في هذه الحالة، كما هو الحال في جميع البلدان الأوروبية، هناك روايتان سائدتان في الخطاب العام: واحدة تؤكد ما هو مشترك والأخرى تؤكد ما يفرق أوروبا. يجب أن يذكرنا هذا أيضًا بأنه لا ينبغي فهم أي بلد على أنه كتلة مُتجانسة وأن هناك وجهات نظر وتعارضات مُختلفة ليس فقط بين الدول ولكن أيضًا داخلها.

 

...........................

معلومات عن ضيف الحوار:

لوك فان ميدلار، المولود عام 1973، هو أستاذ قانون في الاتحاد الأوروبي والدراسات الأوروبية بجامعة لايدن ومحلل سياسي لـ «إن آر سي هاندلسبلاد» و «دي ستاندارد». من عام 2010 إلى عام 2014، عمل المؤرخ والفيلسوف السياسي ككاتب خطب ومستشار موثوق لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي. اشتهر الهولندي بكتابه "من القارة إلى الاتحاد - الحاضر وتاريخ أوروبا المتحدة"، الذي نُشر في عام 2016 .

عن صحيفة NZZ  السويسرية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم