صحيفة المثقف

نزيف الشمس

عبد الاله الياسريحزيـنٌ مســـــائي. خطوتي مالهــا دربُ

ولا شـفتي بين الكؤوسِ لهــــا شُــــربُ

 

جـريـــحٌ. خفيُّ الجــرحِ. لا الآهُ في فمي

فـأســــلوْ، ولا قلبــي لدمعـتـِـــــــه هُـدبُ

 

أُلاحـــــــقُ في بغـــــــدادَ حُلمـاً. لعلَّــنـي

أُداوي بـه ليـــــــلاً تهـاوتْ بـه الشُـهْـبُ

 

وطـالَ انتـظاري. أَخجـل الصبـرُ رايـتي

وأَعيا حســامي اليـأسُ واقتـادني الكربُ

 

عيــــونــيَ أَفـــــــــراخٌ. تُحـــــوِّمُ حَـدْأَةٌ

عليها. جنـاحـاهــا المجاعـــــةُ والرعـبُ

 

جنـــاحـيَ مكســـــــــورٌ وعشّيَ نجمــةٌ.

فيــاليَ مـن نسْــــــــرٍ بمقبــــرةٍ يحبـو!

 

حُشِـرْتُ مـع الموتَى ربيعــــاً بصحوتـي

يَضــخُّ أَريــــجَ الوعي في جثَّـتي القلـبُ

 

أَصيــحُ: يميـني! راودَ الثلــجُ جمــــرتي

بـــلا ثـمـــــرٍ للآنَ! أَخســــــأَكِ الجـدبُ

 

بــلاديَ أَذوَى صَـرخــةَ الفجــرِ صمتُهـا

لـوَى شـمسَهـا ليــــــلٌ، وأَطفــأَهــا نهبُ

 

بـــلاديَ حُبـلَى. راعَها النـــــزفُ. طفلــةٌ

تضيـــعُ. نبيٌّ دربُــــه القتــــــلُ والصلبُ

 

ونحن نُخفِّي المـــــاءَ، والعمــرُ واحـــةٌ

إِذا صدِئَ الينبــــوعُ غـــادرهـا العشـبُ

 

أَفيقي جــذوري!أَرهـقَ البــردُ خضرتي

وأَخلـفَ ميعـــــاداً ربيـــــعٌ لــــه أَصبـو

 

أَنـاغيمــةٌ. بــرقي ذرَى النــــارِ. زخَّتي

نزيــفٌ. سـمائي الوردُ والشـاطئُ العذبُ.

 

أَنا بيـتُ شعـــرٍ للجيــــــــــاعِ. تخـــافني

زبــانيـــةُ الـــوالي، وتخشـــانيَ الكتــبُ

***

شـــربـتُ ميــاهَ الحــزنِ. حنَّطتُ دمعـتي

كفـرتُ بربِّ الصمتِ. لم يغضـب الـربُّ

 

فزعتُ لأَهليْ. استغربَ الصوتَ إِخـوتي

تهجَّـتْ دمي أُمِّي. نفَـى وجهيَ الصحـبُ

 

صرختُ: رفيـقي! تسـحقُ الريــحُ جبهتي.

يديــــــكَ! أَغثني. همَّتي غالَهــا الخطـبُ

 

أَنــا، أَنـتَ رايـاتٌ. فــوارسُ. مهـــــــرةٌ.

يمينٌ. حســــــامٌ. لاتقــلْ:فاتنــــا الركـــبُ

 

تعـالَ ـ إِذاًـ نفتــــــحْ شـبابيــــــكَ من دمٍ

تُنـــــوِّرُ بيتـــاً فيــــه يَختبـــئُ الغيـــــبُ

 

إِذا أَنـا لـمْ أُحـــــــرَقْ ومثـليَ صــاحبـي

فمَـنْ ذا يُضئُ الدربَ إِنْ أَظلــمَ الدربُ؟

***

تأَمَّلتُ مـالـــم يُــــدركْ الجهـــــلُ كنهَـهُ

رأَيـتُ مـلاكـــــاً وجهُه الشــاةُ والذئــبُ

 

رأَيتُ حَمَامـاً يشـتهي اللحـــــــمَ. راعَني

لهـــا شـَـــبَهٌ بالذئـبِ أَفــراخُــهُ الـزُّغْبُ

 

صرخـتُ:أَبي اهجـرني. كفــرتُ بفكــرةٍ

أَنا الفكـرةُ الأُخـرى. أَنا الشــوقُ والحبُّ

 

أَزحـــتُ إِلــــــهَ البنْــجِ عنِّـــي. تيقَّظـتْ

همــومـيَ أَطـفالاً يحاصــــرُهــا كـلــبُ

 

يَخـضُّ دمي عشــقٌ غـريـــبٌ. يصكُّـني.

أَصيــــحُ. ولا ليـلَى تُجيــــب. أَنــا الصبُّ

 

وأُنبئُ طيــرَ الضـوءِ ذا الفجـــر مُقبــلاً

فيغفو مريـضَ العـــزمِ. أَثقلَــــهُ الشيـبُ

 

بكيـتُ كسيـــرَ الحُلـمِ. لاالطيـنُ في يـدي

ولا الشجرُ الظامي، ولا الرعدُ والسحبُ

 

وقد ملَّني صبــري. أُريـــدُ جنـــــــــازةً

لحبِّيَ، أَو شـمسـاً يُغنِّي لهــــا الشـــعبُ

***

عبد الإله الياسري

1972م بغداد- العراق

.......................

* أَنشرهذه القصيدة (نزيف الشمس) تلبية لطلب من سألني عنها من الأصدقاء والصديقات، بعد أن كتب مشكوراً (الأستاذ . د. عبدالكاظم الياسريّ)، في 14حزيران/ يونيو 2020م، على مدوَّنته في الفيس، عن قصيدتين قديمتين لي. تذكّر بضعة ابيات من إحداهما (قافلة الأحزان)، ولم يتذكّر من الأخرى (نزيف الشمس) غير قافيتها. ودونكم ــ أيّها القرّاء الأعزّاء ــ نصَّ مكتوبه للإستئناس:

"احدثكم اليوم عن صديقي على هذه الصفحة السيدعبدالاله الياسري . كنت في المرحلة الاولى من كلية الاداب وهوفي المرحلة الرابعة من التربية الملغاة كما اظن. كان شاعرا من الطراز الاول سمعت منه قصيدتين الاولى قافلة الاحزان وهي ميمية والاخرى بائية لا اتذكرعنوانها. تخرّج ولم اعرف عنه شيئا . بعدها في يوم كنت القي محاضرة على طالبات الماجستير استشهدت بابيات من قافلة الاحزان كنت احفظها واردفتها بقولي ولااعرف شيئا عن شاعرها الياسري فقالت احداهن وهي اديبة واعدة انه حي يرزق ويعيش في كندا وارسلت الي عنوان صفحته. حين القى قصيدته في قاعة الحصري اثرت كثيرا في الحاضرين مما دفع احد المسؤولين الكباروهوشاعر ان يعلق:العراق ليس فيه ماوصفت. ساذكرهنا ابياتا كنت احملها معي اعجابا بها منذ خمسين عاما يقول:وهاانا يابغدادجئتك ميتا، قفي واخلطي الحناء بالمدمع الهامي، خذي الحزن من عينيَّ يقصصْ حكايتي، وينبئْك كيف الريح الوت باعلامي ، انا القمح والنخل العراقيّ انحني، يبوسا واهوي جانب الشاطيءالظامي، فلا فرسي يعدو فاحضن رايتي، ولاحربتي تردي ولاساعدي رامي، هبيني رصيفا تستريح حقائبي، عليه فقد ماتت من السيراقدامي، انا الظميء المهموم الهث حاملا، على ظهريَ المسبيِّ تابوت احلامي، اكاد اذا هدَّ الزمان صريفتي، وهاجرت كالشحاذ احمل ايتامي، اهشّم محرابي وارجم توبتي، والعن تكبيري واعبد اثامي، اما البائية فلم احصل عليها. كان (. . . )"

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم