صحيفة المثقف

حينما تحمل القصيدة المُترجَمة أحاسيسها الأصلية

احمد فاضلد. إنعام الهاشمي وفلاح الشابندر وقصيدة:

"سماء من ماء " أنموذجاً

(قراءة ترجماتية)

هل تكفي عشر سنوات مَضينَ على ترجمة أ. د. إنعام الهاشمي لقصيدة الشاعر فلاح الشابندر "سماء من ماء"، باستعادة قراءتها مرة أخرى للوقوف على المساحة الجمالية لتلك الترجمة، أبداً لا تكفي، لأنني دائماً ما أكتشف فيها الإحساس بالمفردتين العربية والإنكليزية، اللتان قربتا المعنى وبشكل مذهل من بعضهما البعض، ففي هذا المقال لن أتعامل مع نظرية الترجمة كمنظور مهني احترافي، ولكني سأحاول الإجابة على السؤال التالي :

ما معنى أن تترجم قصيدة ؟ الهاشمي أجابت على هذا السؤال حينما اختارت نص الشاعر الشابندر "سماء من ماء"، فالمترجم لا يختار إلا ما يوافق ذائقته، لأنه أولاً وأخيراً هو جزء لا يتجزأ من منظومة القارئ باعتباره قارئاً قبل أن يكون مترجماً، من هنا كان اختيار الهاشمي لهذا النص الذي وضعت له كل أدواتها الترجمية وظهر بالشكل الذي عليه، فإذا أضفنا معرفة المترجم بالشاعر وقراءته لإعماله والاعجاب بها، فسيكون سبباً آخراً يضاف لسؤالنا الذي بدأناه، الشابندر لفت انتباه الهاشمي باستخدامه: وهي الرمزية الشعرية المصطلح الذي Poetic symbolism

استخدمه الناقد الفرنسي جان مورياس لتمييز الرمزيين عن الانحطاطات الشعرية التي سادت في تلك الفترة قبيل انتهاء القرن الثامن عشر، وكانت إلى حد كبير رد فعل ضد الطبيعة والواقعية، وأساليب مناهضة للمثالية، كانت محاولات لتمثيل الواقع في خصوصيتها الجريئة، ورفع المتواضع والعادي على المثالية كانت الرمزية رد فعل لصالح الروحانية والخيال والأحلام، الهاشمي في توطئتها قالت :

" ماجذب انتباهي الى هذا النص الرمزية الأسطورية فيه، ففلاح الشابندر كما لاحظتُ بدأ في هذا النص سلسلةً من الفهارس، من فهرس الطير الى " فهرس الشاعر " في نص أخر يحمل هذا العنوان، وكأن الفهارس هي ملحمة أسطورية بين الطير والبحر .. يبدأها هنا بالطير المحلق فوقهم كالقدر، يتبعهم في حلكة ليلهم وتأهبهم لرؤية مايخرج من مأواه في تعلقهم بالمفاجئ، ولكنه يتأخر ثم يظهر هناك مرة أخرى يصفق بجناحه ويحط علي شراع مركبهم .. فيتبين لهم أنه صاحبهم الشاعر ! فلا غرو أنَّ بِذارَه الكلمات ! " .

كذلك وجَدتْ الهاشمي في شعر الشابندر مشاعر صادقة، وصور تتخطى عالمه، وإيقاع عجيب، جميعها تمثل في النص الذي اختارته " سماء من ماء "، وقد وضعت في حساباتها الترجمية أنه سيكون مقروءاً من الآخر بلغته ولكنته الإنكليزية، فتعاملت معه بمهنية عالية باستخدامها المفردة الدالة على المَعنَيين – عربي إنكليزي – وفق مفاهيمهما والتركيز على فحص إيقاعهما للتأكد من أنهما انتقلا بسلاسة من النص الأصلي وبالعكس، كما في مفتتح القصيدة * .

نحن هنا لن نفكك النص بل سنسعى للوقوف على جماليات ترجمته بالاستماع إلى صوته الأصلي، وحمل تلك الأصوات نفسها إلى ترجمتها بالحفاظ على معانيها ونبرتها، أنظر كيف وضعت الهاشمي الأبيات الخمسة الأولى العربية مقابل مرادفاتها الإنكليزية وبلغة Shakespeare's poetic language شكسبير الشعرية

التي غالباً ما نجد فيها عند قراءتنا لها، جاذبية محببة، وتكرار الأصوات المتشابهة الدالة على تنوع المعنى وإغناؤه، كالحروف الساكنة أو التجمعات الساكنة في مجموعة من الكلمات، هي أحد العناصر الأساسية في قصائده، تتجلى جميعها في مسرحيته روميو وجولييت، و " الجاذبية " التي قصدناها كانت واحدة من أبرز ميزات اللغة الإنكليزية القديمة التي لجأ العديد من الشعراء الإنكليز أليها في قصائدهم – هي هنا في بلادنا العربية القصيدة الكلاسيكية التي حينما تترجم تصبح نثراً مع احتفاظها بإيقاعاتها وتفعيلاتها -، وهي نموذج مهم آخر لشكسبير، أما الإشارة إلى مختلف المجالات الثقافية مثل التاريخ والأساطير والفلسفة والدين وعلم الفلك، فهي سُمات قوية في شعر شكسبير حاولت الهاشمي تقريبهم للمعنى الإنكليزي وهي تضع مرادفاتها، إلى جانب الجناس وإيقاع المفردة العربية وما يقابلها من إيقاع المفردة الإنكليزية، دون أن نشعر باختلاف أو خلل معهم، كما في المقاطع الثمان منها .

ومن البديهي أيضاً أن ميزات الشعر قائمة على الصوت أو النحوية أو الهيكلية أو البراغماتية بطبيعتها، وبصرف النظر عن تحولات النص، فإن ترجمة الشعر تشتمل أيضاً على الإدراك والخطاب والعمل من قبل، وبين الفاعلين والنصوص في سياق مادي واجتماعي، فعادة ما يهدف مشروع ترجمة الشعر إلى التعريف بالشاعر أو الشعراء، يهتم مترجمو الشعر بتفسير طبقات معنى قصيدة المصدر، وترحيل هذا التفسير بشكل موثوق، و / أو " إنشاء قصيدة في اللغة الهدف تكون قابلة للقراءة وممتعة كنص أدبي مستقل "، فقد تنطوي ترجمة الشعر على تحديات، فالشعر يمثل نسبة ضئيلة من مخرجات الترجمة العالمية، ومع ذلك فقد هيمنت دراسات الحالة والأمثلة المأخوذة من الشعر على بناء النظريات في دراسات الترجمة على حساب الأنواع الأكثر منها، الهاشمي لم تغفل عن كل ذلك لسبب بسيط كونها أستاذة تمرست على إتقانها للغة غير التي كانت تتكلمها وهي العربية، ومن جهة أخرى دراستها في نيلها شهادتي الماجستير والدكتوراه، اللتان مهدتا لها الإمكانية العلمية وإقامتها الطويلة ولا زالت في الولايات المتحدة الأمريكية، والتعرف عن قرب على اللهجات المختلفة التي ينطق بها الأمريكي المتعدد الأعراق، وهي " ضرورية " بنظري

للقيام بعملية ترجمة غير منقوصة المعاني والأحاسيس، فقد يتوقف معارضو الترجمة الشعرية مثل دبليو . بي . بيتسون و توركو، أمام الأسباب التي تمنع ترجمة الشعر خاصة منه الفلسفي، لأنها وكما يقولون:

" لا تصبح قصائد مترهلة فحسب، بل قصائد جديدة بلغة جديدة، ويشددون على أن الشعر في الترجمة يفقد بالتأكيد عناصره الأساسية، تتماشى هذه الآراء مع الاعتقاد بأن الشعر ضائع كليا في الترجمة، أنا مع هذا القول، إلا إذا انبرى له أستاذ متمرس يفهم اللغة الأخرى كما فعلت د . إنعام الهاشمي مع قصيدة الشاعر فلاح الشابندر وقصائد أخرى لشعراء كُثر .

ويبدو البروفيسور هاء . جيم . ويدوسون في كتابه:

، Stylistics and the Literature of Literature

"علم الأسلوب وأدب الأدب"، أقل تطرفاً من غيره ويفترض أن ترجمة الشعر صعبة للغاية بسبب " نقش الصوت والإحساس في المعنى الواحد "، وقد تم التعبير عن آراء عديدة في هذا الصدد فعلى سبيل المثال، يعتقد أحد النقاد أن الشعر غير قابل للترجمة في حالة ترجمته، سيتم تشويه عداده، وتعطل نغمته وتختفي المتعة، ينبع هذا الرأي من حقيقة أن كل لغة لها عدادات شعرية وموسيقى خاصة بها، فهل يجب علينا إذن الامتناع عن ترجمة الشعر أم محاولة ترجمته بغض النظر عن جميع الاحتياطات ؟ والرأي الثاني، إذا تُرك الشعر بدون ترجمة، فإن القارئ له سُيحرم من عدد كبير من الأعمال الشعرية التي تعتبر روائع بحد ذاتها، فلا يمكن تحقيق ذلك ما لم يكن لدى المترجم موهبة خاصة، وقد أثارت بعض الترجمات الشعرية العميقة إعجاب القراء باللغات الأخرى، وهناك قلة من النسخ المترجمة تم اعتبارها أكثر إضاءة من النسخة الأصلية .

إن صعوبة الترجمة الشعرية تقود الكثيرين إلى الاعتقاد بأن مترجم الشعر يجب أن يكون هو نفسه شاعراً، وإلا فلن يجرؤ على ترجمته، ظهرت هناك أيضاً محاولات أخرى لترجمة الشعر إلى نثر إيقاعي، فخليل مطران الشاعر اللبناني الكبير والملقب بشاعر القطرين والذي عاش معظم حياته في مصر، على سبيل المثال ترجم بعض مسرحيات شكسبير بتطبيق النثر الإيقاعي، ومع ذلك لا يوصى بالترجمات النثرية الصافية حيث يتم فقدان الكثير من موسيقى الشعر فيها .

في الختام، يمكن ترجمة الشعر من قبل أولئك الذين لديهم اهتمام عميق بالشعر والذين يمتلكون الإحساس والشعور الشعري، بالإضافة إلى إتقانهم للغة الأخرى، الشاعر في هذا الصدد، مترجم رئيسي، ولكن، كم عدد الشعراء الذين يتقنون لغة أجنبية ؟

 

كتابة / أحمد فاضل

...................

* لرؤية نص الشاعر فلاح الشابندر "سماء من ماء"، وترجمته من قبل أ . د . إنعام الهاشمي يرجى الذهاب للرابط أدناه:

http://www.alnoor.se/article.asp?id=80084

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم