صحيفة المثقف

لماذا يعادي الغرب الوسطيه في العالم العربي والأسلامي؟

اياد الزهيريأنها مفارقه يتسائل الكثيرون عن سبب العداء بين جهات أتخذت من الأعتدال والوسطيه نهجاً لها، وبين الأمبرياليه الغربيه، الذي يصل أحياناً الى حد المواجه الدمويه بينهم، وما الحروب التي جرت سابقاً وحاضراً الا مصداق لهذا العداء الذي أشرنا اليه . لو دققنا جيداً لرأينا أن الدول الأمبرياليه وعلى رأسها أمريكا تسعوا طامحه الى الهيمنه على منطقة الشرق الأوسط، ولأسباب معروفه أهمها أقتصاديه لما تتمتع به بلدان الشرق الأوسط من ثروات كبيره، بالأضافه كسوق عالمي كبير لما تتمتع به من ثقل سكاني كبير . هذا الأمر جعل هذه المنطقه منطقة صراع منذ بداية الحرب العالميه الأولى وليومنا هذا . لانستطيع فصل القضيه الفلسطينيه من هذا الصراع أيضاً، وهو سبب مهم ورئيسي كذلك، حيث تسعى أسرائيل ومن وراءها أمريكا من بناء دولة الحلم أسرائيل من الفرات الى النيل . هذا المشروع الأمريكو-أسرائيلي أصطدم بعقبة قوى الأعتدال من قوى سياسيه ذات أيديولوجيه أسلاميه ووظنيه تتصف بالأعتدال، وتحمل لواء الأصلاح في بناء بلدانها بعد أن سقطت الدوله العثمانيه على يد كمال أتاتورك . هذه الدوله التي حكمت أجزاء كبيره من العالم الأسلامي، وما تميزت به من سلطه وجبروت غاشم، وبما أدعته من أنها تمثل دولة الأسلام وما بررت به سلطانها بأنه ظل الله بالأرض . هذا الأعاء فلسفَ لهم وعاظ السلاطين الذين يعملون في خدمة السلطان . وهذا اللون من الحكم الثيوقراطي أدلجه أبتداءاً معاويه بما ساقه من مبررات وأحاديث موضوعه جاء بها واضعي وملفقي الأحاديث التي نسبوها للنبي (ص) وهو منها براء وكان أشهرهم أبي هريره وهو بمثابت وزير دعاية وأعلام البيت الأموي ومن ما نسب للرسول من أحاديث ( ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني). كما دعموها بفلسفة الجبر التي تنطلق من مقولات أن كل ما يحدث في العالم ومنها تنصيب الحكام من الله، ومنها قدر وقضاء الفقر والغنى، وما على الأنسان الا الأستسلام لهذا القدر حتى سموا بالقدريه، وأستمر هذا الخط الى العباسين ومن ثم العثمانيين، حتى أن الماوردي (1058 م) وهو من فقهاء السلطان عاش في زمن الدوله العباسيه، يقول (أن الله جلت قدرته ندب الأمه زعيماً خلف به النبوه وحاط به المله وفوض اليه السياسه)، بهذا المنطق الذي لا علاقه له بالأسلام، والذي عبر عنه علي (ع) عندما جاءه طلحه والزبير لمبايعته،قال لهما (أن هذا الأمر لا يكون الا عن رضا الناس وأن بيعتي لا تكون الا عا مه ) ثم أكد (أنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فمن رضي به المهاجرون والأنصار كان لله رضا). أن أضطهاد الدوله العثمانيه لشعوب كل الدول التي أحتلتها كان الى درجة الأختناق وتميز بالتعسف والأستبداد، ومعروف عن العثمانيون بسلوكهم الشرس وشخصيتهم الجلفه أتجاه رعاياهم . فمع أنفراط عقد هذه الدوله والتي سمتها الدول الأوربيه بالرجل المريض، قسم تركت هذه الأمبراطوريه الأوربيون بمعاهدة سايكس-بيكو، ولكن من الملاحظ برزت ظاهره جديده على أثر الفراغ الذي تركه سقوط الدوله العثمانيه . هذه الظاهره،هي ظاهرة أنقسام النخب الثقافيه في هذه الكيانات الجديده والتي تتكون من علمانيين وسلفيين وأصلاحيين، هؤلاء كان منهم الناقم على الوجود التركي ويعتبره أستعمار قد ساهم بتخلف هذه الكيانات وسبباً للأنحطاطها وفقرها وتخلفها، وهناك من كان يتباكى على ضياع دولة بني عثمان معتقداً بأنها تمثل بيضة الأسلام، ورمزاً للمسلمين، وكان من يمثل هذا الأتجاه في مصر جماعة الأخوان بزعامة حسن البنا ومن العلمانيين سعد زغلول، أما في العراق فكان يمثل الجانب الصديق للدوله العثمانيه هم مشيخة الأسلام السني، وبعض علماء الشيعه الذين وقفوا ضد الأنكليز لا حباً بالدوله التركيه ولكن طرداً للأستعمار المسيحي المتمثل بالبريطانيين آنذاك، كما مثل العلمانيين بعض العسكريين وعلى رأسهم نوري السعيد، ومحسن السعدون، وبعض ألقوميين العرب، أما في نجد والحجاز فقد برزت السلفيه التي مثلتها الوهابيه والأتجاه العلماني الذي مثله الأمير الشريف حسين، والد الملك فيصل ملك العراق . أختصر الموضوع بهذه البلدان لأن في بقية البلدان العربيه برز فيها ما شابه هذه البلدان التي ذكرناها، ولكن المهم بالموضوع هو موقف الأستعمار الغربي من هذه الحركات التي أبرزت مواقفها المتباينه من ما يحدث على بلدانها لذى عمدت الدول الغربيه وكانت أنذاك بريطانيا وفرنسا وأيطاليا،هي من تقاسمت بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكي تسهل مهمتها، وتزيل كل العراقيل من أمام تواجدها، وبعد ذلك أستغلال ثروات هذه البلدان، وجعلها سوق أستهلاكيه لها، عمدت تكريس حاله من الفوضى والضياع وترسيخ الأنقسامات فيها، وقد أستخدمت لذلك سياسة (فرق تسد) المعروفه . فعملت على تأجيج البعد الطائفي بين السنه والشيعه في العراق، وبين المسلمين والمسيحين في لبنان، لذى ترى المستعمر الغربي شجع قوى الجمود والتطرف وخاصه المذهب الوهابي في السعوديه والسلفي في بقية البلدان وخاصه في مصر، كما شجع الطرق الصوفيه في المغرب العربي. من جهه أخرى تصدت هذه القوى الغربيه للتيارات الأصلاحيه سواء كانت وطنيه مثل حركة سعد زغلول في مصر ولعبد القادر الجزائري في الجزائر وللحوزه العلميه في النجف وكربلاء في العراق، بينما عمدت الى تغذية بعض التيارات الفكريه وخاصه بين الشباب ذوي الميول الغربيه بهدف حملهم على التبعيه الثقافيه والفكريه للمستعمر الغربي، في حين أستخدمت العصى مع كل تيار يدعو الى الأصلاح والتحرر وأنجاز الأستقلال الوطني، لذلك ترى بريطانيا أقتربت في العراق الى تيار نوري السعيد المتمثل بالحزب العراقي، وحزب التقدم برئاسة عبد المحسن السعدون، وأبتعدت من الحزب الوطني العراقي الذي قاده السياسي العراقي جعفر أبو التمن، وأبتعدت من حوزة النجف الأشرف المناهضه للأستعمار الغربي وأقتربت من مجموعة عبد الرحمن النقيب بأعتبارها تمثل الأسلام التقليدي السني الذي كان موالياً للأستعمار العثماني، وهنا لعبت المسز بل دوراً محورياً في تغليب الأقليه السنيه على الأغلبيه الشيعيه . وهكذا أنتجت هذه السياسه عن ظهور تيارات وأحزاب سارت في فلك القوى الغربيه، أو على الأقل مهادنه لها، ولذلك خانت بريطانيا عهودها مع الشريف حسين الذي كان يدعو الى أقامة دوله عربيه كبرى، وعاضدت ال سعود لأنشاء مملكتهم ذات الطابع القطري مع ضمان تعاونهم معهم في الأستثمار في المملكه السعوديه بأعتبارها بلد واعد بالثروه النفطيه . كانت حصيلت هذه الساسات الأستعماريه تمزق العالم العربي، وظهور تيارات متصارعه، وأفكار تنقسم بين غربيه وشرقيه لا تنتمي لتراث وثقافة ودين وحضارة هذه البلدان، وأن ما أصاب منطقتنا من حروب وفوضى هي نتيجه طبيعيه ومنطقيه لما أسس له الغرب من كيانات متصارعه ومتناقضه الى حد زرعت فيها الأستعداد للتقاتل فيما بينها، وسحق بعضها بعضاً مرتاً لأسباب فكريه، وبعضها مناطقي، والأخرى أيديلوجي، ورابعه قومي، حتى أشبعوا المنطقه حروب ونزاعات ذهبت ضحيتها الملايين من البشر، وخسرت الكثير من الثروات، والمزيد من فرص التطور لهذه الشعوب . المشكله أن المشروع الغربي ما زال قائماً هو هو أطرافه الغربيه مضاف لها أمريكا وأسرائيل، وبنفس الأساليب والأدوات ولكن بأسلوب أكثر دهاءاً وتطوراً، فقد ورثت أمريكا بريطانيا العجوز، وورثت معها آلياتها في تكريس التخلف وزرع التفرقه والضياع بين شعوب هذه المنطقه، وذلك عن طريق زراعة الأنظمه الديكتاتوريه من أمثال شاه أيران، وال سعود وحزب البعث في العراق، والعائله الهاشميه في الأردن، وينسحب ذلك على بقية البلدان العربيه والأسلاميه، فهي من أغرت صدام بالهجوم على أيران وأشعال حرب لمدة ثمان سنوات أحرقت الحرث والنسل، وهي من صنعت طالبان كتنظيم متطرف ديني وعادت الحركات الأسلاميه المعتدله والأصلاحيه . كما أسست داعش وهو تيار أجرامي متطرف ومتخلف والذي يمثل أقصى درجات الجمود والتخلف، تيار أقصائي قاتل والذي قاد حروب عبثيه أبتداءها في سوريا وأنتقل الى العراق، وهذا التأسيس ما صرحت به هيلاري كلنتون وزيرة خارجية أمريكا في عهد الرئيس أوباما، في حين عادة أمريكا الحشد الشعبي العراقي الذي يمثل الحاله الوطنيه والمعتدله في الساحه العراقيه وقتل أبرز قادته وهو أبو مهدي المهندس بقصف جوي . كل هذا،من أجل غايه خبيثه تسعى أمريكا من وراءها الى أقصاء قوى الأعتدال في هذه البلدان، وتهميش كل القوى الخيره والبناءه والوطنيه كحزب الله في لبنان، الذي يسعى الى تحرير لبنان من المحتل الصهيوني، فترى أمريكا تسعى مقابل ذلك الى تعضيد القوات اللبنانيه بقيادة جعجع، وهي قوات عميله للكيان الصهيوني وهي من وضعت يدها بيد القائد العسكري شارون في زمن رئيسه بيار الجميل لأجتياح لبنان،في حين دارت ظهرها لكل القوى الوطنيه اللبنانيه،في حين تضامنت وساعدت القوى الرجعيه المتمثله بتيار المستقبل في لبنان برئاسة الحريري وبمعاونة السعوديه بأعتبارها ذيلاً أمريكياً وتأتمر بأمرها. الآن بدأت ومنذ زمن أمريكا بالتعاون مع بريطانيا وأسرائيل في مشروع تدميري أكثر خطوره وأعظم تدميراً للمنطقه، والآن يجرى هذا بكثافه وبخطى سريعه على الأرض العراقيه . هذا المشروع يتناول القناعات والرؤى لدى الشباب، في محاوله خبيثه لتحويل قناعاتهم الوطنيه والدينيه، وشيطنة محور المقاومه التي تعمل على طرد المحتل . هذا المشروع يتناول تفكيك البنى الفكريه للشعب العراقي، وزراعة مفاهيم التشكيك في عقيدة أبناءه وخاصه الشباب، هذا المشروع يشترك فيه بشكل مباشر أو غير مباشر طبقه من العلمانيين المدجنيين من قبل الغرب والمخصيين من قبل النظام البعثي السابق، ومنهم من الموتورين اليساريين الذين يشعرون بالتأزم النفسي نتيجه لأنكساراتهم وفشلهم في تحقيق أهدافهم الحزبيه والشخصيه والذين باتوا مشروعاً وسيفاً مشرعاً للمشروع الغربي والرجعي في المنطقه من أمثال سعدي يوسف ورشيد الخيون، ومنهم بعثيون من أمثال سعد البزاز والدكتور يحيى الكبيسي وو،كما جندوا لمشروعهم هذا بعض المرتزقه من أمثال أحمد الأبيض ومشعان الجبوري،و قسم من الطائفين من أمثال الدكتور عدنان الدليمي ورافع العيساوي والأخوه النجيفين أسامه وأثيل، وبعض العشائريين من أمثال علي حاتم السلمان وأحمد أبو ريشه وغيرهم الكثير، كل من موقعه، فالعملاء العشائريون يعملون على تكريس المناطقيه والعملاء الطائفيون لتكريس الطائفيه والعلمانيون لتكريس الأفكار والقناعات التي تصدع المنظومه الأخلاقيه والفكريه والعقائديه للشعب العراقي وذلك من خلال بعض المعتوهين من أمثال أحمد القبنجي وأياد جمال الدين، وغيث التميمي وهؤلاء معممون ومن الوسط الشيعي وهو المقصود حصراً في هذه الحمله بأعتباره يحمل فكراً تنويرياً معتدلاً ووسطياً خاصةً الوسط الحوزوي الذي يمثله المرجع السيستاني والفكري الذي يمثله أية الله محمد باقر الصدر. ومن باب الأيغار في تزيف الوعي في وسط الشباب الشيعي خاصةً وذلك لقتل جذوة الحميه والثوريه في روحه والتي يستمدها من عقيدته الحسينيه وبرجالات حبهم الى حد العشق بأعتبارهم رمزاً للبطوله والأقدام، حاولت بعض وسائل الأعلام على مستوى وسائل الأتصال الأجتماعي (الفيسبوك) لغرض التقليل من أهداف الثوره الحسينيه ومحاولة تصويرها بأن بطل هذه الثوره هدفه السلطه لا غير أو كانت حركته غير محسوبه وطائشه من أجل التقليل من هذا الرمز البطولي والتقليل من درجة أيحاءها الثوري في نفوس الشباب، والأمر لم يصل الى هذا الأمر فقط، فقط بدأوا في الطعن في سمعة وشرف بعض البيوتات العلميه والتي تعتبر رمز للعفه والشرف والأمانه، فمثلاُ أخذوا ينشروا فيديوات لأحد أبناء السيد الخوئي والذي أسمه عباس وهو مختل عقليلاُ بالهجوم على بعض رجال الدين وما يجري بالحوزه من تلاعب بأموالها، ووصل الأمر الى تناول عائلة بيت كاشف الغطاء، وهي من العوائل العلميه المحترمه، حيث نشرت وسائل التواصل وحتى بعض القنوات التلفزيونيه عن بنت شابه تدعي أنها من هذه العائله، و هي فتاة ساقطه خلقياً تتعرى وتعمل مكياج بشكل شاذ وتقول أنا أريد أن أفضح عائلتي بسبب معاملتهم القاسيه لي. وأخيراً بدأ الطعن بالثورة العراقيه الكبرى (ثورة العشرين) التي قام بها الشيعه في منطقة الفرات الأوسط وبقيادة علماء دينهم من أجل طرد المستعمر البريطاني، فأخذوا يستهجنون بها ويشككون فيها ويعتبرها البعض بأن الذين قاموا بها أناس سذج وحمقى وكان عليهم أن يدعوا بريطانيا أن تحتل العراق وتحوله الى بلد متقدم، وهناك مثل المدعو جمال الكربولي أمين عام حزب الحل وصاحب قناة دجله الفضائيه يدعي أن بطل هذه الثوره هو ضاري الزوبعي، في محاوله لسرقتها من أصحابها الأصليين الشيعه. كل هذا من أجل تكريس حالة الضياع وزرع عدم الثقه وأزالة القائد القدوه من أذهان الشباب الشيعي، وهنا يشير الدكتور سلمان الهلالي أستاذ التاريخ الحديث في مورد حديثه عن ثورة العشرين وما تتعرض له من طعون، فيقول أن هذا يهدف الى (زرع الدونيه والأستلاب عند الجيل الجديد)، كما يقول لكي (يؤدي الى الخجل من أي فكره أو أنجاز أو عمل أو تاريخ يمت للجماعه الشيعيه بصله) . طبعاً هذا يهدف الى الحط من هذه الطائفه المناضله التي تتسم بالوسطيه والأعتدال، وما توسم بها أعداء العراق من أمكانيه وطموح لأبداع حلول تخرج هذا البلد من أزمته، معتمده على ما تختزنه من طاقه ذاتيه عظيمه مستنده على خصوصيتها الثقافيه والتعبويه التي أستمدتها من رموزها التاريخيون، وما يمكن أن يفتحوا قنوات أتصال مع الجمهوريه الأسلاميه الأيرانيه في الأستفاده من قدراتها العلميه وخبراتها الفنيه وهذا ما لا يروق لأمريكا وأسرائيل ومن الطائفيين من بعض دول الجوار، والبعض من ساسة السياسيين المحسوبين على الطائفه السنيه . هذه هي بالحقيقه الأستراتيجيه المعتمده اليوم من قبل امريكا ضد قوى الأصلاح والوسطيه في العراق، وامحاولات المسخ والأستلاب جاريه على قدم وساق على تزيف وعي شباب هذه الطائفه والمدرسه الأسلاميه التي تمثل الأعتدال والوسطيه في عملها وحركتها وأفكار رجاله.

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم