صحيفة المثقف

اللغات القوقازِيَّة (2)

يشير مصطلح ,,اللغات القوقازِيَّة,, إلى مجموعة اللغات المنتشرة في مناطق القوقاز، أي في (المناطق الجغرافِيَّة المشار إليها في المقدمة)، في الفترات الزمنيَّة التي سبقت دخول أقوام أخرى إليها من الأوروبيين والتورك والسامِيَّين وغيرهم. تم التطرق مراراً إلى العدد الكبير من اللغات المنتشرة هناك في كتابات المؤرخين اليونانيين مثل شترابو (STRABO) (63 ق.م. ـ 20 م.) و بلينيوس (PLINIUS) (23 ـ 79 م.) في القرن الأول للميلاد، وكذلك بعض المؤرخين العرب ومنهم المسعودي و الحوقل و أبو الفدا وغيرهم في القرون الوسطى، كما تمت الإشارة إلى ذلك عند المؤرخين الفرس، حيث كانوا يتكلمون عن عددٍ كبيرٍ جداً من اللغات القوقازيَّة يصل تعدادها عند البعض منهم إلى 360 لغة. يبلغ المجموع الكلي لِللغات القوقازِيَّة المعاصرة التي تم توثيقها رسمياً لحد الآن 40 لغة وفيها أكثر من 120 لهجة ينطق بها أكثر من 11 مليون إنسان. إنقرضت الكثير من هذه اللغات دون أن تترك آثاراً لها مثل اللغات الهوريتِيَّة والأغوانِيَّة والأبسيليَّة والآرتَئِيَّة وغيرها. كان لتواجد هذا العدد الكبير من اللغات في هذه المناطق أسباب كثيرة منها إتساع الرقعة الجغرافيَّة لأماكن إنتشارها ووعورة التضاريس الجغرافيَّة السائدة هناك وبدائِيَّة بل إنعدام وسائط النقل التي تربط بين شعوب هذه المنطقة. يذهب معظم المهتمين بهذا الجانب إلى أنَّ العدد الفعلي لهذه اللغات كان أكثر بكثير مما تم توثيقه وإنَّ العدد الأكثر منها قد إندثر بفعل عمليات التجوال التي كانت ولا زالت تمارسها شعوب القوقاز والحروب والغزوات التي تعرضت لها مناطقهم بالإضافة إلى خضوعهم إلى هيمنة العديد من الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكم المنطقة وما ترتب على ذلك من عمليات دمج وإنصهار للعديد من الشعوب والقوميّات الصغيرة بالكبيرة أو السائدة وهذه كلها كانت عوامل فاعلة أدَّت إلى إنخفاض واضح في أعداد ما تبقى من اللغات المنتشرة في هذه المناطق. وبشكل عام يمكن القول بأنَّ معظم هذه اللغات تتكلم بها أقليات سكّانِيَّة لا يتجاوز عددها بضعة آلاف وربما بضعة مئات ومن جانب آخر فإن هذه اللغات تنتشر في مناطق ضيقة ومتناثرة وبعضها الآخر محصور في قرية بعينها كما إقتصر إستخدام البعض منها في المحيط القبلي أو العائليّ فقط.

لم تحض لغات القوقاز منذ تواجدها وعلى إمتداد قرون طويلة بالدراسات اللازمة لا من قبل القوقازيين أنفسهم ولا من قبل غيرهم من علماء اللغات بإستثناء اللغة الجورجيَّة. كان للفرنسيين السبق في القيام بمثل هكذا دراسات حيث قام السيد م. غروسل (M. Grossel) عام 1837 بتقديم بحوث ودراسات عن اللغة الجورجيَّة، وتبعه السيد ج. روسن (G. Rosen) بتقديم دراسات عن اللغات اللازيَّة والأوسيتِيَّة بالإضافة إلى اللغات المينغريليَّة والسوانِيَّة والأبخازِيَّة وقام بنشرها في الأعوام 1845 و 1846 في باريس. وتبعتها بحوث أخرى قام بها السيد ا. شيفنر (A. Schiefner) عن اللغات الأواريَّة والأوديَّة ونشرها في أكاديميَّة العلوم في بطرسبورغ عام 1856. كما نشر السيد ب.ك. أوسلار (P. K. Uslar) في الأعوام 1887 ـ 1896 في العاصمة الجورجيَّة تبليسي دراساته وبحوثه عن اللغات الأبخازيَّة، الشيشانِيَّة، الأواريَّة، اللاكيَّة، الشوركيليَّة و الكورينيَّة في مؤلفه المكون من 6 أجزاء. قام الألمان بمثل هذه الدراسات مثل الدراسة التي قدَّمها السيد ر. فون إيركرت (R. von Erkckert) بعنوان *القوقاز وشعوبه* ونشرها في مدينة لايبزج في المانيا عام 1887 وعقبها بمؤلفة الواسع بعنوان *لغات قوميّات القوقاز* الذي صدر في فينا عام 1895. وتبعتها الكثير من البحوث ودراسات المقارنة التي تم من خلالها تقويم الهفوات التي وقعت في المنشورات السابقة وتحديد الروابط التي تجمع بين هذه أو تلك من العوائل اللغويَّة أو المجاميع الصغيرة والأصغر التي تنتمي إليها.

Die Sprachfamilien und Sprachenkreise der Erde/ P. W. Schmidt/ Helmut Buske Verlag/ Hamburg 1977/ Seite 66.

عرفت بعض اللغات القوقازيَّة الكتابة منذ وقت مبكر حيث كُتبت اللغة الآرتَئِيَّة القديمة بالخط المسماري وفي القرن الرابع الميلادي كُتبت اللغة الجورجيَّة بالأبجديَّة اللاتينيَّة، إلا أنَّ الغالبيَّة العظمى من هذه اللغات وُلِدَت وتَطَوَّرَت وإنْدَثَرَت دون أن تعرف أبجديَّات لتدوينها، وإنَّ عدد غير قليل من المعاصرة منها تم تدوينها لأوَّل مرَّة مع بدايات القرون الوسطى. إستُخْدِمَت لاحقاً أبجديات غريبة لتدوين هذه اللغات منها العربية واللاتينية والسيريلية والقسم الأكبر منها تمت كتابتها لأوَّل مرَّة في القرن التاسع عشر أو مع بدايات القرن العشرين وبقي قسم آخر لا يعرف الكتابة حتى يومنا هذا. حضيت القليل من هذه اللغات بإعتراف رسمي من قبل الأنظمة السائدة في مناطق تواجدها، ويُعتبر القليل منها ضمن اللغات الرسميَّة.

بالرغم من تواجد خطوط عامة تشترك بها لغات القوقاز، فإنَّ الإختلافات لا تزال قائمة بين علماء اللغات لحد الآن بخصوص تصنيف هذه اللغات أو توزيعها ضمن عوائل لغويَّة محددة، فمنهم من يقسمها إلى عائلتين لغويتين هما عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة وعائلة اللغات القوقازِيَّة الجنوبيَّة، ومنهم من يذهب إلى تقسيم العائلة الشمالية إلى عائلتين منفصلتين هما عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الشرقِيَّة وعائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الغربِيَّة، وذلك بسبب الإختلافات الواسعة بين المنظومات الصوتِيَّة والقواعديَّة والصرفيَّة والمعجميَّة لها بالإضافة إلى الإنعدام الكلي لتواجد مخطوطات أثريَّة تُمَكِّن العلماء من الرجوع إليها، كما أنَّ الأكثريَّة الساحقة منها عبارة عن لغات محليَّة محدودة الإنتشار وغير مكتوبة ولا تمتلك أبجديَّة خاصة بها. أخذ علماء اللغات الفصل في هذا الأمر على عاتقهم ونهظوا بعبأ ثقيل من خلال دراسات المقارنة العميقة والشاملة لهذه اللغات ولمختلف علومها تمكنوا من خلالها من وضع اللمسات الأخيرة في طريق تصنيفها وتحديد إنتمائاتها.

يذهب البعض من علماء اللغات إلى أن الموطن الأصلي لعائلة اللغات الهنديَّة ـ الأوربيَّة، التي تُعتبر اليوم من أكبر العوائل اللغوية في العالم من حيث عدد لغاتها وعدد الناطقين بها ينحدر من هذه المناطق وبالتحديد من مناطق شمال البحر الأسود وشمال القوقاز. )http://www.stawropol.de/html/kaukasus-volker___sprachen.html(

وبالرغم من ذلك فإنَّ هذا العدد الكبير من لغات القوقاز لا يرتبط بأية علاقات وراثيَّة مع اللغات الأخرى المنتشرة في مناطق القوقاز والتي تنتمي إلى عوائل لغويَّة أخرى مثل اللغات الهنديَّة ــ الأوربيَّة، أو الآلطيَّة أو الأسيويَّة ــ الإفريقيَّة.

تصنَّف اللغات القوقازِيَّة ضمن اللغات الصعبة في العالم كما أنها تصنَّف ضمن مجموعة اللغات المعزولة التي لا تمت بصلة إلى لغات أخرى.

تم توزيع هذه اللغات وفقاً لما تم التوصل إليه من نتائج لدراسات المقارنة اللغويَّة إلى ثلاث عوائل لغويَّة مختلفة وهي: 

I. عائلة اللغات القوقازِيَّة الجنوبيَّة

II. عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الغربِيَّة

III.عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الشرقِيَّة 

I. عائلة اللغات القوقازِيَّة الجنوبيَّة/

وتُسَمى أيضاً عائلة اللغات الكارتفيليَّة أو الإيبيريَّة

تتكَوَّن هذه العائلة اللغوية من أربعة لغات فقط تتواجد جميعها في جمهورية جورجيا.

وهي:

1. اللغة الجورجيَّة، واللغات السانِيَّة، التي تشمل اللغتين:

2. اللغة اللازيَّة و

3. اللغة المنغريليَّة بالإضافة إلى

4. اللغة السوانيَّة.

يتكلم بلغات هذه المجموعة أكثر من 5,5 مليون إنسان كما هو موضح أدناه. 

II. عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الغربِيَّة

وتسمى أيضاً عائلة اللغات الأبخازيَّة ـ الأديغيَّة

تنتشر الشعوب التي تتكلم بهذه اللغات على الضفاف الشرقيَّة للبحر الأسود.

تضم هذه العائلة اللغويَّة مجموعتين لغويتين أساسيتين هما:

1. اللغات الأبخازِيَّة ـ الأباسينِيَّة وتشمل على:

1.1. اللغة الأبخازِيَّة و

1.2. اللغة الأباسينِيَّة

2. اللغات الشركسِيَّة ـ الأبيشِيَّة

كانت هذه المجموعة تتكون من مجموعة لهجات مختلفة تَطَوَّرت في الفترة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر لتتبلور منها كل من اللغتين التاليتين:

1.2. اللغة الشركسِيَّة القبردية

2.2. اللغة الشركسِيَّة الأديغيَّة

وتضاف إلى هذه المجموعة لغة أخرى هي:

3. اللغة الأوبيشيَّة وهي لغة منقرضة. 

III. عائلة اللغات القوقازِيَّة الشماليَّة الشرقِيَّة:

وتسمى أيضاً عائلة اللغات الناغيَّة ـ الداغستانِيَّة

تضم هذه العائلة 30 لغة معظمها في جمهوريَّة داغستان وهي

(جمهوريَّة فدراليَّة ضمن جمهوريَّة روسيا الإتحادِيَّة) والمناطق المجاورة لها.

يبلغ عدد الناطقين بلغات هذه العائلة اللغويَّة أكثر من أربعة ملايين إنسان.

يجري تقسيم لغات هذه العائلة اللغويَّة على الشكل التالي: 

1. اللغات الناغيَّة وفيها

1.1.  اللغات الفيجناغيَّة، التي تشمل على اللغتين:

1.1.1. اللغة الشيشانيَّة، و

2.1.1. اللغة الإنغوشِيَّة بالإضافة إلى

2.1.  اللغة الباتشِيَّة 

2. اللغات الداغستانِيَّة، التي تضم عدد من المجاميع اللغويَّة الصغيرة منها:

1.2. اللغات الأواريَّة ـ الأندِيَّة ـ الديدوية

وتشمل على اللغات التالية:

1.1.2. اللغة الأواريَّة

2.1.2. اللغات الأندِيَّة وتشمل على 8 لغات وهي:

1.2.1.2. اللغة الأخواخيَّة

2.2.1.2. اللغة الأندِيَّة

3.2.1.2. اللغة البغوالاليَّة

4.2.1.2. اللغة الغودوبيريَّة

5.2.1.2. اللغة الكاراتينيَّة

6.2.1.2. اللغة التنديَّة

7.2.1.2. اللغة التشامالاليَّة

8.2.1.2. اللغة البوتليشيَّة

3.1.2. اللغات الديدوية وتشمل على 5 لغات وهي:

1.3.1.2. اللغة البشتِينِيَّة

2.3.1.2. اللغة الشوارشينيَّة

3.3.1.2. اللغة الهينوشيَّة

4.3.1.2. اللغة التسِيسِيّة أو الديدوئيَّة

5.3.1.2. اللغة الهُنْسِيبِيّة

4.1.2. اللغات اللاكشيَّة ـ الدارغينيَّة وفيها:

1.4.1.2. اللغة اللاكشيَّة

2.4.1.2. اللغة الدارغينيَّة

5.1.2. اللغات اللزغيَّة وتشمل على:

1.5.1.2. اللغات الساموريَّة ومنها:

1.1.5.1.2. اللغة الأغهوليَّة

2.1.5.1.2. اللغة اللزغيَّة

3.1.5.1.2. اللغة الرُوتُوليَّة

4.1.5.1.2. اللغة الطباسارانيَّة

5.1.5.1.2. اللغة التساخورِيَّة

2.5.1.2.   لغات شاه داغ وتشمل:

1.2.5.1.2. اللغة البودوخيَّة

2.2.5.1.2. اللغة الكريزيَّة

3.5.1.2.   اللغة الأودشِيَّة

4.5.1.2. اللغة الآرتشيِنيَّة

5.5.1.2. اللغة الشينالوغِيَّة 

***

د. محمد شطب

.......................

*ستتم الإشارة في هذه الدراسة إلى اسماء اللغات والمجاميع التي تنتمي إليها ضمن هذه أو تلك من العوائل اللغويَّة المشار إليها وإلى مناطق إنتشارها بالإضافة إلى عدد الناطقين بها وهل هي لغات معاصرة أم منقرضة، لغات محكيَّة فقط أم محكيَّة ومكتوبة ومتى تم تدوينها لأوَّل مرَّة وما هي الإبجديات المستخدمة في كتابتها، وهل هي من اللغات المعزولة أم لها صلات بلغات أخرى، هل هي لغات محليَّة أم لغات عالميَّة، لغات رسميَّة ومعترف بها أم أنها لا تحضى بهذه الأمكانيَّة، بالإضافة إلى ذكر الكود الدولي لها دون التطرق إلى علومها وأدابها.*  

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم